قضايا وآراء

بين فصاحة هولاند وأوراق ديمستورا… ماذا سيقول أوباما لملك «آل سعود»؟

فراس عزيز ديب- فرنسا : 

يُقال «قلْ لي من تعاشر أقل لكَ من أنت»، أما في السياسة فـ«قل لي من تُحالف أقل لك من أنت».
في آذار الماضي عندما أدلى «بنيامين نتنياهو» بخطابه أمام الكونغرس الأميركي ليرسخ ما سميناه يومها «المحور الرافض للاتفاق النووي الإيراني»، قلنا إن نتنياهو لم يكن ينقصه إلا دشداشة «سعود الفيصل» و«شماخ» وزير الخارجية الإماراتي «المحنك جداً»، باعتبار أنه كان أشبهَ بناطقٍ باسمهم.
منذ أيام وجد فرانسوا هولاند في اجتماع السفراء الفرنسيين السنوي فرصةً ليدلو بدلوه من جديد فيما يخص «الأزمة السورية» بعد أن كاد الغبار يكسوه ليصبح رئيساً مع وقف التنفيذ، لدرجةٍ بات فيها بعض الفرنسيين يسخرون من كونهم يقرؤون عن المشاكل المتفاقمة بين زعيمة حزب الجبهة الوطنية؛ ماريان لوبان» ووالدها أكثر مما يقرؤون عن إنجازات هولاند ومواقفه كرئيس.
حال هولاند في خطابه حاكى حال نتنياهو، مع فارق أنه لم يكن حتى بحاجة لدشداشة «عادل الجبير» لنميز بين التصريحين، وكأنّ كلاهما قرأ من نفس الكرَّاس قبل أن يخرج ليدلي بتصريحاته.
بعد تكراره للعبارات والاتهامات «المملة» بأن الرئيس الأسد استخدم السلاح الكيميائي ضد شعبه، وأن وجوده يغذّي التطرف استخدم هولاند مصطلح «التحييد neutralisation» لإيجاد الحل. هذا المصطلح بالتحديد يشبه لحدٍّ بعيد مصطلح «محاربة الفساد» في سورية، بمعنى آخر هو مصطلح «حمَّال أوجه»؛ ففي سورية من هم جزء من الفساد ومعاناة المواطن يخرجون ليحاضروا بنا في «الحرب على الفساد»، أما فرانسوا هولاند فتحدث عن «التحييد» لكنه لم يحدِّد لنا الطريقة التي سيتم بها هذا «التحييد».
إذا أخذنا المصطلح بنيةٍ حسنةٍ بمعنى (تحييده ـ وضعه جانباً)، فلماذا تحدث عن «تحييد شخص» وليس عن «تحييد النظام» كما درجت العادة؟! أم إن هولاند أراد من استخدام هذا المصطلح معطوفاً فقط على شخص ماهو أبعد من التحييد السياسي، بمعنى آخر:
هل أن تحالفات هولاند مع القادمين من خارج التاريخ، المنطلِقة من مصالح شخصية ضيقة مرتكزة على ماض استعماري بغيض، جعلته يستنسخ أسلوبهم بـ«التحييد» مع من يخالفونهم، كما فعل يوماً شيخ الفتنة القرضاوي عندما دعا لـ«تصفية القذافي»؟!
دخل هولاند المرحلة الحاسمة من سنواتِ حكمه، تحديداً أنه وإن نجا «بمعجزةٍ» في انتخابات 2017، لكن بالتأكيد فإن الانتخابات التشريعية لايبدو أنها ستحمل لحزبه الأغلبية البرلمانية التي يتمتع بها، هذا مايفكر به منذ الآن وسط تدني شعبيته لدرجاتٍ «مضحكة”؛ فإن هزم سيخرج من الحياة السياسية، وإن نجا سيكمل حياته السياسية على طريقة «التعايش» (بين الرئيس ورئيس وزراء من أغلبيتين مختلفتين).
حتى لو كنا متأكدين أن كلا الطرفين في النهاية لا يختلفان، وهما واحد في الضياع السياسي تحديداً بما يتعلق بما يجري في سورية، لكن المطلعين يدركون السياسة الكيدية التي يتم اعتمادها بين الأغلبيتين في مثل هذه الحالات، تلك السياسة التي تحجِّم الرئيس في السياسة الخارجية وتعيق الحكومة في السياسة الداخلية. وعليه لايبدو أن حالة الضياع التي تعيشها السياسة الفرنسية هي نقطة عرضية، حتى التذكير بالماضي الاستعماري بات مثيراً للشفقة، تحديداً أن الماضي الاستعماري في أحد أوجهه «مصدر قوة»، فأي قوة يحملها هولاند وغيره وهم امتنعوا حتى عن بيع حاملة المروحيات «ميسترال» لروسيا لأن الأميركيين وبعد تطورات أوكرانيا طالبوهم بوقف الصفقة؟
المثال الفرنسي هو حلقة من حلقات الضياع التي يعيشها جميع المأزومين في المنطقة، باعتبار أن الأميركي لم يتخذ بعد قراره، فهل أن الأميركي سيتخذ قراره بعد زيارة ملك «آل سعود» لواشنطن يوم الجمعة القادم ليرفع الديمقراطيون عن كاهلهم أعباء التوترات في المنطقة قبل الدخول في معمعة الانتخابات؟ أم إن كلام المتحدث باسم الخارجية الأميركية «جون كيربي» الداعم لرئيس الحكومة اللبنانية، والمؤيد لإجراء تحقيقات بأحداث العنف التي ضربت لبنان هو رسالة بأن على الجميع أن يشد الأحزمة والتجهيز لفتح ساحة فوضى جديدة؟!
لم يكن مايجري في لبنان غريباً، أو بالأصح قد يبدو أن مايجري في لبنان ماهو إلا استكمال لما يجري في المنطقة، أما أسباب التأخير فكثيرةٌ، أهمها هو إخفاق اعتماد نظرية استنزاف «حزب الله» حتى النهاية قبل إشغاله في الداخل. عادت نظرية «الشعب يريد» إلى الواجهة بعد أن كاد الجميع ينساها ملتهياً بمشاهد الخراب والدمار والضحايا التي لاتفارق المنطقة، لكن هذا الأمر لم يكن كافياً لتوعية الشعوب. يبدو أن الملك السعودي سيتبلغ خلال زيارته أحد أمرين:
الأول: أن الأمور ستبقى على ماهي عليه، وأن الولايات المتحدة مستمرة في سياستها «التائهة أساساً» في المنطقة من منطلق التعامل مع حلفائها بسياسة العصا والجزرة لكن هذا الأمر يتطلب من أوباما تقديم ضمانات لهم في اليمن وسورية والعراق، وهو ما لايبدو أنه قادر عليه وفق المعطيات ووفق عامل الوقت.
الثاني: أن الأمور انتهت – وهي الدخول رسمياً بربع الساعة الأخيرة التي تحدث عنها السيد الرئيس في حديثه للمنار – وعليه على الجميع أن يقبل بالأمر الواقع، تحديداً فالنتائج الكارثية لرافضي الانعطاف باتت أدواتها جاهزة، فتركيا لسنا بحاجة للإطالة عما تعانيه مهما حاول الإعلام الإخواني تجميل الصورة ومايمكن أن تتطور إليه الأمور فيها، أما مملكة «آل سعود» فإن كانت ورطة اليمن حتى الآن لم تستطع الخروج منها فماذا لو انفجر الوضع في لبنان أكثر من ذلك وكرَّر حزب اللـه «7 أيار» أوسع مع التسلح هذه المرة بالمد الشعبي المقارب للانفجار مما آلت إليه الأوضاع هناك، فهل سيسمح «آل سعود» لأنفسهم بخسارة ملعب آخر؟! يبدو هذا الاحتمال أقوى لأن يأخذ مكانه في التنفيذ تحديداً أنها ترافقت مع الكشف عما يمكن تسميتها خريطة ديمستورا للحل في سورية، فهل هي أوراق عمل قابلة للتطبيق أم إنها مجرد تقطيع للوقت؟!
ربما بعد ماتم نشره عن خطة ديمستورا، لو سألنا ديمستورا نفسه ماهي إستراتيجيتك للحل، لصمت مستغرباً عن أي حل نتحدث… ما زالت الولايات المتحدة تبيع المعارضة وداعميها الوهم، وما زال ديمستورا يشتري الوقت من الجميع، بينما أهم تنظيمين من التنظيمات الإرهابية يشنان هجومين على مطارين عسكريين هما «أبو الظهور» و«كويرس» بصورةٍ متزامنةٍ، هل هي مصادفة؟! أم تأكيد لما قاله الجولاني يوماً بأن الخلاف بين «النصرة» و«داعش» هو مجرد خلاف (العائلة الواحدة)؟
تبدو ورقتا عمل ديمستورا كأنهما بحاجةٍ لمجلدات عمل، وليتحقق مايريده ديمستورا ربما سننتظر عقوداً، لكن أخطر ما «يكرره» ديمستورا في مقترحاته هو فكرة تشكيل «مجلس عسكري» بعد اتفاق اللجان المنبثقة عن جميع الأطراف. هي بطريقةٍ غير مباشرة دعوة لحل الجيش السوري على الطريقة العراقية، حتى كذبة «المحافظة على المؤسسات» التي يدَّعيها الغرب هي كذبةٌ كبيرة، إذ كيف سيتم تشكيل «مجلس عسكري» يعطي الأوامر للجيش الحالي؟ فعندما نتحدث عن جيش فإننا نتحدث عن «عقيدة قتالية»، فلنتخيل معاً أن «عبد الجبار العكيدي» الذي قال يوماً أن «الإخوة في تنظيم الدولة نلتقيهم وهم حلفاء» هو أحد أعضاء هذا المجلس العسكري، فعن أي عقيدة قتالية سيدافع؟
لايوجد حل يرضي الجميع، ولا يمكن للمنطقة أن تنجو دون أن يرضى الجميع، من هنا تبدو أوراق ديمستورا مجرد شراء للوقت تريده الولايات المتحدة حتى تتحدد الوجهة النهائية لطموحاتها والتي لايبدو أنها ستطول، تحديداً أن الديمقراطيين يريدون دخول معمعة التحضير للانتخابات من دون تشويش للأزمات الخارجية. لذلك هم لايعارضون ضمنياً المساعي الروسية التي قد لاتتوافق مع الكثير من طروحات ديمستورا، ويتركون أوراق المبعوث الدولي كاحتياط لما هو قادم، تحديداً أن سياسة «تفقير» سورية من الطاقات البشرية والعلمية مستمرة، والهدف البعيد لكل مايجري هو استمرار جعل هذه المنطقة مغناطيس جذب لكل الراغبين في الجهاد حول العالم، وإن كانت نواتج الحل تضييق مساحة هذا الإرهاب دون إنهائه، إلا إن كنا نصدق أن الدول الأوروبية هي جمعيات خيرية. هذا دون أن ننسى عملية غسل الدماغ ومسح التاريخ الجارية في المنطقة والتي تجعلنا نعد العدة لحروبٍ قادمةٍ طويلةٍ من نوعٍ مختلفٍ، ألم يُحك عن قيام حماس بتبديل اسم مدرسة «غسان كنفاني» لمدرسة «مرمرة». لاندري، قد يحمل مطار غزة بعد سنوات بعد إتمام الهدنة المنتظرة اسم مطار « سليمان شاه» مثلاً، ما المشكلة؟ لا مشكلة تحديداً إن عدنا لمأزق هولاند ومن لفّ لفه… قل لي من تحالف أقل لك من أنت…

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن