ثقافة وفن

رحلة سردية مع واقع وهموم الفن … محمود خليلي لـ «الوطن»: واجبنا كمسرحيين رفع الصوت عالياً ليس بالنقد والإدانة وإنما بالإشارة إلى مكامن الخلل

| هناء أبو أسعد

فن الدراما من أكثر الفنون التصاقاً بحياة الإنسان، وأكثرها قدرة على التأثير في الجمهور، لأنه حياة الناس واهتمامهم منذ اكتشافه وحتى الوقت الحاضر. وقد كان المسرح مصدراً أساسياً للمتعة والتسلية والتعليم، ومجالاً كبيراً للإبداع الفني والأدبي، لذلك كان يُحارَب تارة، وتارة أخرى يوظف لخدمة ونشر أفكار دينية أو سياسية أو فكرية. عن المسرح والدراما ومسيرته الفنية في المجالين، نلتقي مع الفنان «محمود خليلي» في رحلة سردية مع واقع وهموم هذا الفن، وليحدثنا قليلاً عن تجربته الفنية «دراما، مسرح، وفن تشكيلي»:

جئت من حلب إلى دمشق، وانتسبت إلى كلية الفنون الجميلة، وكان لك بعض النشاطات حينها في المسرح، وكان أولها مسرحية «ليل العبيد» مع المخرجة نائلة الأطرش، وبعدها مع المخرج حسن عويتي في مسرحية «الزيارة»، واستمرت مشاركاتك مع المسرح الوطني الفلسطيني حتى عام 1990، بعد ذلك شكلت فريق عمل مع الفنان زيناتي قدسية تحت عنوان «فرقة عمال القنيطرة»، حدثنا عن ذلك، وعن محمود خليلي الفنان التشكيلي؟
عام 1975 توجهت إلى دمشق، وكان الهدف دراسة الفنون الجميلة. وكان لي قبل ذلك في حلب، في مرحلة الدراسة الثانوية، تجربة في عروض عديدة لمسرح الهواة. درست الفنون التي أحبها، وكان تفكيري منشغلاً بنفس الأهمية بالبحث عن موطئ قدم للعمل في المسرح. في البداية، شاركت في مسرحية «الأزمة» في النادي العربي الفلسطيني، للكاتب جمال جنيد، والمخرج فضل عودة. وبنفس المرحلة شاركت في العرض المسرحي «ليل العبيد» للمسرح الجامعي، تأليف الراحل ممدوح عدوان، والإخراج لـنائلة الأطرش، وكان يضم مجموعة من الأسماء الذين أصبحوا علامات متميزة في سماء الدراما التلفزيونية، منهم عباس النوري، وبسام كوسا، يوسف المقبل، علي كريم، والراحل نذير سرحان… لكن هذه المسرحية لم تر النور، وأسدل الستار عنها قبل افتتاحها بيوم، وكان ذلك أعتقد في عام 1978. وفي العام الذي تلاه دعاني المخرج حسن عويتي للعمل في مسرحية «الزيارة» للمسرح الوطني الفلسطيني، عن نص أيضاً للراحل ممدوح عدوان. وأعيد عرض المسرحية للمرة الثانية في عام 1979، في مهرجان دمشق للفنون المسرحية، وضمت أيضاً الفنانين: عبد الرحمن أبو القاسم، زيناتي قدسية، سلوم حداد، بسام كوسا، تيسير ادريس، فيلدا سمور، يوسف المقبل… ومع نفس الفرقة وفي عام 1982، شاركت في العرض المسرحي «لكع بن لكع» للكاتب أميل حبيبي، والمخرج وليد قوتلي.. وإذا عدنا إلى الوراء قليلاً، وفي عام 1980، دعاني الفنان والصديق زيناتي قدسية، للعمل بإدارته مخرجاً في مسرحية «ليالي الحصاد» لفرقة عمال القنيطرة، والتي أدى شخصياتها: حاتم علي، يوسف المقبل، عبد الباري أبو الخير، والراحل حسن دكاك… وكانت فاتحة تجربة استمرت عدة سنوات، قدمنا خلالها (التقرير، قطعة العملة، السندباد، جسر آرتا… و«مكبث» التي لم تر النور أيضاً). وإضافة إلى التمثيل كنت مصمماً للديكور والملابس والإعلان في معظم هذه العروض.. وتستمر التجربة مع الفنان زيناتي قدسية بتشكيل «فرقة القدس المسرحية» التي قدمنا من خلالها: (ليلة عربية خاصة مع حنظلة بن ناجي العلي، صالح العبد الصالح) وكنت إلى جانب التمثيل أيضاً مصمماً للديكور والملابس والإعلان.. ثم تجربة «مسرح أحوال» مع القديرين زيناتي وممدوح عدوان، والتي اقتصر عملي في بعض عروضها، على تصميم الديكور والملابس والإعلان.
التجربة الأطول كانت وما زالت مع المسرح القومي، والتي بدأت مع المخرج د. عجاج سليم في مسرحية (السفر برلك، ثم الغول)، وتستكمل القائمة بـ(السمرمر، العين والمخرز، بواب وشبابيك وأسرار، بياع الفرجة، كلاكيت، مع المخرج د. تامر العربيد) (الأميرة والصعلوك، للمخرج حسين إدلبي) (مدينة في ثلاثة فصول، للمخرج عروة العربي) (قصة حديقة الحيوان، للمخرج حسن عكلا) (مسعود سيف اليزن، التحقيق، الهلافيت، رأس الغول، وحيد القرن، تقاسيم على درب الآلام، وآخرها، حفلة على الخازوق، مع المخرج زيناتي قدسية). ولا ننسى مجموعة من التجارب التي أخذت طابع المسرح الاستعراضي أو الغنائي منها: (الدومري، إخراج فادي حمدان – واسطة العقد، إخراج محمد عمر – زرياب، إخراج عروة العربي…).
في مسارٍ متوازٍ وفي كلية الفنون الجميلة، أخذت تجربتي التشكيلية بالنضوج. وفي عام 1979 بدأت مشاركتي في معارض الاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين في سورية، ثم في المعارض العربية والأجنبية منها: (بيروت، تونس، البحرين، دبي، الكويت، برلين، بولونيا، هلسنكي، أثينا، قبرص، تركمانيا، جنيف، طهران…) وفي عام 1991 انتخبت رئيساً لاتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين/فرع سورية، واستمر هذا لعام 2001.
ما الذي يجمع بين الفنان «المسرحي أو الدرامي» والفنان التشكيلي؟
مع أن المسرح والتلفزيون والسينما فنون جماعية، قائمة على التكامل بين عناصر العرض المختلفة، والفن التشكيلي فن فردي، يتيح للفنان حرية أكبر في التعبير عن الأفكار التي يشاء، بالتكنيك الذي يناسبه، وبالوقت الذي يريد. وفي فن التمثيل الممثل هو الحامل الرئيسي للأفكار والتعبير، أما في الفن التشكيلي فاللوحة هي الحامل. ومع هذا فهما يلتقيان بصرياً، ويجمعهما الكادر المستطيل، الذي يحوي بين أضلاعه الرؤية البصرية والجمالية المنشودة.
شاركت في الأعمال الدرامية التاريخية، وآخرها «الإمام أحمد ابن حنبل» ماذا عن دورك في هذا المسلسل، وهل ترى بأن الأعمال التاريخية تتطلب جهداً أكثر من غيرها؟ جسدت في المسلسل شخصية العالم «أحمد بن نصر الخزاعي»، الذي وقف بقوة مناصراً الأمام «أحمد ابن حنبل» في محنته حول مسألة خلق القرآن، عند وصول المعتزلة إلى أروقة الخلافة العباسية، في الفترة الممتدة بين خلافة المأمون والمعتصم والواثق. يلقى القبض على الخزاعي، ويساق مقيداً إلى مجلس الواثق، الذي يقطع رأسه أمام الجميع، ويعلق جثته مع الرأس في مدخل مدينة بغداد، مدة تستمر خمس سنوات تنتهي بانتهاء حكمه، وبداية خلافة أخيه المتوكل، الذي يأمر بإنزالها.
لا يمكن مقارنة الجهد المبذول طبعاً بين المعاصر والتاريخي، فالتاريخي يتطلب جهداً مضاعفاً، بداية بالتصميم وبناء الديكورات الضخمة، مروراً بالملابس المكلفة، وبالماكياج المتعب، إضافة للتمثيل الذي يحتاج نطقاً واضحاً ولغة عربية سليمة، وتحمل ظروف التصوير الشاقة في حر الصيف وبرد الشتاء، وتصوير المعارك.. قد تستغربين أن قلت لك إننا في نفس المسلسل وأثناء تصويرنا في تركيا، هبت عاصفة ثلجية قوية، ولم يكن باستطاعتنا التوقف عن التصوير أكثر من يومين أو ثلاثة، لأسباب إنتاجية ولظروف بعض الممثلين، تابعنا التصوير في أشد ظروف البرد القارص، وكان اعتيادياً أن ينقل كل يوم ممثل أو ممثلة إلى المشفى لعدم تحمله شدة البرد.

ما الأعمال التي جسدتها، وتركت بصمة خاصة لدى المشاهد برأيك، سواء كانت «دراما – مسرح – سينما»؟ وأين تجد نفسك؟
لن أنوب عن المشاهد في الحديث عن رأيه، لكني سأكتفي بالحديث عن رأيي.. كثيرة هي المسرحيات والمسلسلات والأفلام السينمائية التي أفتخر بمشاركتي بها.. وعديدة هي الشخصيات التي جسدتها وأعتز بها، وعلى سبيل المثال فقط، في الدراما التلفزيونية: (عمر، للمخرج حاتم علي) (عذراء الجبل، للمخرج سامي الجنادي) (أحمد ابن حنبل، للمخرج عبد الباري أبو الخير). وفي المسرح: (صالح العبد الصالح، وتقاسيم على درب الآلام، للمخرج زيناتي قدسية) (قصة حديقة الحيوان، للمخرج حسن عكلا). ومع أن اسمي اقترن بالأعمال التاريخية، واشتهرت بها، إلا أنني أميل لتجسيد أدوار المسلسلات الاجتماعية المعاصرة أكثر.

بالحديث عن الدراما، هل تجد أن المسلسلات المدبلجة تؤثر في الدراما السورية؟
لا أعتقد ذلك، فالدوبلاج فن قائم بذاته، وله خصوصيته، وفنانونا في سورية حققوا نجاحات متقدمة في هذا المجال، وأصبح لدينا نجوم حقيقيون منافسون في الفضائيات العربية. لكن أريد التوقف قليلاً عند الآلية السائدة، التي لا توفر فرصة للتحضير أو لاطلاع الممثل مسبقاً على الشخصية التي سيؤديها، فينصب جهده على التكنيك أولاً، على حساب الأداء الواقعي العفوي الذي تتطلبه الشخصية، هذا إن لم يكن الممثل حاضر البديهة، متمكناً من أدواته التمثيلية، وهذا فيه شيء من الظلم، فاستوديو التسجيل أشبه بآلة وقودها الممثل.

بالحديث عن المسرح.. كيف تصف لنا واقع المشهد المسرحي، في ظل ظروف سياسية واجتماعية ومعيشية تزداد تعقيداً؟
دعيني أتحدث بصدق وشفافية. إن أردنا توصيف واقع المسرح المؤسساتي، أو الرعاية، أو الإمكانات المادية المقدمة، فهو واقع بائس بكل تأكيد، مع أننا نملك جيشاً من المبدعين في الاختصاصات المختلفة، من الممثلين والمخرجين ومصممي الديكور والملابس والإضاءة… لكن لا استجابة من المؤسسات المعنية، توازي الطاقات البشرية الموجودة، ولا الحماس المتوافر. ولست مقتنعاً أن ظروف الأزمة الضاغطة – التي نقدرها طبعاً، ونعي حجم قساوتها وبشاعتها – هي السبب، فهذا الواقع موجود قبل الأزمة بسنوات طويلة، ولهذا نجد الكثيرين من مبدعينا انفضوا عن المسرح، بحثاً عن لقمة العيش في التلفزيون، الذي يحقق لهم الشهرة فوق ذلك. أرجو ألا يفهم من كلامي أنني أقصد فقط أجور العاملين، لا، فالجانب المعنوي والإبداعي لا يقل أهمية، إن لم يكن أكثر أهمية، المشكلة الأكبر، قلقنا الدائم عند كل تجربة جديدة، فأمام الإمكانات المقدمة لتخديمها، والمناخات والآليات غير الصحية، هل نستطيع الوصول بها إلى بر الأمان، بالنتائج والمستوى الفني المرتجى؟ أنا هنا لا أتحدث عن تقصير شخص بحد ذاته، أو أسماء محددة، وإنما أشير إلى المسؤولية الشاملة لجميع المعنيين، وإن كانت بنسب متفاوتة.

في المسرح السوري هناك خلق دائم، وكانت الظاهرة المسرحية دائماً في تجدد وتطور، ومعبرة عن حالات اجتماعية وإنسانية، على الرغم من التحديات في سنوات الحرب، كيف يمكن للمسرح أن يستمر ويحافظ على دوره المجتمعي المقدس؟
يمكن طبعاً، لكن بجهود كل العاملين والمسؤولين، وبالتحمل الحقيقي للمسؤولية. لا أنكر جهود بعض المخلصين لهذه المؤسسة، والمؤمنين بدورها ورسالتها… للأسف – ولا أدري لماذا – نحن نعمل في المؤسسة الرسمية كأطراف وليس طرفاً واحداً، مع أننا جميعاً ننضوي تحت عبارة واحدة، معوقات مستمرة، والجهد المبذول أضعاف الجهد المطلوب للوصول إلى النتيجة المرجوة.. أنا أفهم المسرح مكان دافئ ومساحة للحب، لذلك يجب أن يسوده التعاون، والاحترام المتبادل، وتقدير الإمكانات والخبرة.
واجبنا كمسرحيين رفع الصوت عالياً، ليس بالنقد والإدانة، وإنما بالإشارة إلى مكامن الخلل، وتقديم الاقتراحات المناسبة لتجاوزه، وطرح الأفكار النيرة بالنهوض بمسرحنا ومؤسساتنا المسرحية إلى أفضل صورة. جدير بالإشارة الجهد الإيجابي، والبحث الخلاق، الذي قدم في تجارب أخيرة عدة، قدمت من خلالها عروض مسرحية متألقة، مدت جسوراً مبشرة مع جمهورنا الكريم.

هل هناك مسرح شبابي نشط في سورية؟
يصعب الفصل أو الحديث عن مسرح شبابي مستقل حالياً، له كيانه ومواصفاته الخاصة، في السابق كان عندنا مسرح طلابي، ومسرح شبيبي، ومسارح للهواة لم تعد موجودة. الآن هناك خريجون سنوياً من المعهد العالي للفنون المسرحية، وفي الأقسام المختلفة علينا ألا نفرط بهم.. طاقات شابة كثيرة مبشرة تبحث عن فرصة لها، وأخص بالذكر خريجي قسمي السينوغرافيا والتقنيات، شباب واعد متحمس، يحمل روح الحداثة والتجديد، علينا أن نهيئ الظروف والمناخات المناسبة لاستقطابهم، وتفعيل قدراتهم لطاقتها القصوى.

كيف ترى دعم الدولة لمسرح وسينما الشباب، من خلال «مشروع دعم مسرح الشباب» التي تطلقه مديرية المسارح والموسيقا سنوياً، و«مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة» الذي تعلن عنه مؤسسة السينما وخاصة أنه كان لك مشاركات في الأخير؟
على صعيد سينما الشباب قدمت المؤسسة العامة للسينما تجربة رائدة لا تخلو من بعض الملاحظات، لكنها مستمرة في البحث عن أفق أفضل، وكان لي شرف المساهمة فيها بخمسة أفلام قصيرة. أما فيما يخص «مشروع دعم مسرح الشباب» الذي تديره وتشرف عليه مديرية المسارح والموسيقا، فهو مشروع حديث الولادة ويصعب تقييمه، مشروع طموح، آمل أن يأخذ حقه في الرعاية والدعم. علينا ألا ينصب اهتمامنا فقط على اختيار الأفضل من المتقدمين، بل على رعايتهم وتقديم النصح لهم، من دون التدخل في رؤاهم الإبداعية، ومواكبة تطورهم خلال فترة البروفات للاطمئنان. أتمنى أن نلحظ في هذا المشروع ما هو جديد، وأن نجعل منه فرصة خلق وابتكارات جديدة، فيها خروج عن المألوف.

لماذا لا نجد مهرجانات للمسرح، تجذب المسرحيين من كل أصقاع العالم، كما في السينما؟
السينما مثل كرة القدم لها نجومها وأرقامهم الذهبية. هناك في دول العالم المتقدمة مهرجانات للمسرح كما للسينما لكنها قد تكون أقل بريقاً، (مهرجان أفنيون) مثلاً في فرنسا الذي وصل إلى دورته الـ(72) ويستضيف سنوياً فرقاً مسرحية من مختلف أصقاع العالم.. عندنا في الوطن العربي قليلة هي المهرجانات المسرحية العريقة، وهذا مرده قلة الاهتمام بفن المسرح عموماً، فإن لم يكن هناك إنتاج مسرحي ونهضة مسرحية فلمن تقام المهرجانات، في سورية مثلاً كان لدينا مهرجان مهم يحتفي بالمسرحيين العرب أوقفته الظروف (مهرجان دمشق للفنون المسرحية) نتمنى أن نشهد عودته قريباً، وفي تونس توءم مهرجان دمشق وهو (مهرجان قرطاج المسرحي)، ومنذ عشر سنوات تقريباً تقيم الهيئة العربية للمسرح مهرجاناً سنوياً، يقام في كل عام بدولة عربية، ونحن على موعد مع دورته الحادية عشرة في كانون الثاني (2019) في القاهرة.. ومع أهمية هذه المهرجانات، لكنها ليست بمستوى الطموح والحاجة.

وقفت مع الفنان القدير عبد الرحمن أبو القاسم في الموسم الماضي على خشبة المسرح، في مسرحية «قصة حديقة الحيوان» من إخراج حسن عكلا، وقد جسدت شخصية «جيري»، حدثنا عن تلك الشخصية، وعن مشاركتك القديمة مع الفنان عبد الرحمن؟
تعتبر «قصة حديقة الحيوان» من النصوص الأولى التي كتبها الأميركي إدوارد ألبي، وتنتمي لمسرح اللامعقول.. حوار ثنائي بين شخصيتين (بيتر وجيري) طوال العرض، ينتهي بطريقة مفجعة تراجيدية. جسدت في المسرحية شخصية (جيري) التي تعاني العزلة وصعوبة التكيف مع الواقع المحيط.. «قصة حديقة الحيوان» لمخرجها المتميز حسن عكلا، تجربة فريدة خاصة، الأهم فيها وقوفي إلى جانب الفنان الاستثنائي عبد الرحمن أبو القاسم، بثنائية أوصلتني إلى حد الشعور بالسلطنة على الخشبة.. ليست هي المرة الأولى التي تجمعني به، فقد التقينا مرات عديدة على الخشبة منها: (الزيارة، السمرمر، كلاكيت…) ومرات كثيرة في التلفزيون.. إضافة لتجربة جمعتني به في المونودراما أعتز بها، كنت فيها مصمماً للسينوغرافيا: (بيت العيد، إخراج هشام كفارنة – بيان شخصي، إخراج جهاد سعد – تغريدة أبو السلام، إخراج داود أبو شقرة).. عبد الرحمن أبو القاسم مثال للأصالة، وطاقة إيجابية محفزة..

على قناة «فلسطين اليوم» تعد وتقدم البرنامج الأسبوعي «بروفايل» ما خصوصية الشخصيات التي تستضيفها؟
«بروفايل» برنامج حواري أسبوعي، يستضيف شخصيات ثقافية وإبداعية فلسطينية، ممثلون، مخرجون، شعراء، روائيون، فنانون تشكيليون، موسيقيون… قامات كبيرة حفرت اسمها في مسيرة الثقافة الوطنية الفلسطينية والنضال الوطني والقومي. انطلقت الفكرة من الرغبة في تكريم هؤلاء الكبار، بإلقاء الضوء على مسيرتهم الإنسانية والإبداعية الشاملة، منذ البدايات الأولى، لكي يكونوا مثالاً يحتذى به للدارسين والمهتمين.. نسعى لأن تتوسع دائرة البرنامج قريباً، ليشمل أسماء إعلام خفاقة في كل بلدان الوطن العربي.

ماذا عن عملك الأخير مع الفنان زيناتي قدسية «حفلة على الخازوق» ودورك في العرض؟
«حفلة على الخازوق» نص مسرحي للكاتب المصري الكبير «محفوظ عبد الرحمن» كتبه منذ أكثر من (40) عاماً، ويسلط الضوء على ظاهرة الفساد في السلطة، قدم في الكثير من الدول العربية، وكان أول عرض له في الكويت، بتوقيع المخرج صقر الرشود عام 1975، واستقبلته دمشق في مهرجانها للفنون المسرحية عام 1977. الآن يعيد الفنان المبدع الصديق زيناتي قدسية إخراج النص لكن بقراءة جديدة، تقودنا إلى أن الفساد مستشر بيننا على مر العصور. أجسد في المسرحية شخصية «المساعد» وهي الشخصية الأكثر فاعلية في دراما العرض، قد تكون شخصية واحدة تتجول في العصور المختلفة، ويمكن قراءتها أيضاً على أنها عدة شخصيات وجدت في أزمان مختلفة، لكنها تتقاطع في فعل الفساد، شخصية تلعب في الخفاء بعيداً من الأضواء والشهرة، حاولت من خلالها أن أقدم محاولات مختلفة في الأداء، أتمنى أن يكون تقبلها إيجابياً من الجمهور. رصيدي كبير من العمل ممثلاً مع المخرج زيناتي قدسية، معه قدمت أجمل أدواري على خشبة المسرح، وسعادتي كبيرة بنجاح هذا العرض، وبهذه الحفاوة التي قابلنا بها الجمهور.

في النهاية ماذا يريد محمود خليلي من القائمين على المشهد الثقافي والفني في سورية؟
أثبتت التجربة، أن الثقافة هي الحصن الاحتياطي المنيع والمساند، في الدفاع عن الوطن.. هي الجعبة التي ننهل منها أوقات الشدة. ومن دون المشروع الثقافي لا حصانة لأي منجز وطني. وعندما يداهمنا الخطر، لن تكفينا البندقية والدبابة والطائرات. علينا حشد الطاقات مجتمعة.. المشروع الثقافي ضئيلة تكاليفه، كبيرة فعاليته.. علينا أن نحث الخطا في دعمه وتطويره واستثمار طاقته.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن