قضايا وآراء

«اتفاق سوتشي» جزء من التجاذب الدولي.. و«الكيميائي» خير دليل

| محمد نادر العمري

من جديد تؤكد الأزمات الدولية المتفاقمة أن الاتفاقات الإقليمية أو الدولية خاضعة لتجاذبات وصراعات القوى الفاعلة والمؤثرة بها، وإرادة هذه القوى ومصالحها المتناقضة كتعبير عن دوافع سلوكها نحو الالتزام بهذه الاتفاقات أو التنصل منها، وما تشهده اليوم ميادين متعددة من تصاعد وتيرة الجبهات في أوكرانيا وليبيا وسورية واليمن وربما قريباً في ساحات صراع أخرى هو خير دليل بأن هذه القوى عندما تصل إلى استعصاء سياسي ودبلوماسي تلجأ إلى خلط الأوراق مجدداً لتحسين شروط تفاوضها وتموضعها ضمن أطر السيطرة وبهوامش ضيقة وحساسة.
وضمن هذا التوصيف يمكن فهم الإبقاء على اتفاق «شوتشي» ولو ميتاً سريرياً نتيجة حاجة الضرورة التي كانت دافعاً للتوصل إليه بين روسيا وتركيا، هناك أيضاً حاجة ضرورة للإبقاء عليه صورياً مع هامش المناورة التي يملكه كل طرف، ذلك أن سقوط الاتفاق في ظل عدم التوصل لاتفاق حول مصير المسلحين بالدرجة الأولى واستمرار التدخل الخارجي في التأثير بإدارة الأزمة السورية أو صراعها عليها سيجعل جميع السيناريوهات مطروحة على الطاولة بما في ذلك التهديد باستخدام القوة أو اللجوء إليها من قوى وفاعلين خارجون وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية والسعودية.
فالتصعيد الذي شهدته حلب منذ أيام باستخدام الكيميائي ليس مستغرباً ولا يمكن وصفه بالحدث النوعي الجديد، ولكن من حيث توقيته في ظل سريان «اتفاق سوتشي» يدفعنا للوقوف عند النقاط والملاحظات والأهداف التالية:
* رسالة ضمنية من «جبهة النصرة» وعدد من الفصائل الأخرى بالخروج عن «بيت الطاعة» التركي وحزم قرار «النصرة» بقطع العلاقة مع أنقرة وخاصة في ظل الضغوط المتصاعدة من موسكو عليها لتنفيذ «اتفاق سوتشي»، وهذا ما أكده مصدر إعلامي مقرب من ميليشيا «حركة نور الدين الزنكي»، أحد أهم ميليشيات «الوطنية للتحرير» لـصحيفة «الوطن» السورية: أن «النصرة» ضربت بالفعل أحياء شارع النيل والخالدية والزهراء بغاز الكلور السام المحشو داخل قذائف أعدها خبراء أجانب خاصة لـ«الخوذ البيضاء»، لتنفيذ سيناريو وتمثيلية أعدت مسبقاً في غرف مخابرات الدول الممولة والراعية للإرهاب، لكن فرع تنظيم القاعدة في سورية استخدم تلك القذائف في ضرب أهداف مدنية في أطراف مدينة حلب، ومن الأطراف الجنوبية الشرقية لقرية البريكيات الخاضعة لسيطرة «تحرير الشام» بريف حلب.
وضمن هذا المسار أقدمت «النصرة» بالتعاون مع الخوذ البيضاء على توزيع 50 صاروخاً قادراً على حمل المواد السامة على كامل الجغرافية الخاضعة لمنطقة حظر السلاح المتفق عليها في سوتشي صباح يوم الأحد الماضي، وبعد أيام قليلة من دخول خبراء فرنسيين إلى داخل مدينة إدلب وقيامهم بتطوير صواريخ معدة لهذه الغاية داخل سجن إدلب المركزي.
* مساهمة المخابرات الأميركية في تشجيع «النصرة» بالقيام بمثل هذا العمل لتحقيق عدة أهداف أهمها: إعادة «النصرة» إلى العباءة الأميركية وتقديم الوعود لها بدعمها مجدداً وإعادة هيكلتها وهذا قد يفضي في نهاية الأمر إلى خلق كيان ائتلافي إرهابي جديد، يضم عدداً من التنظيمات الإرهابية من بينها «النصرة» و«حراس الدين» و«جيش العزة» و«الحزب الإسلامي التركستاني»، لاستقطاب المزيد من العناصر القاعدية العربية والأجنبية لها من جانب، ومن جانب آخر توجيه صفعة لتركيا التي تحاول ممارسة الابتزاز على الجانب الأميركي فيما يتعلق بتطبيق اتفاق منبج، ومن الجانب الثالث رغبة الاستخبارات الأميركية التي تخوض صراعاً مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخلق وقائع جديدة من شأنها تفجير الوضع في إدلب أو تأزيمه قبيل توجه ترامب إلى قمة بوينس آيرس ووضعه في عنق الزجاجة أثناء اجتماعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولاسيما أن الاستخبارات الأميركية خصوصاً والأجهزة الأمنية والعسكرية داخل الولايات المتحدة بشكل عام أصبحت تعتقد بتراجع القدرة الأميركية على فرض أجنداتها في سورية في ظل الانكفاء التأثيري أمام الخصم الروسي.
فضلاً عن محاولة دك أسفين الخلاف بين دول أستانا في محادثتهم القادمة نهاية الشهر الحالي.
* توسيع دائرة الضغط على سورية وحلفائها وتحميلها مسؤولية ذلك كما ادعت بعض رموز المعارضة الخارجية وفي مقدمتهم الناطق باسم هيئة التفاوض السورية المعارضة المدعو يحيى العريضي الذي زعم أن «النظام السوري كان يوقت انطلاق كل جولة من جولات جنيف بتنظيم عمل إرهابي ويتهم المعارضة»، تمهيداً لإعطاء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية دوراً في ممارسة هذا الضغط، وخاصة أن الأخيرة سوف تعمل مطلع العام المقبل على «تحديد المسؤولين عن الهجمات الكيميائية في سورية»، بعدما تم تعديل ولايتها، في نظامها الداخلي، الأسبوع الماضي، لتشمل تحميل المسؤولية لا التحقيق فقط، رغم اعتراض روسيا والصين.
* محاولة هذه التنظيمات والدول التي أرسلت وسهلت مرور الأسلحة الكيميائية لها وفق وصف وزارة الخارجية السورية التي أرسلت رسالتين إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن «حول اعتداء التنظيمات الإرهابية بالغازات السامة على أحياء مدينة حلب» لردع قيام الجيش العربي السوري الذي حشد ما يقارب من 45 ألف مقاتل من القيام بأي عمل عسكري في حال انتهاء مدة الاتفاق بحلول 15 كانون الأول.
تركيا التي لم تسجل أي اعتراض على الرد الميداني الذي استهدف موقع إطلاق القذائف «الكيميائية» القريبة من نقاط مراقبتها والتي طاولت أحياء حلب الغربية، اعتبرت أن هدف هذا «الاستفزاز» عرقلة مسار «اتفاق سوتشي» ولكنها في ذات الوقت لا يمكن إعطاؤها صك البراءة عما أصاب أكثر من 107 مواطنين سوريين جراء استنشاق هذه الغازات، فالمواد دخلت عبر أراضيها وأطلقت من مناطق قريبة لتواجد نقاطها وهذا سيزيد من تأزمها في محادثات أستانا المقبل ومبررات تنصلها أمام الروسي الذي أغدق عليها الامتيازات والإغراءات الاقتصادية.
وتبقى كلمة الفصل في نهاية الأمر لصوت السلاح الذي سيفرض صداه على طاولة المباحثات إن لم ينفذ اتفاق إدلب بحذافيره، ومطلع العام القادم قد يبدأ الجيش السوري وحلفاؤه بفرضه وعلى قوات الاحتلال الأميركية والتركية سماعه جيداً والإنصات لنغمات نصره.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن