ثقافة وفن

أيّ وسائل تواصل ستحلّ محلّ رقابة الفيسبوك وتويتر ويوتيوب؟

| مها محفوض محمد

«تعد شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك أكثر أداة تجسس مرعبة ابتكرها الإنسان في تاريخ البشرية وعلى جميع البشر أن يدركوا أن الاشتراك بهذا الموقع يعني تقديم معلومات عنهم إلى وكالات الأمن الأميركية لكي تقوم بإضافتها إلى قواعد بياناتهم».
هذا ما صرح به جوليان أسانج في العام 2011 معتبراً أن الموقع يعد أكبر قاعدة بيانات خاصة بالبشر حول العالم يمكن لوكالة الاستخبارات CIA الاطلاع عليها، ويضيف إليه إدوارد سنودن أن جميع مواقع التواصل وتطبيقات الهواتف الذكية مخترقة من جهاز الأمن القومي الأميركي «NSA» عبر برامج متطورة من شركات المعلوماتية الأميركية مثل فيسبوك وغوغل وتويتر وغيرها المرتبطة بأجهزة الحكومة الأميركية.

أما المدير التنفيذي لشركة غوغل إيريك شميدت فيقول: إن تكنولوجيا التواصل الاجتماعي تمثل فرصة لإحداث اختراقات ثقافية وهذا يبشر باقتراب عصر جديد لعولمة الأفكار والمنتجات. كما سمى تقرير لمجلس الاستخبارات القومية الأميركية «الفرد الرقمي» أنه العنصر الفاعل والمؤثر في تغيير قواعد اللعبة وأن وسائل التواصل الاجتماعي هي أحد أهم موارد القوة الناعمة.
ليس هذا فقط بل إن الفيسبوك يستمع إلى جميع المحادثات التي تقوم بإجرائها من مكريفون هاتفك الذكي بحسب ما نشرته أستاذة في إحدى الجامعات الأميركية مشيرة إلى أن هذا انتهاك صارخ لخصوصية الناس كما قالها صراحة الرئيس التنفيذي لـفيسبوك مارك زوكوربرغ: إن فيسبوك لديه أنظمة مراقبة لرسائل المستخدمين وبإمكانه عرقلتها إذا كانت تتعارض مع مبادئه أنظمتنا تراقب ما يحدث».
أي إنه وبالرغم من أن الفيسبوك هو موقع التواصل الأول من حيث عدد مستخدميه الذي تجاوز ملياري شخص حول العالم لكنه أكثر المواقع خطورة. الأمر الذي لا تتوقف الصحافة الغربية عن الحديث عنه فقد نشرت منذ أيام الكاتبة الأميركية ديزي لوثر مقالاً تحت عنوان: «أي وسائل تواصل ستحل محل رقابة الفيسبوك وتويتر ويوتيوب» تقول فيه: لقد كتبت كثيراً حول الطرق التي تسعى من خلالها وسائل الإعلام الاجتماعية إلى مراقبة أحاديث الناس، الانتخابات، التعليم العام مستبعدة وسائل الإعلام البديلة من خلال مراقبتها وإيقافها مالياً، كثير من الناس جاهزون لترك مواقع فيسبوك وتوتير ويوتيوب إلى أخرى أقل رقابة لكن ما البدائل والخيارات الجاهزة حالياً هناك بعضها إنما علينا اختبارها فقد اعتدنا مجانية وسائل التواصل مقابل اختراق شركاتها لنا بقراءة رسائلنا التي نزعم أنها خاصة لكنها تختلس المعلومات لبيعها للمزايد الأعلى، إذا العملية ليست مجانية كما نظن وبعد هذا كله لن تجدوا هناك أهلكم ولا الصديق المفضل منذ الطفولة ثم إن إيجاد مصادر إعلام بديلة وإيجاد أجوبة ليست ببساطة مريحة لأغلب الناس والحالة الوحيدة لتغيير هذا الجو البائس هو أن نغير ما في أنًفسنا.
هناك مثلاً موقع MEWE الذي يطلق على نفسه شبكة التواصل للجيل القادم وقد انطلق في العام 2016 لمنافسة فيسبوك وتويتر وحتى اليوم بلغ عدد أعضائه نحو ستة ملايين ويتوقع مؤسسه مارك وينشتاين أن يصل العدد إلى 500 مليون في العام 2022 مشيراً إلى أنه في المستقبل سيحدث ثورة في وسائل التواصل الاجتماعي ما سيجعل نمط التجسس ومتابعة المعطيات والمعلومات المستخدمة عبر الفيسبوك أمراً مهملاً.
أيضاً هناك موقع GAB. AI وهو منصة مشابهة لتويتر حيث توجد فيها 300 ميزة للتعبير، وقد أطلق عليها البديل الصحيح لوسائل التواصل، ميكروسوفت هدد بمهاجمته مع خطاب حقد، ومؤسسه اندروتوربا يرى أن شبكته لم يتم توصيفها بنزاهة من وسائل الإعلام يقول: «لقد قاومنا حملة تشهير شرسة ومنظمة قادتها وسائل إعلام كبرى تفتقر إلى الاستقامة والنزاهة وكان ذلك من دون أي تمويل خارجي من المعلنين أو من شركة رأسمال استثماري وستتابع مجموعتنا التوسع بفضل الناس من جميع أنحاء العالم الذين يؤمنون بأن دفع الأشخاص إلى حرية التعبير أهم من برامج الشركات المراقبة، سياسياً إن جماهير GAB ليست فقط شبكة تواصل اجتماعي بل هي حركة اجتماعية».
موقع REAL. VIDEO أطلقه مايك آدامز جواباً عن الرقابة الشاملة على يوتيوب يقول: «إنه بديل يوتيوب لمنح حرية التعبير لأولئك المستهدفين بمنهجية ومراقبين من اليوتبوب والفيسبوك وتويتر وهذا الموقع بصدد تغير اسمه إلى BIGH TEAN. COM وإنزال العديد من الفيديوهات التي كانت ممنوعة على تويتر وهو مازال في مرحلة التطوير أي هناك مشاكل عرضية فحتى الآن خبرة المستخدم تبدو مبهمة بشكل نسبي.
موقع MASTODON: وهو شبكة أخرى لم تنضج بعد لكنها حرة ومجانية ما يعني أن المطورين يستطيعون المساهمة فيها لأن البرمجة مفتوحة للجمهور وماستودون هو بديل لا مركزي لجميع منصات الشبكات الاجتماعية التجارية ما يعني أن أي شركة لا يمكن أن تمتلك أو تحتكر اتصالك، وتعلق الكاتبة بالقول: «لقد وجدت ذلك محيراً في الاستخدام وكان التشويش أو الحيرة بسبب أننا بحاجة للتواصل عبر تويتر». وهذا الموقع الذي أطلقه أوجين روشكو فيه الكثير من التغييرات عما حمله تويتر ويشبه كثيراً خوارزميات الفيسبوك.
موقع DIASPORA وهو شبكة تواصل اجتماعي ترتكز على ثلاث دعائم: اللامركزية، الحرية، الحياة الخاصة وللالتحاق بـدياسبورا يجب عليكم اختيار مجموعة من الأشخاص يحركهم التفكير ذاته حيث تتم استضافتهم بشكل مستقل ما يمكن أن يقلص احتمال الرقابة، كما يمكنكم اتباع الهاشتاغ الذي يعنيكم وتصنيف الناس تبعاً للحالة التي تعرفونهم بها (عائلة – أصدقاء – عمل -………) ثم يمكنكم مراقبة من يلاحظ الأشياء المختلفة التي ترسلونها.
دياسبورا لا مركزي ما يعني أن الشبكة لا تتبع لأحد كما أنه لا يوجد أي شكل من أشكال الدعاية أو تدخل من الشركة.
تقول الكاتبة: أنا شخصياً لست متحمسة لهذه الخيارات الجديدة وأفضل تركيب صفحات مألوفة من GAB وMEWE وإذا كنتم معنيين بالحرية والسيادة أتمنى أن تنضموا إلينا ونطلب إليكم عدم استخدام اسمكم الحقيقي على استمارة التسجيل.
الناس هم مبدعون اجتماعيون كما هم أيضاً انطوائيون وجميعنا نبحث عن علاقات مع الآخرين، وفي أيامنا هذه كثير من هذه العلاقات تقام عبر الإنترنت فلم يكن من السهل يوماً إيجاد أناس تلتقي مصالحك مع مصالحهم كما اليوم، أنا شخصياً لدي أصدقاء في أنحاء العالم كافة التقيتهم عبر الإنترنت ولا يمكن أن ألتقيهم بطريقة أخرى على الفيسبوك وتويتر، استفادوا من رغباتنا باختبار هذا النوع من العلاقات وقد جعلوا الناس مدمنين ثم أخذوا يتلاعبون بهم ويهيمنون على ما يمكن للمستخدم أن يدخل إليه فقد جمعوا كل الكلام الذي تكتبونه وقاموا بتخمين وتقييم لموضوعاتكم كي يتمكنوا من بيع هذه المعلومات إلى المختصين بصناعة الإعلان والدعاية فجمعوا ثروات طائلة بفضل الأشخاص الذين يلجؤون إلى خدماتهم، والأهم من ذلك أنهم يقومون برقابة الأخبار والعرض السياسي لإقصاء الناس الذين يقفون ضد الحروب وضد العنف البوليسي والفساد السياسي.
وفي هذا السياق وتحت عنوان «ميديا الاستلاب» من كتاب «ثنائية الإعلام والثقافة، من الرسالة إلى الاستلاب» الذي صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب مؤخراً للكاتب الإعلامي ديب علي حسن يتحدث فيه عن هذا الغزو الفضائي قائلاً: نحن أمام ظاهرة تكاد تكون مسيطرة على ليلنا ونهارنا، إنها زرقة العالم الافتراضي ضالة مضللة تتوجه إلينا في هذا الربع العاري والمكتنز رمالاً تسفوها الرياح أينما شاءت وكيفما شاءت موجة الأزرق المسمى (فيسبوك) وعوالمه التي أثخنتنا بكل ما هو مؤلم في الكثير من الأحيان، صفحات تعج وتضج وتقدم ما لا يمكن أن نعرفه مفتوحة على كل الفضاءات كل الخيانات كل الموبقات كل الاتهامات كل التزوير، انقسمنا وتشظينا وصارت عامل فرقة وتبديد بدلاً من أن تكون عامل تواصل اجتماعي حقيقي والتجربة السورية شاهد على ذلك.
سورية تخوض معركة الوجود الحضاري والإنساني في زحمة التكالب علينا من قطعان الذئاب في العالم مع ظاهرة تفشي الإعلام الإلكتروني الذي يغزونا كل ساعة، ويريد أن يحتل ذاكرتنا ويومنا وغدنا ويريد أن يحولنا إلى مجرد أرقام، عالم يضخ لك كل لحظة ما يجعلك مجرد هلاميات تحركها أصابع من مكان ما في هذا العالم المزيف، والحقيقة التي يجب أن تعرف دائماً هي أن الحرب العدوانية على سورية قد نشطت هذا الجانب من الاستلاب العدواني استلابك اجتماعياً وفكرياً ودينياً فكيف يمكن أن نكون قادرين على التفاعل مع محيط يريدنا مجرد مستهلكين له ناقلين لما يريد مسلوبي التفكير؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن