الأولى

العقوبات الدولية

| تييري ميسان

أقرت وزارة الخزانة الأميركية في 20 تشرين الثاني الجاري حزمة جديدة من العقوبات ضد سورية. وكما في كل مرة، تبرر تصرفها بالتأكيد على معاقبة السلوك «الإجرامي» الذي تصفه حسب المناسبة.
قد يظن المرء للوهلة الأولى أن البنتاغون يتوسع بحروبه إلى المجال الاقتصادي. إذ إنه قام في الأشهر القليلة الماضية بسحب جزء من قواته من المنطقة.
وهنا لابد من السؤال التالي: هل غيرت الولايات المتحدة أسلوبها في الحرب من خلال استبدال العمل العسكري، بحرب اقتصادية خلال العقدين الأخيرين من الزمن؟ ذلك أن العقوبات الأميركية الأخيرة لا تخص سورية وحدها، بل إيران وروسيا أيضاً. وهي تُضاف بطبيعة الحال إلى عقوبات أخرى اتُخذت منذ عام 1995 ضد برنامج أبحاث نووية عسكرية مزعوم لإيران، وإلى أخرى اتخذت عام 2011 ضد «نظام اللصوص» الروسي، حسب تعبيرهم. وهو ما يشكل المجموع الكلي لهذه العقوبات بوصفها أضخم نظام للحصار تم إرساؤه عبر التاريخ.
بيد أن التفسيرات التي قدمتها وزارة الخزانة الأميركية قاصرة وسخيفة جداً، لأن طهران تخلت كلياً عن أبحاثها العسكرية النووية في ظل قيادة الإمام الخميني، في أعقاب الحرب العراقية-الإيرانية. وقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة النووية، بعد عمليات تدقيق لا حصر لها في ذلك الحين، أن إيران لم تستأنف تلك الأبحاث مطلقاً.
أما الوثائق التي اختلسها جواسيس إسرائيل من المحفوظات الإيرانية، فهي تبرهن فقط قدرة إيران على القيام بتلك الأبحاث، لكن من دون متابعة لها.
وعلى نحو مماثل، فقد كشفت قضية ماجنتسكي، التي كانت ذريعة ضد روسيا، عن عملية احتيال لم يقم بها في ذلك الحين أي مسؤول روسي قطعاً، بل الملياردير الأميركي بيل براودر.
هذه المرة، تحاول الولايات المتحدة وضع حد لنقل النفط الإيراني المكرر إلى سورية، من أجل معاقبة «الفظائع» التي ترتكبها هذه «الأنظمة» الثلاثة، حسب زعمها.
ووفقاً لوزير الخزانة الأميركية ستيفن منوشين، فقد دأبت إيران على تزويد سورية بالنفط المكرر على مدى أربع السنوات الماضية، متخطية العقوبات الأميركية. وأن هذا النفط سيتواصل إمداده لسورية، عبر الشركات الغربية العاملة ضمن شركة «بروم سيريوإمبورت» الحكومية الروسية. كما ستقوم المجموعة السورية الخاصة «غلوبال فيجن غروب»، والتي ستساعدها في ذلك المسعى، الشركة الإيرانية «تابير كيش الطبية-الصيدلانية». وفي مقابل ذلك، ستقوم «غلوبال فيجن غروب» بتسديد جزء من وارداتها لحزب الله، وحماس، حسب رواية وزارة الخزانة الأميركية.
هذه الحكاية التي تصلح للنوم فقط، تطرح أسئلة، أكثر مما تقدم تفسيرات:
– لماذا قام تنظيم داعش والائتلاف الدولي بتدمير ممنهج لمصافي النفط السورية؟
– ولماذا يتم توريط الحكومة الروسية في مسألة نقل بسيط للنفط من المصافي الإيرانية، إلى المرافئ السورية؟
– ولماذا أيضاً تحتاج إيران فجأة إلى سورية، لإرسال الأموال إلى حزب الله، وحماس؟
– ولماذا يتعين على سورية أن تدفع الأموال لحماس على حين تشارك هذه المنظمة الفلسطينية بالحرب ضدها؟
لقد بدأت العقوبات الأميركية أساساً، انطلاقاً من رفض واشنطن التجارة مع دولة معينة. ومع مرور الوقت، صارت تلك العقوبات مصحوبة بضغوط على دول أخرى، لتساعد على دخولها في حيز التنفيذ، بيد أن هذه العقوبات تتعارض أساساً مع ميثاق الأمم المتحدة. ولذلك فهي غير شرعية بنظر القانون الدولي.
وفي المحصلة، لا يمكن مقارنة العقوبات الدولية إطلاقاً بالأحكام القضائية التي تصدرها المحاكم ضد المجرمين. إنها بالأحرى أسلحة حرب تم تصميمها للقتل. ولهذه الأسباب مجتمعة، يبقى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، هو الهيئة الدولية الوحيدة المخولة باتخاذ مثل هذه القرارات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن