من دفتر الوطن

احترامي للحرامي!

| عصام داري

جميل أن نرى بأم العين، وأختها وخالتها، عملية مكافحة الفساد بعد طول انتظار، وكاد اليأس يدخل إلى نفوس عباد اللـه الصابرين.
مكافحة الفساد ضرورة اليوم في وطن ينهض من بين الركام، ولو كانت البداية بالضرب بيد من حديد على لصوص من عيار خمسين ليرة، على أن نصل إلى مرحلة نضرب بها بيد من حرير، نقبل بذلك، علة لصوص من عيار خمسة مليارات ليرة، وربما دولار كذلك!
هل نحلم بأن نرى في يوم من الأيام غيلان الفساد وراء القضبان، مثلهم في ذلك مثل صغار الفساد؟
قد تبدأ عملية مكافحة الفساد بمن يتقاضى خمسين ليرة مقابل تسهيل معاملات العباد، ومن محاسبة مهربي خبز الشعب إما عبر بيعه كطحين، وإما عبر الشراكة بين الأفران وبعض الأطفال والنساء لبيع ربطة الخبز بضعف سعرها وإحداث ازدحام مفتعل غير مبرر أمام الأفران.
محاربة الفساد تبدأ من ضبط الأسواق ومراقبة مراقبي التموين، أو معظمهم، الذين يكتفون بالذهاب إلى الأسواق لقبض «المعلوم!» كي لا يخالفوا من يرفع الأسعار، ما يؤدي إلى رفع جديد للأسعار لتعويض ما تم دفعه للزوار الطيبين!
محاربة الفساد تبدأ من مراقبة محطات الوقود (الكازيات) التي صار العمل فيها يشبه الحلم لما تدره من أرباح على العمال الذين يضعون في جيوبهم مبالغ «محرزة» لأنهم لا يلتزمون بالعداد، ويتركون لأنفسهم تلك المبالغ التي قد تعادل في اليوم الواحد راتب موظف في الشهر، ولا من يحاسب ويراقب وكأننا في دولة لا تعرف محاسبة الفاسدين الصغار قبل الكبار!
تذكرت أغنية سمعتها من المطرب التونسي لطفي بوشناق والمطربة المصرية آمال ماهر يقول مطلعها:
احترامي.. للحرامي!
صاحب المجد العصامي..
صبر مع حنكة وحيطة..
وابتدا بسرقة بسيطة..
وبعدها سرقة بسيطة..
وبعدها تَعدى محيطه..
وصار في الصف الأمامي..
احترامي.. للحرامي..
ألا يستحق الحرامي كل الاحترام والإعجاب على ما يمتلكه من ذكاء وحنكة وخيال واسع؟
ألا يستحق هذا الحرامي الذي صار في الصف الأمامي وقفة تأمل لمعرفة الأسباب التي أوصلته إلى ما وصل إليه؟
الجواب في الأغنية آنفة الذكر، فهو بدأ بسرقة بسيطة، ولم يحاسبه أحد، تلتها سرقة بسيطة، فثالثة ورابعة، وهكذا، ولم يجد من يحاسبه، ويقول المثل: (المال الداشر يعلم الحرامي السرقة) فمن الطبيعي أن نرى اللصوص يحاضرون عن الشرف والأخلاق ومكافحة الفساد، وكأنهم مثال للطهر والعفة.
و.. يا سادتي الكرام.. محاسبة الفاسدين لا يكون بكف يدهم ومسامحتهم على كل ما فعلوه وسرقوه، ليتمتعوا بما نهبوه من الأموال العامة، التي هي مال الشعب، بل بمصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة وإحالتهم إلى القضاء العادل، أقول العادل، لينالوا جزاء ما اقترفت أيديهم.
محاربة الفساد تبدأ بعدم تعيين الفاسد في أي وظيفة حكومية يمكن أن يستغلها للسرقة والرشوة والإثراء غير المشروع، ولا أن ننقل هذا الفاسد من وظيفة إلى أخرى، هل خلت سورية من الشرفاء الأكفاء؟
أتمنى ألا أكون قد سببت أي إزعاج أو قلق بحق السادة الفاسدين، وأن يغفروا لي جهلي للأصول التي تقضي أن نحترم الحرامي!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن