ثقافة وفن

أسطورة اكتشاف أميركا من كولومبوس … هي تأسيس لفكرة احتلال أراضي الغير بالقوة وتشريد أهلها

| المهندس علي المبيض

كنا قد تحدثنا في المقالات السابقة أن الفينيقيين هم أول من وصلوا إلى القارة الأميركية وذلك قبل رحلة كريستوفر كولومبوس بزهاء ألفي عام وبينا بالأدلة أن كولومبوس ليس أول من اكتشف العالم الجديد، بل سبقه العديد من الرحالة والمستكشفين لذلك.
ولعرض المعلومة بشكل أوضح نبين أنه إضافة للفينيقيين هنالك العديد من الرحالة والمستكشفين الذين وصلوا إلى القارة الأميركية قبل كولومبوس حيث يشير لذلك العديد من الدراسات والأبحاث، وكان العرب في العصور اللاحقة من بين الأقوام الذين سبقوا كولومبوس لهذا الاكتشاف، وهذا ما تدل عليه القطع واللقى الأثرية العديدة الموجودة لغاية اليوم في كثير من المتاحف في دول أميركا الجنوبية، وتضم اللغة المحلية الأساسية لسكان أميركا الأصليين عدة كلمات عربية وكذلك مساكنهم تتشابه إلى حد كبير مع مساكن العرب آنذاك.

اكتسب كريستوفر كولومبوس شهرة واسعة وعُرِف على مدى عقود طويلة بأنه مكتشف العالم الجديد واعتُبِر بطلاً خارقاً وبحّاراً لا يشق له غبار.
لكن وعلى الرغم من مما هو شائع فإن هناك دراسات ومراجع تاريخية وخرائط قديمة أعدها العلماء والباحثون من العرب ومن غير العرب رسم عليها حدود الساحل الشرقي للقارة الأميركية كانت موجودة قبل عصر كولومبوس وتكرر ظهور تلك الوثائق والخرائط في فترات تاريخية مختلفة، ومن تلك الوثائق دراسة حديثة بالإنجليزية أصدرها الدكتور يوسف ميروا تؤكد أن عرب الأندلس وصلوا إلى شواطئ أميركا قبل كولومبس بـ500 عام، ويذكر الجغرافي والمؤرخ المسعودي في كتابه مروج الذهب ومعادن الجوهر الذي ألفه عام 956م أي قبل رحلة كولومبس بزهاء 500 عام أن أحد المغامرين من قرطبة ويدعى الخشخاش قطع بحر الظلمات وهو الاسم الذي كان يطلق على المحيط الأطلسي مع جماعة من أصدقائه إلى أن وصل إلى الأرض الجديدة التي تقع خلف بحر الظلمات، ومن المعروف أن كولومبوس وصل إلى أميركا في شهر تشرين الأول من عام 1492م، وقدم لأمير الأندلس عند عودته خريطةً لرحلته تلك موجوداً عليها الحدود الشرقية إلى أميركا وأكد الخشخاش بعد عودته من رحلته تلك أنه وجد أقواماً في الأرض التي وصلها، وعاد محملاً بالكنوز الثمينة والكثير من الذهب، وهو الشيء نفسه الذي وجده كريستوفر كولومبوس.
ويعرض متحف المخطوطات التاريخية في العاصمة الأميركية واشنطن ضمن مقتنياته مخطوطاً مكتوباً باللغة العربية حمله معه كريستوفر كولومبس في رحلته تلك وجهته ملكة إسبانيا إيزابيلا إلى سكان العالم الجديد تقول فيه «من ملكة إسبانيا إلى قائد هذه المنطقة الجديدة نحن نريد أن نتعاون مع بلادكم» وهذا يدل بل يؤكد أن الملكة الإسبانية إيزابيلا وكولومبوس كانا متأكدين أن هناك قبائل عربية تعيش في الأرض الجديدة.
ويذكر المؤرخ والجغرافي المسعودي في كتابه مروج الذهب ومعادن الجوهر وتحديداً في الصفحة 93 من الجزء الأول، بحر الروم ويصف طوله وعرضه وبدايته ونهايته، وفي عام 1315م يذكر المؤرخ ابن فضل اللـه العمري مؤلف كتاب «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» أن أحد سلاطين مملكة مالي في إفريقيا ويدعى «محمد بن قو» قام بتجهيز 2000 سفينة بالرجال والعتاد والمؤن واستخلف على المملكة شقيقه السلطان «منسي بن موسى» وقاد بنفسه تلك الحملة بغية معرفة واكتشاف حقيقة ما وراء المحيط الأطلسي، وأغلب الظن أنه وصل ومن بقي على قيد الحياة من رجاله إلى سواحل القارة الأميركية وأقاموا فيها حضارة كانت آثارها الباقية مما قد تم اكتشافه والعثور عليه من محاريب ونقوش إفريقية وإسلامية، وأن الزنوج الذين وجدهم كولومبس في رحلته هم أبناء وأحفاد السلطان المالي «محمد بن قو» هذه الحادثة ذكرت في الكتاب المذكور الذي ألفه العمري قبل رحلة كولومبس بأكثر من 150 عام.
تعتبر بعض الدول في أوروبا وأميركا أن وصول كريستوفر كولومبوس إلى القارة الأميركية في 12 تشرين الأول من عام 1492م، إحدى المحطات المهمة في التاريخ البشري لأنه فتح طريق التجارة بين أميركا وأوروبا، وأثرى الأرض الجديدة بأجناس بشرية مختلفة أغنت التنوع الثقافي فيها، ولسنوات عديدة ظل العيد الوطني للولايات المتحدة وبعض دول أميركا الجنوبية يقام في شهر تشرين الأول احتفاءً بوصول كولومبوس إلى العالم الجديد، حيث زينت تماثيله الساحات العامة في دول أميركا الجنوبية والولايات المتحدة، وفي إسبانيا يتم الاحتفال في 12 تشرين الأول من كل عام كيوم إسبانيا الوطني، ويتم أيضاً الاحتفال به في إيطاليا كل عام كيوم كريستوفر كولومبوس الوطني.
وللسادة القراء الراغبين بالتوسع أكثر في هذا الجانب أن يطلعوا على كتاب «معذرة كولومبوس.. لست أول من اكتشف أميركا» للباحثة هاينكه زودهوف الذي ترجمه للعربية الدكتور حسن عمران، وقد بدأت المؤلفة كتابها بالهجوم على كولومبوس حيث كتبت «معذرة كولومبوس أنت لم تكن الأول ولم تكن أميركا تنتظرك بِكراً غير مكتشَفة بل عرفتْ شواطئُها قبلك عدداً من بحارة العالم القديم..» وتتابع الباحثة: «منذ خمسمئة سنة والعالم يكيل المديح لكولومبوس كمكتشف أميركا إلا أن هذا المجد ينبغي أن يكون من نصيب الفينيقيين»، وتؤكد الباحثة من خلال كتابها أن كولومبوس ليس أول من وطئت قدماه أميركا بل سبقه إلى ذلك الفينيقيون، وقد أوردت أدلةً أثريةً كثيرةً تثبت وصول الفينيقيين إلى أميركا الشمالية والجنوبية قبل كولومبس بزهاء 2000 عام، من هذه الأدلة اكتشاف آلاف القطع الأثرية في مقابر غواتيمالا بينها تميمة منقوش عليها صورة للإله بس الذي يعود تاريخه للقرن السادس قبل الميلاد وهو ذو ملامح قبيحة ولحية كثة كانت تنسج حوله الأساطير والخرافات الشائعة في منطقة الشرق الأوسط التي تتعلق بالولادة ورد الشؤم والنحس والحماية في المقبرة أيضاً، كما عززت المؤلفة رأيها بسلسلة متعددة من البراهين الناصعة في مجالات الحياة والعلوم المختلفة من خلال مجموعة من القرائن والأدلة الثقافية والتاريخية، وأثنت على الفينيقيين مكتشفي أميركا الحقيقيين الذين جاؤوا للتجارة قبل آلاف السنين، وكانت أفكارهم المحرك لتطور الحضارات الأميركية القديمة، وأن الذين وصلوا إلى أميركا قبل كولومبوس لم يكونوا من أوروبا وحدها حيث تؤكد المؤلفة وصول أفارقة وصينيين أيضاً.
ولابد من الإشارة إلى نقطة مهمة وهي أن العرب خرجوا من غرناطة عام 1492 ميلادية وهو العام نفسه الذي أبحر فيه كريستوفر كولومبوس للقارة الأميركية، وهنا نتساءل هل تم ذلك من قبيل المصادفة؟ ألم تساعد الخرائط والمخطوطات التي قام العرب بإعدادها وثبتوا عليها الحدود الشرقية للقارة الأميركية عندما كانت حضارتهم تتألق في الأندلس وخلفوها وراءهم عندما غادروا غرناطة وتكن الأساس الذي بنيت عليه رحلة كولومبوس؟ من المؤكد أن كولومبوس قد اعتمد على الخرائط التي وضعها العرب في الأندلس، حيث تذكر المصادر التاريخية أن كولومبوس ألح على الملكة إيزابيلا بضرورة خروج البحارة العرب في غرناطة معه في رحلته الاستكشافية أمثال «الرياش وموسى بن ساطع» وأن البحارة الإسبان الذين أبحروا مع كولومبوس لم يوافقوا على المشاركة بالرحلة إلا حين علموا بوجود هذين الملاحين العربيين المشهود لهما بالكفاءة في سبر أغوار البحار والمحيطات، ولولا مرافقتهم لكولومبس لما استطاع بالأصل أن يغادر إسبانيا.
وعلى الرغم من ظهور موجة لا بأس بها في بعض البلدان الأميركية ترفض أسطورة كولومبوس، ففي الولايات المتحدة الأميركية قامت بعض المجتمعات المحلية بتغيير اسم يوم العطلة إلى يوم الشعوب الأصلية، وفي ولاية لوس أنجلوس الأميركية وفنزويلا والأرجنتين وجزر البهاما تم إزالة تمثال كولومبوس من الساحات العامة، إلا أنه يبدو أن التراجع عن أسطورة أن كريستوفر كولومبوس قد اكتشف القارة الأميركية يبدو أمراً بالغ الصعوبة، والسؤال الذي يتبادر للأذهان مباشرةً هو لماذا؟
لماذا يتم التغاضي عن جرائم الإبادة التي قام بها كولومبوس بحق سكان أميركا الأصليين؟ لماذا مازال يروج لكريستوفر على أنه بطل قومي ومغامر عظيم وحامل للحضارة؟ لماذا يتم الاحتفال بهذا اليوم على أنه يوم وطني؟ لماذا ينسب الفضل لكولومبوس في اكتشاف أميركا؟ لماذا يتم عمداً تهميش من رافقه وكان لهم الدور الرئيس في الرحلة؟ لماذا يتم إغفال حقيقة أن هناك العديد من الرحالة قد وصلوا قبله إلى القارة الأميركية؟ والسؤال الأهم هو لماذا تزرع في أذهان وذاكرة الأجيال المتلاحقة جمال وقدسية فكرة اكتشاف القارة الأميركية من قبله بالذات وأنها قد أسست لبدء مرحلة جديدة من تطور البشرية؟
والجواب في رأيي الشخصي يندرج في سياق أن إسقاط فكرة اكتشاف أميركا من كولومبس والاعتداء على قدسية الأسطورة التي أرسى قواعدها كولومبوس سيبدوان باختصار كأنهما هجوم على المبدأ الذي يقول إنه يحق لبعض الدول الذهاب إلى أراضي الغير وإذلال أهلها وتشريدهم والاستيلاء على ممتلكاتهم والتسبب في معاناتهم وعذاباتهم، وهذه الفكرة التي يحاول الغرب إحاطتها بالهالة والتقديس ليست حكراً على الزمن الماضي وليست محصورة فقط بالمناطق التي وصلها كولومبوس في أميركا الجنوبية بل تنطبق على كل مناطق العالم وبكل الأزمنة.
معاون وزير الثقافة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن