الأولى

صناعة والت ديزني

| نبيه البرجي

إبان عهد الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، أطلق وزير دفاعه كاسبار واينبرغر نظرية «حرائق الغابات». الحروب التي تتم برمجتها لأغراض تكتيكية محددة. الآن شاع مصطلح «فضائح الغابات». الفضائح التي تتم برمجتها لأغراض تكتيكية وإستراتيجية على السواء.
السناتور بيرني ساندرز، وقد لاحظ كيف أن فضيحة القنصلية تتدحرج في كل الاتجاهات، سأل: «اذا ما كان حلفاؤنا في الشرق الأوسط هم الذين يتبعثرون أم نحن الذين نتبعثر؟».
وقال: «إذا كان هناك من قام بتقطيع جثة جمال خاشقجي، بتلك الفظاعة، الفظاعة إياها نتلمسها في سياسات دونالد ترامب الذي أدت سياساته، وهي أشبه ما تكون بإستراتيجية نهش الكلاب (نظرية أميركية معروفة)، إلى حدوث تصدع كارثي في منظومة القيم».
أشار إلى أن اللغة البهلوانية لم تظهر الولايات المتحدة وحدها بمظهر من فقد الصدقية السياسية والأخلاقية «الحلفاء أيضاً بدوا كألواح من الصفيح».
علامات استفهام لا متناهية في واشنطن، ثمة قناعة بأن قواعد اللعبة تزعزعت، دون أن تكون لدى الرئيس الأميركي لا الديناميكية، ولا الرؤية، لإعادة هيكلة المسار (أو المسارات) الإستراتيجية للولايات المتحدة.
لماذا يدار الحلفاء كما تدار الرسوم المتحركة؟ ترامب ينظر إلى المنطقة كما لو أنها صناعة والت ديزني لا صناعة آلاف السنين من التفاعلات الحضارية والتاريخية. توني موريسون قالت «ذلك الفيل برأس الذبابة».
خشية من «أن نكون وراء كل جثة في هذا العالم». من يتحمل رؤية الهياكل العظمية في اليمن؟ الأميركيون كانوا يعلمون منذ البداية أن مطحنة الدم هناك لن تفضي سوى إلى التقطيع المنهجي للبنية الجغرافية، والبنية التاريخية، لهذا البلد.
الخبير الإستراتيجي أنطوني كوردسمان سأل: « إذا ما كنا قد بعناهم طائرات من ورق؟» بعدما اطلع على الأداء البدائي في الميدان. لاحقاً، صدمته الغارات العشوائية «التي كانت تقتل حتى التراب، ولقد تناهى إلينا أنين التراب».
اعتراف بأن الولايات المتحدة هي التي تصطنع الحروب، ليس فقط لتسويق السلاح، ولا لتحويل أطراف النزاع إلى أشلاء يعاد تركيبها تبعاً للعبة المصالح، وإنما لأن الجيش الأميركي لم ينشأ، وكما قالت مادلين أولبرايت، ليكون نسخة عن نافخي القرب الاسكتلنديين.
الغاية من فضيحة القنصلية، وهي تتدحرج، ليست الاستنزاف المالي لتمويل مشاريع غزو الفضاء والعودة إلى برنامج «حرب النجوم» فحسب، أيضاً الاستنزاف الجيوستراتيجي أيضاً.
قبل وقت قصير، كان دونالد ترامب يقول: «لولانا لما بقي هذا العرش لأسبوع واحد». بعد الآن، ماذا يمكن أن يقول؟ ساسة أميركيون في تلة الكابيتول مازالوا عند توقعهم بأن جثة القنصلية ستجر وراءها جثثاً كثيرة.
هلع في أكثر من بلاط. وراء الضوء كلام عن تبدلات متلاحقة في الإيقاع الإستراتيجي. الولايات المتحدة ليست بغافلة عن الاحتمالات، ولكن ماذا تستطيع أن تفعل حين ينقل الجنرال جوزف فوتيل، قائد القيادة الوسطى، إلى وزير دفاع خليجي، أن قناعة البنتاغون هي أن السيناريوهات الضبابية لإحياء صفقة القرن تفضي، حتماً، إلى تفجير المنطقة، «ولكن في اتجاه آخر»؟
السناتور لندزي غراهام، الذي تعنيه إسرائيل أكثر مما تعني دونالد ترامب، الطارئ على المشهد السياسي، قال: «إن أميركا قد تخسر كل شيء إذا ما بقينا نحمل هؤلاء المجانين على ظهورنا».
لاحظنا كيف تعامل الرئيس الأميركي مع باكستان، وكيف قطع طريق الصفقة على رجب طيب أردوغان، وكيف أن مراكز قوى أميركية تدعو إلى «وقف تدهورنا».
العبارة وصلت إلى عواصم فاعلة ترى في سياسات دونالد ترامب الفضيحة الكبرى التي تحاول، عبثاً، أن تحجب الفضائح الصغرى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن