ثقافة وفن

هرتزل ودولته اليهودية… اختلاق لقومية مزعومة

| المستشار: رشيد موعد

 

في كتابه الصادر عام 1896 وتحت عنوان: «دولة اليهود». جاء «تيودور هرتزل» مؤسس الحركة الصهيونية العالمية، على حقائق نلمسها اليوم .. وتترجم في وقائع معاصرة..
فمنذ أكثر من 120 عاماً، نرى المقاربة نفسها تندرج على أحفاده الصهاينة في دولته المزعومة..
تحدث «هرتزل» في هذا الكتاب عن «المسألة اليهودية» باعتبارها من مخلفات العصور الوسطى.. ورأى أنها لم تعد مشكلة اجتماعية.. بل مسألة دينية .. وراح يفلسف رفض الاندماج بالآخر.. وتكلم عما تقود إليه من مخاطر سواء عبر الزواج المختلط، أم الدمج على بناء «دولة يهودية» مستقلة.. لأن العالم بحاجة لمثل هذه الدولة.. فيرى أنها ليست خيالاً أو حلماً .. بل حاجة عالمية.. لذلك فإنها سوف تقوم.. وتطرق إلى دور الكراهية ضد اليهود .. وتوقف عند ذلك، إذ رأى أن هذه الكراهية، تكون سبباً ومبرراً لإقامة هذه الدولة.. فالأصوات المنادية بهذه الكراهية لليهود، وكذلك السخرية.. وعدم التسامح الديني والتنافس في الأمور التجارية والتعصب الأعمى في القلوب ضد اليهود.. ونظرات الاحتقار والعزل في الصحافة والمطاعم والفنادق والمنابر، والشعور بالغربة.. كل ذلك كان في «خدمتنا» كما يقول «هرتزل».. ومن تمكن من إيذاء اليهود والقضاء على ضعفائهم.. إلا أن الأقوياء منهم يواصلون الدرب، ويستمرون.
ولم يجد «هرتزل» في «الأرض الموعودة» مكاناً محدداً لدولته.. فظل حائراً بين الأرجنتين، وأوغندا، وسيناء، والعريش، وفلسطين.. وكانت لديه عبارة مبهمة في هذا الاختيار.. وفي آخر المطاف، ربط اسم فلسطين بالحاجات الاستعمارية، وذلك كما يقول: «سنصبح ملاذات وحرس شرف وحاجز فصل لأوروبا في مواجهة آسيا. «أي الحضارة في مقابل البربرية».. وحتى تقوم هذه «الدولة اليهودية» الموعودة.. فهناك ثلاثة أسس لقيامها:
1-الجمعية – 2- الشركة- 3- المجموعات المحلية. فأما الجمعية: فهي ذلك الإطار السياسي والأيديولوجي لبناء الدولة.
وأما الشركة: فهي التي تتكفل الحصول على الأراضي التي تحتاجها هذه الدولة وتثبيت ملكيتها، حيث يكون هذا الإجراء خاضعاً للقانون الإنكليزي، وتحت حماية إنكلترا، وعمل هذه الشركة ينسحب على المصارف، والاكتتاب العام.
وأخيراً المجموعات المحلية: حيث يكون دور هذه المجموعات المحلية فاعلاً ومحصوراً في القوى التنفيذية.
ويتابع «هرتزل» حديثه في هذا الكتاب.. مؤكداً المسائل المعروفة في العقل اليهودي.. فهو يتطرق إلى المال.. حيث يقول: «حين اكتسبنا تفوقنا مالياً في ظل العصور الوسطى التي دفعتنا لذلك.. فإن ظروف اليوم، تدفعنا إلى عالم البورصة.. ولن يجرؤ أحد على تحدينا.. لأن الأزمات الاقتصادية ستكون تحت سيطرتنا».. هذا الكلام تحدث عنه الصهيوني «هرتزل» منذ 120 عاماً.. وتقضي الظروف أن يتحقق الآن.. وفي مجال التعامل الأخلاقي.. يقول: «إن القومية فوق الأخلاق.. وعلينا أن نمتلك وطناً مستخدمين كل الذرائع.. فالخير الأخلاقي، لا يفيدنا، ويؤشر على تقاسم أدوار بين البروليتاريا والبرجوازية اليهودية.. فعندما نغرق نصبح بروليتاريا ثورية.. وعندما نصعد.. تصعد معنا القوة الرهيبة للمال.
ورغم إشارته في بعض المواقع إلى شكل علماني للدولة الموعودة.. إلا أنه يؤكد أن المسألة اليهودية هي مسألة دينية، مستخدماً تعابير مثل «إخواني في الدين»، ويدعو لتأسيس مجموعة محلية برئاسة «حاخامات».
وبخلاف العناصر الأساسية لأي دولة.. لا يبالي «هرتزل» باللغة القومية.. مستخدماً المثال السويسري.. ويعتبر المجموعة البشرية أهم من الأرض.. فالدولة عنده لا تتشكل بوساطة «قطعة من الأرض»، وإنما بوساطة الناس والبشر.. ويأخذ قياساً على ذلك دولة «الفاتيكان» التي تبلغ مساحتها كيلو ونصف الكيلو متر مربع فقط.. لكنها تضم مواطنين كثراً.. كما أنه لا يهتم قط بقبور اليهود في أماكن متفرقة من العالم.. فهؤلاء لا يقيدونهم بالهجرة، عكس ما هو مألوف بين اليهود..
وفي النتيجة.. فإن كتاب «دولة اليهود» لمؤلفه «تيودور هرتزل» هو في محتواه ومضمونه اختلاق «لقومية مزعومة» من جماعات قومية شتى.. يعترف «هرتزل» في كتابه هذا، أنه لا وجود للأخلاق والديمقراطية.. كما تحدث أيضاً عن وطن مبهم.. مرة يراه هنا في سيناء والعريش.. ومرة هناك في الأرجنتين وأوغندا.. ويستقر به المطاف في فلسطين.
ولا يجمع مقومات هذا الوطن.. سوى فكرة واحدة.. هي «اليهودية» العنصرية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن