قضايا وآراء

لعبة خلط الأوراق الأميركية واتجاهاتها المحتومة

تحسين الحلبي : 

إذا كانت الولايات المتحدة قد حددت منذ عام 2001 أنها تشن حرباً على الإرهاب وعلى (دول محور الشر) وفرضت تدخلها السياسي والعسكري والاقتصادي باسم هذا الشعار فإن النتائج التي حصدتها بعد 14 عاماً من هذه السياسة لم تحقق الأهداف التي حددتها وأهمها إحكام السيطرة الشاملة على المنطقة كلها من أفغانستان مروراً بالعراق وإيران ووصولاً إلى سورية والمقاومة… لكن عدم قدرتها على تحقيق هذا الهدف لا يعني أنها ما تزال لاعباً أساسياً في استخدام أوراق حليفة مثل قطر والسعودية وتركيا والأردن وأخرى حليفة بشكل غير مباشر مثل معظم المجموعات الإرهابية التي تكاثرت أسماؤها خلال السنوات الأربع الماضية وأهمها مجموعات (داعش) والنصرة وكل ما ينشأ من تحالفات بين هذه المجموعات والمجموعات الأخرى في الساحات التي تعمل فيها سواء في العراق أو سورية أو ليبيا ومصر… وما تزال الإدارة الأميركية تتجنب هي وحلفاؤها من دول المنطقة العمل على تصفية مجموعات داعش والقاعدة وما يتفرع عنهما من مجموعات إرهابية تعمل في اليمن وسورية والعراق ومصر وليبيا بل إن واشنطن توفر في نشاطها العسكري الموجه تحت شعار محاربة الإرهاب رسم خريطة ديموغرافية لتحرك هذه المجموعات وانتقال سيطرتها من أجل محاصرة الجيوش والقوى التي تتصدى لها داخل أراضيها.. ففي اليمن تمكنت السعودية وواشنطن من زيادة توسع عمليات مجموعات القاعدة ضد أنصار الله والجيش اليمني الذي يقوده علي عبد الله صالح وفي العراق تمددت مجموعات القاعدة وداعش إلى مناطق لم تكن موجودة فيها وتركز النشاط الأميركي والغربي العسكري في العراق على إبعاد هذه المجموعات عن إقليم كردستان ومناطق الأكراد وهذا ما يؤكد أن التحالف الأميركي- الغربي- الدولي للحرب على داعش ينفذ خطة تسخر طريقة الحرب على داعش لرسم خريطة تقسيم جديدة للدول المناهضة للهيمنة الأميركية والمتمسكة باستقلالها وسيادتها على أراضيها.
فجدول العمل العدواني الأميركي- الغربي ضد سورية مازال ساري المفعول لكنه يجري بوسائل وطرق وتفاصيل ربما تكون مختلفة عن بداية الاستهداف الأميركي لسورية عام (2011) فواشنطن تستفيد من عملية خلط الأوراق ما دامت تحافظ على خيوط اللعبة بيدها في معظم الحالات، وهذا ما تدركه موسكو التي توفر الدعم لسورية وإيران وحلفائهما من أجل تمزيق خيوط اللعبة الأميركية ومنع واشنطن من فرض هيمنتها على هذه الأطراف التي حافظت على وجودها المستقل عن النفوذ والسيطرة الأميركية، ومع ذلك لا أحد يشك بأن معركة هذه الأطراف وحلفائها ستكون قاسية ولا يمكن تحقيق الانتصار فيها إلا بالنقاط وليس بما يشبه الضربة أو الضربات القاضية.
وهذا ما يمكن استنتاجه من طبيعة الظروف الدولية التي لا يتحكم في مسارها نظام عالمي واحد حتى الآن بل يتصارع على ساحة ظروفها نظامان عالميان يحكمهما تناقض في المصالح الراهنة وذات الصلة بالمستقبل المنظور.
لكن الواضح في مسار هذا الصراع واتجاهاته المقبلة أن نتائجه لن تكون مطلقاً لمصلحة المشروع الأميركي الإمبريالي وهذا ما تدل عليه نتائج الصمود الذي حققته أطراف محور المقاومة والانتقال الملموس إلى سيطرة هذا المحور على زمام المبادرة بينما تزداد الأزمات الداخلية التي تفتت قدرات الدول المتحالفة مع واشنطن وخصوصاً في السعودية وتركيا اللتين تشكلان محوراً مركزياً لسياسة الهيمنة الأميركية وبرنامجها.
فبعد أربع سنوات ونصف السنة على استهداف المنطقة أصبح عدد من أطراف التحالف مع واشنطن ومخططها أضعف قدرة وأشد تأزماً مما كان عليه عام (2011) إضافة إلى التفكك الذي بدأ يسود في علاقات هذه الأطراف في حين أن التماسك بين أطراف محور المقاومة يزداد متانة ليشكل رصيداً لقوته في مجابهة التحديات…

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن