الأولى

أين أبواب جهنم الآن؟

| نبيه البرجي

إذا كانت هناك آذان، إذا كانت هناك عيون، لحجارة الشطرنج التي تبعثرها الرياح، تذروها الرياح، في أرجاء… العدم! فدمشق قالت لهم لا تفتحوا أبواب جهنم لأن جهنم تدق على أبوابكم. أين الشراكة الإستراتيجية بين السلطنة والمملكة؟ وأين التوءمة الإستراتيجية، كما قال هاري ترومان، بين ضفتي الأطلسي؟
في القارة العجوز يعلو الكلام عن النظام العالمي البديل. دونالد ترامب، بقبعة المهرج، قال بـ«الإمبراطورية الأميركية العظمى» التي تدور الكواكب حولها.
هاهو الشاهد على مأزق الاستقطاب الأحادي. الأوروبيون، للمرة الأولى، يرفعون الصوت «لسنا حراساً لغرفة نوم الإمبراطور».
القفاز في وجه الرئيس الأميركي. جيش أوروبي، ما يعني تفكيك المنظومة السياسية والعسكرية والفلسفية في نصف الكرة الغربي، «لن تجر أميركا، بعد الآن، تلك القافلة من الخراف».
من لا يعرف تفاصيل السيناريو الذي أعدّه الثلاثي هنري كيسنجر، دنيس روس، اليوت أبرامز، بمشاركة من الملياردير النيويوركي شلدون أدلسون، العرّاب الأميركي لبنيامين نتنياهو؟ تدمير الدولة وتدمير الدور في سورية، لتنشأ معمارية إستراتيجية أخرى في المنطقة. تالياً، أو تزامناً، تكريس الرؤية العرجاء لصفقة القرن.
أولئك الذين يصوغون الإستراتيجيات بذهنية قطاع الطرق، استخدموا أكثر من بلاط من بلاطات القرون الوسطى، لبلورة مناخات الصفقة على الأرض، من دون أن يأبهوا بالنصائح التي أسديت إليهم: الدخول في «لعبة الأعاصير»، وهي بشكل أو بآخر، «لعبة الثعابين»، مجازفة كبرى. مثلما تتدحرج العباءات تتدحرج الرؤوس.
لن نعود إلى تلك الأيام الجريحة. ذات يوم لا بد أن تفتح الأوراق ليظهر المدى الهيستيري في تلك الرهانات البلهاء، من دون أن يتبينوا، وقد احترقت أصابعهم، واحترقت وجوههم، أنهم مجرد قوالب خشبية، وأن أحزمة النار تحدق بهم من كل حدب وصوب.
من يصدق أن كل تلك الضوضاء تنبعث من جثة لطالما كانت الظل في حضرة أولياء الأمر؟ قريباً تلاحظون إلى أين ينتهي أولئك الذين راهنوا، باللحى المسننة، على أن يكونوا ملوك الشرق الأوسط، قبل أن يظهروا حفاة، مكتوفي الأيدي وسط الحلبة.
دانيال بايبس، ولطالما كان أحد قارعي الطبول في واشنطن، بدا وقد انقلب على نفسه «هؤلاء الذين تتهاوى عروشهم إذا ما أشعلت عود ثقاب بين أقدامهم».
مصادر أوروبية وخليجية تصف ما حدث وراء الضوء، ومنذ حادثة القنصلية، بأنه «أكثر من أن يكون هائلاً». قال «لكأنها المفاوضات بين الذئاب». في نهاية المطاف، من يضع يده على ورقة التوت؟
تقطيع الحقيقة بتقنية تقطيع الجثة. جون برينان، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، استعاد مسرحية غوته الشهيرة «فاوست» ليصف دونالد ترامب بـ«الرجل الذي باع روحه للشيطان».
برينان لاحظ كيف أن الحديث بات علنياً حول النرجسية القاتلة في اليوميات الرئاسية. تحدث عن «تداخل سريالي» بين دونالد ترامب ورجله في قصر اليمامة. في واشنطن يسألون هل كان الاثنان يهويان، معاً، إلى القاع، أم إن بقاء أحدهما يفترض زوال الآخر؟
هي المعادلة الصارخة الآن. ما يدور في البلاط، أو حول البلاط، لكأنه إحدى الليالي الشكسبيرية التي تضج بالأشباح. ما إن يرفع الستار حتى تتوالى الأسئلة: جثة من ننتظر على ضفة النهر؟
الاتصالات حول صفقة ما تعثرت، ثم تعثرت، لأنها الاتصالات بين حفاري القبور. دونالد ترامب، بتغريدات الليدي غاغا، أحدث ارتجاجاً، بل تصدعاً دراماتيكياً، في المعادلات الإستراتيجية التي تشكلت في يالطا (1945)، لتأخذ في هلسنكي (1975)، منحى أكثر قابلية للتفاعل مع المسارات الفلسفية للعصر. مثلما قالت دمشق كلمتها بالأمس، تقول كلمتها اليوم. انظروا أين أبواب جهنم الآن!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن