قضايا وآراء

المبعوث الدولي لتسيير الأعمال

| محمد نادر العمري

يمكن قراءة واعتبار تمديد مهمة المبعوث الدولي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، الذي أعلن رغبته في الاستقالة منذ شهرين وترك منصبه لأسباب «شخصية»، حالة تعكس وجود تطلعات إيجابية من دي ميستورا ذاته والمنظمة التي يمثلها بشأن تشكيل «اللجنة الدستورية»، بعدما كان من المقرر أن تشهد أروقة الأمم المتحدة نهاية الشهر الجاري مراسم تسلم وتسليم مهام منصب المبعوث الدولي إلى سورية بين دي ميستورا والمبعوث الجديد، غير بيدرسون.
واقع الإيجابية بتشكيل اللجنة الدستورية يتوقف على عاملين: الأول، تراجع دي ميستورا عن إصراره بأن يكون طرفاً ثالثاً ينسب لنفسه دور «العراب» في انتقاء شخصيات القائمة الثالثة، وترك مهمة تشكيل الثلث الثالث من اللجنة للدول الضامنة لأستانا، وهو المقترح الذي قدمته دمشق سابقاً أثناء زيارة دي ميستورا إليها مؤخراً.
ويمكن تأكيد هذا التوجه بمخرجات اجتماع المبعوث الحالي بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نهاية الأسبوع الحالي في جنيف.
أما العامل الثاني فهو مرتبط عضوياً بالأول ويتمثل بقدرة الدول الضامنة في اجتماعها المقبل نهاية شهر تشرين الثاني، في تحديد هوية أعضاء القائمة الثالثة، وكيفية انتقائهم، الأمر الذي قد يخلق تجاذبات يمكن السيطرة عليها بين محور موسكو طهران مقابل المحور التركي، فالمحور الأول يفضل انتقاء شخصيات سورية من الداخل السوري وشاركوا بمؤتمر الحوار الوطني في سوتشي، بينما تسعى أنقرة لانتقاء شخصيات مقربة من المجموعات المسلحة، وخلال هذا الاجتماع الذي سيحضره، إلى جانب ممثلي الدول الضامنة، وفدا الحكومة والمعارضة، إلى جانب الأمم المتحدة بصفة مراقب، ستظهر مدى تمكن موسكو من حشد توافقات إقليمية ودولية في مسعاها هذا.
في المقلب الآخر يمكن اختصار تمديد ولاية دي ميستورا بأنه ينصب في إطار التصور الأميركي عن التسوية السورية، ضمن المقاربة الجديدة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، العرض الذي أوضح جوانبه المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، خلال جولته الواسعة على القوى الإقليمية والدولية المعنية المتداخلة في الأزمة السورية، بالربط بين الموقف المتشدد تجاه شن أي عملية عسكرية في إدلب والإصرار عبر المجموعة المصغرة بالإسراع في تشكيل اللجنة الدستورية.
ضمن هذا التوجه ترمي واشنطن إلى إيجاد مساحة لها في إدارة مصالحها داخل سورية وتحتاج لتحقيق ذلك إلى مبعوث دولي تثق به كدي ميستورا، وبمعنى آخر واشنطن تسعى من خلال الواجهة الدستورية تعزيز حضورها ومصالحها في سورية والرهان على الابتزاز بملفات إعادة الإعمار واللاجئين واللجنة الدستورية.
دور دي ميستورا اليوم وبعيداً عن التصورين السابقين الإيجابي والسلبي لهذا المحور أو ذاك، هو دور يشابه إلى حد كبير حكومة تسيير أعمال في أي نظام سياسي، وتعويل الآمال الكبيرة على هذا الدور هو ضرب من الخيال، رغم الإعلان الروسي بأن الجهود تنصب لكي تتشكل اللجنة مع نهاية العام إلا أن الواقع الميداني يفرض علينا الوقوف أمام عراقيل في غاية الأهمية ستؤخر ذلك، أهم هذه العراقيل هي إدلب بما تمثله من رقعة جغرافية تحتوي على أكثر من 140 ألف إرهابي يحملون جنسية 60 دولة ويقاتلون بصفوف 103 جماعات مسلحة، وخاضعة لاتفاق محتوم الانهيار، ومن المؤكد أنها تحتاج لعمليات عسكرية واسعة تتمتع بخصوصية على الأقل لفترة لا تقل عن المنطقة الجنوبية من سورية وهي شهر في أحسن التقديرات.
ومن ثم من حيث التوقيت والتطورات فضلاً عن التجاذبات الإقليمية والدولية، فإن تشكيل اللجنة ممكن ولكن انطلاق اجتماعاتها وتحديد جدول أعمالها والتصويت داخلها والكثير من الأمور اللوجستية المعقدة قد يحتاج لمدة لا تقل عن 3 إلى 5 أشهر، ومن هنا أفهم شخصياً نصيحة مندوب سورية الدائم في الأمم المتحدة بشار الجعفري للمبعوث الدولي الجديد بألا ينصب نفسه طرفاً ثالثاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن