قضايا وآراء

اللاجئون والدم البارد

مازن بلال : 

في صور متفرقة ترتسم الأزمة السورية من جديد، وتتوزع خارج إطار المبادرات السياسية والتشكيلات المعارضة، فطرق اللجوء لم تعد مسارات موت بل قضية بحث عن مجتمع يتم تكسيره، فلا الدوافع ولا مسارات الأزمة السورية قادرة على إيجاد قسوة تفوق الرغبة في الانتقال إلى جغرافية جديدة، فما يحدث عملياً لا يضعنا أمام خطوط الهجرة التي ظهرت في بداية القرن العشرين؛ حيث تبدو شواطئ المتوسط مسرحاً لما يمكن أن نسميه «الإفلاس السياسي» الذي يدفع في النهاية لمجازفة الموت وليس اللجوء.
خلال الأيام الماضية نشطت التحركات السياسية في موسكو، وفي الوقت نفسه بقيت القضايا نفسها المترتبة عن اللجوء في موقع الظل، وربما كان القرار الألماني بما يسمى «إلغاء البصمة» حافزاً جديداً لتحريك الخطوط النشطة أساساً باتجاه أوروبا، ورغم أن الحد من التصعيد في الأزمة سياسياً لا يمكن ربطه بشكل مباشر بعمليات اللجوء؛ لكن العلاقة هنا تبدو ضرورية على الأقل لفهم مأساتين أساسيتين:
الأولى تصاعد الإرهاب السريع الذي يعبر عن الفشل السياسي إقليمياً على الأقل في فرض سيناريو منذ بداية الأزمة.
وأما المأساة الثانية فهي العجز الاجتماعي عن تجاوز تبعات ما يحدث، فانحسار أي هامش في الأزمة السورية نحو الصدام العسكري فقط؛ أدى لانهيار النموذج المدني الذي من المفترض أن يدعم الاتجاه نحو الحلول السياسية، وبقدر وجود تفاصيل في مسائل الحل السياسي والتفاوض مع أطراف محلية وإقليمية، فإن قضية اللاجئين أصبحت الخلفية الأساسية لأي تفكير مستقبلي بشأن سيناريو الحل السوري، فهي تحمل أمرين:
الأول هو أن الحلول السياسية ترتسم على معسكرات اللجوء بشكل واضح، فما بين تركيا ولبنان والأردن هناك قضية أساسية لا يمكن تجاهلها في أي سيناريو قادم، وفي الوقت نفسه فإن «التحكم» بما يفوق مليوني سوري موزعين على دول الجوار؛ يشكل حالة ضاغطة على أي تفاوض قادم.
الثاني هي حركة اللجوء نحو أوروبا التي تتجاوز الموضوع الإنساني، فهي تغير من التكوين الديمغرافي لسورية، فاللاجئون نحو دول الجوار هم الأقرب إلى مناطقهم، أما الحركة باتجاه أوروبا فهي تبدل من التركيب السكاني لأنها تقوم على إفراغ لبعض المناطق وذلك على حساب العمليات العسكرية أو انتشار داعش أو غيرها من التشكيلات الإرهابية.
ما تقدمه ظاهرة اللجوء سيتفوق خلال مرحلة قصيرة على سيناريو الحل السوري، لأنه تحرك يمكن أن يطرح عناوين كثيرة ليس أقلها اعتبار الفشل السياسي جسراً لتحالفات دولية جديدة، فالمسألة لا ترتبط بـ«قوارب الموت» بل بانهيار النموذج السوري عموماً الذي يفترض حلولاً سياسية تتوافق مع الجميع، ما يدفع لإيجاد توافقات سطحية لا تخدم الحل النهائي سواء على المستوى الإقليمي أو الداخلي السوري.
في الصورة النهائية لم يعد الحراك الدبلوماسي كافياً لاستيعاب تداعيات متعلقة بالتكوين السكاني السوري، بل لا بد من النظر إلى بنية الحلول التي يفترض أن تتجاوز إرضاء أطراف إقليمية أو داخلية، وتبحث عن التوازن السكاني بالدرجة الأولى، أي بقاء الجغرافية السورية مشغولة بالسوريين لأن التفكير بهذا التوازن سيفرض الحل السياسي وليس العكس.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن