ثقافة وفن

ماجد العظمة .. قامة سورية

| إسماعيل مروة

إنه قامة سورية تحمل كل معاني الانتماء لسورية وأرضها وإنسانها وعلمها إنه الماجد .. ماجد العظمة، الطبيب والضابط، والمنضبط، وضابط إيقاع مؤسسة عسكرية صارمة لا تقبل الخطأ في أي مفصل من مفاصلها.. لقداسة النضال دور وعظمة، ولنبل الطب الكثير من التوقير، ولكن لا سماح في تجاوز حدود انضابط، ولا تهاون في أن يتجاوز أحدهم قاعدة صارت من اللوازم التي غدت قانوناً .. والعظمة تورث العظمة، ومن يوسف العظمة الشهيد والوزير، إلى ماجد العظمة الطبيب والضابط الذي أدار مشفى العظمة الكبير، وأخلص في أن يكون اسمه خدمة لأبناء الوطن من العسكريين.
الخدمات الطبية في الجيش، الجراحة الطبية البارعة، الإدارة الطبية العسكرية الصارمة، هي مواصفات الدكتور الراحل الكبير ماجد العظمة، الذي ما سمعت اسمه يوماً إلا كان مقروناً بالاحترام والهيبة، وكل من عرفه يروي لك كيف كان العظمة طبيباً بارعاً، وضابطاً حازماً، وكان كل ذلك في إهاب إنسان لا يعرف الصوت المرتفع، كل ما كان يصدر عنه تعبير وهيبة.. وبقي هذا الاسم مرتبطاً بالخدمات المثلى التي يتلقاها العسكري السوري في ظروف الحرب والسلم، ولم تتغير هذه الخدمات، ولم يحمل منها العظمة الطبيب إلا السمعة العالية والهمّ والتسهيد في كل حياته.
كنت أسمع اسمه وأهابه، حتى التقيته أول مرة وجهاً لوجه في مكتب السيدة الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية، هيبته مع أناقته، نظرته ثاقبة مصوبة إلى غايتها، وفي ذلك اليوم كانت مصافحته قوية وحميمية، وأذكر مناقشته لي في عدد من المقالات والزوايا، وكانت مناقشة عميقة، ومن ثم تتالت هذه اللقاءات كلما تفضلت السيدة الدكتورة بمقابلة، أو سمحت لها التزاماتها باستقبالي كواحد ممن تتلمذوا على لغتها وأسلوبها وسموّ أخلاقها. وفي هذه اللقاءات قرأت سرّ الرابطة بين الدكتور العظمة والدكتورة العطار، وتسمح لي أن أنقل صورة جميلة، الدكتورة تقرأ المقال أو الصفحة وتناقش الرأي مع الدكتور ماجد الذي بقي على وقاره وأناقته، ولم يأخذ منهما شيء، لقد كان الدكتور ماجد محط اهتمام روح وعين شريكة عمره الأديبة التي تسمو بأخلاقها فوق ما يمكن أن يلوث الحياة من رغائب.
طائران من انتماء وهدوء
مخلوقان من كبرياء وشغف
تكوينان من حب وانتماء كانت الدكتورة نجاح العطار والدكتور ماجد العظمة..
وذات لقاء كان معهما ابنهما الفاضل، وتحدثنا عن آليات تربية العظمة، وكيف كان يتعامل مع ولده في البرد والحر من دون أن يسمح له بتجاوز حدود الأبوة والبنوة، ومن دون أن يسمح له بالإفادة من سيارة الطبيب الضابط العسكرية، قال لي يومها ابنه: كان صارماً وقاسياً ورائعاً.. ضحك العظمة الأب وقال له: هل حزنت مني، وكان الجواب غمرة امتنان من ابن عرف التربية ومؤداها، وابنتهما العالمة والطبيبة الدكتورة أروى، كنت أراها، ولا أعرف أنها ابنتهما، فما من علامات من دلّ أو تقرب أو غير ذلك، وسمعت من بعض الناس الذين يزورون البلدان دوماً أن الدكتورة أروى من العالمات في ميدانها.. وحين تعرضت لعمل جراحي في العين، سمعت الدكتورة نجاح تعرب عن أنها كانت ترغب بتقديم طب الدكتورة أروى لواحد من أبنائها.. ولكنني أجريت الأمر وانتهى..
ولكن سوء حظي وإهمالي لذاتي جعلني مهدداً من جديداً، وحين طلبت من أحد أصدقائي أن يطلب لي رقم الدكتورة أروى كانت إجابته لقد رحل والدها الدكتور ماجد اليوم..! فخسرت خبرتها وعلمها، مع اكتظاظ سورية بالعلماء، وكنت عاجزاً عن أن أودّع هذا الرجل الذي احترمته، ولا أعرف مكانتي عنده لاحتفاظه بصمت العسكري حتى آخر أيامه..
وكل المواساة لأستاذتنا سيدة اللغة والأدب والذوق والانتماء الدكتورة نجاح العطار التي كانت عيناها تبرقان دوماً حباً وحرصاً واهتماماً بشخص كان هي وكانت هو..
قامتان سوريتان بامتياز.. أعطتا سورية ما يعجز عنه الكثيرون، انزرع الماجد في تربتها ورعاية أستاذتنا د. نجاح العطار سماء سورية..
إن منع القدر، فالورق كفيل بأن يوصل مقدار ألم الوطن برحيل أحد أبنائه المنتمين الذين يعجز التعبير الإنشائي عن وصفه.
وعن ألم شخصي حالت الصحة دون أن أكون متقبلاً للعزاء ومعزياً ككل السوريين الذين خبروا سمو أخلاق الدكتورين القامتين العطار والعظمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن