من دفتر الوطن

رومانسي في عصر العولمة!

| عصام داري

أدّعي أنني رومانسي، أو من الزمن الرومانسي المشرف على الانقراض، يعاكسني الكثير من الأصدقاء، يتطاولون على هذه الرومانسية في زمن العولمة و«العولبة»! والغدر و«الحب الحديث» الذي يستمر من ساعة إلى عدة أيام و.. كفى اللـه العاشقين شر الوفاء الدائم، أو لسنوات!
الغريب أن أحد أصدقائي الساخرين هو أكبر مني في العمر، لكن أفكاره لا تعرف الحب والرومانسية، قد تستمر علاقاته بضعة أشهر على أبعد تقدير، شكراً له على وفائه لي بعد كل هذه السنوات فمازال صديقي وسيبقى.
لكنني سأظل ذلك الرومانسي الذي يغني للحياة والحب وسأكون نصير العشاق والمحبين الذين ما زالوا على عهد الزمن الرومانسي الجميل.
سأظل أسمع أغاني فيروز وحليم وفريد وعبد الوهاب وأم كلثوم وليلى مراد ومحمد فوزي ومحمد قنديل ورفيق شكري.. لكنني سأسمع بعض الأغاني لبعض المغنين والمؤدين: أليسا.. نجوى.. وشيرين ولطيفة وملحم بركات وغيرهم، وسأشاهد هيفاء وهبي ونانسي عجرم (مجرد مشاهدة) شريطة أن تكون صورة من دون صوت!!.. فأنا لست من عشاق المطرب الواحد مهما كان مبدعاً.
الرومانسية تقودنا إلى ذلك الزمن الجميل الذي شهد ولادة أول حب عرفناه ونحن مازلنا في سن المراهقة، وإلى لمسة يد المحبوبة لأول مرة وكيف شعرنا أن قلبنا يكاد يقفز من صدرنا ليصافح هذه الصبية وقد احمرت وجنتاها وهي تسمع كلمة غزل تجرأت على قانون القبيلة وسوط شيخ العشيرة ولامست مشاعرها وأحاسيسها.
والرومانسية هي الحنين إلى أفلام الأبيض والأسود: فتى أحلامي، الوردة البيضا، ليلى بنت الفقراء، إسماعيل ياسين بوليس سري، المرأة المجهولة، ردَّ قلبي، و.. من يتذكر هذه الأفلام وغيرها التي نسجت حكاية السينما العربية خلال قرن كامل مضى؟ من يتذكر أول رواية قرأها، أو أول ديوان شعر دخل إلى بيت الأسرة، أو ربما طعم الجرادق المعروف بـ(الناعم) الذي لم نكن نشاهده إلا في شهر رمضان المبارك، حيث كنا سنسهر لياليه حتى ساعات الفجر الأولى؟
الحنين إلى ذلك الزمن الذي نسميه جميلاً يحاصرنا، يضيق علينا الخناق، يغتال السكينة التي ركنت نفوسنا إليها، واعتقدنا أنها صارت من يومياتنا المتكررة، فإذا بهذا الحنين يكسر كل القواعد ويعيدنا إلى أمور وأماكن وعادات وذكريات نامت في دفاترنا العتيقة زمناً طويلاً، لكنها قررت فجأة الخروج من الظلمة إلى النور.
مجرد أحلام لا أكثر، وهي أحلام مشروعة في ظل هذا العالم المنفلت والمفتوح على العنف والإجرام والمتحلل من القيم الإنسانية، والأحلام لا تمنعنا من أن نعيش حالتنا الرومانسية التي نهرب إليها عادة في لحظات تأمل تخرجنا من حالة اللاوعي التي بلغناها، أو التي دفعونا نحوها عنوةً.
لماذا الحلم الجميل ممنوع في أرض الكوابيس المرعبة، وفي زمن التوحش والغربان والغيلان؟ لكننا سنبحر في أحلامنا إلى آخر مدى، نعرف أننا لن نبلغ يوماً كوكب الحب الذي تخيلناه ونتوق إليه، لكننا سنعيش الحب الذي نصنعه لنا وللآخرين، رغماً عن الزمن الغادر والقدر القادر والحظ العاثر.
ونغني مع ماجدة الرومي: أنا عم أحلم.. ليل نهار.. فتعالوا إلى الحلم والرومانسية في زمن العولمة!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن