قضايا وآراء

الإستراتيجية الأميركية والإستراتيجية المضادة لها في السنوات المقبلة

تحسين الحلبي : 

لا أحد يشكك أن الإدارات الأميركية نجحت في أعقاب الحرب العالمية الثانية بفرض تحالفات وحشد دول وأطراف تحت شعار محاربة الشيوعية من أجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية الأميركية وأهمها الاستفراد بالسيطرة والهيمنة على العالم ومنع تطور القوى المناهضة لها وفي مقدمتها الاتحاد السوفييتي وحلفاؤه.. ويبدو من الواضح الآن أن الإدارة الأميركية استحضرت شعار «محاربة الإرهاب» في أعقاب انهيار النظام السوفييتي لتحقيق المزيد من الاستفراد والهيمنة في العالم ومنع تطور قوة الأطراف الدولية روسيا والصين والأطراف الإقليمية في الشرق الأوسط وفي مقدمها سورية وإيران والعراق.
ومن بوابة شعار «محاربة الإرهاب» تحاول واشنطن فرض تحالفات تحشد فيها أكبر عدد من الدول التابعة لسياستها وبشكل تولد فيه حرباً باردة جديدة على روسيا والصين وحلفائهما وكأن هذه الدول لم تفتح جبهات حرب على الإرهاب بكل أشكاله ومجموعاته لكن واشنطن لا ترغب في أن يشاركها أحد من هذه الأطراف لأن واشنطن هي التي تسخر المجموعات الإرهابية من منظمة القاعدة إلى داعش وتعرف أن حلفاءها في قطر والسعودية وغيرهم قدموا المال والسلاح لكل هذه المجموعات ما داموا جزءاً من الحرب الطائفية في العراق وسورية ولبنان وأي مكان. وهذا ما أكده (جو بايدن) نائب الرئيس الأميركي حين اعترف علناً بهذه الحقيقة لإبعاد التهمة عن إدارته الأميركية.. ولا أحد يشك أن روسيا والصين يدركان أن هذا الإرهاب التكفيري الإسلامي يجري التحضير الأميركي لنقله إلى المناطق التي يقيم فيها مسلمون في روسيا الاتحادية وفي الدول الإسلامية المجاورة لها مثل قرغيزستان وغيرها، وكذلك في المناطق الصينية لمسلمي (الأيغور) والصينيين الآخرين في أقاليم صينية.. فالولايات المتحدة لا ترغب مطلقاً في أن ينشأ تحالف دولي تشارك فيه روسيا والصين ضد الإرهاب لأن تحالفاً كهذا سيسحب من يدها القدرة على توجيهه بشكل غير مباشر ضدهما وسيفضح دورها المتواطئ والهادف إلى تسخير الإرهاب لشن حروب التدخل المباشر وغير المباشر في العالم كله ما دامت ساحة عمل هذه المجموعات تمتد في آسيا وإفريقيا، وبين (1.5) مليار من المسلمين المنتشرين في العالم. وهذا ما يؤكده تحليل نشرته المحللة (لاوراسا وثغيت) في مجلة (غلوبال ريسك اينسايت) (نظرة على الأخطار العالمية) حين كشفت أن عدداً من المسلمين في إندونيسيا وماليزيا بدؤوا ينضمون لتأييد منظمة (داعش) ويعربون عن استعدادهم للانضمام إلى مجموعاتها المسلحة في أي مكان واعترف رئيس حكومة (سنغافورة) (لي هين لونغ) أن منطقة جنوب شرق آسيا (تحولت إلى مركز تجنيد مهم للانضمام إلى داعش). وتضيف (لاوراسا وثغيت) أن إندونيسيين وماليزيين مسلمين أسسوا منظمة اسمها (كاتيبة نوسانتارا) أي (وحدات قتال الأرخبيل الماليزي الإسلامية) وأن زعيم (الجامعة الإسلامية) في إندونيسيا أعلن منذ عام 2014 ولاءه (لزعيم داعش) واعترف رئيس حكومة إندونيسيا أن (أكبر الأخطار التي تهدد بلاده تمثلها المجموعات الإرهابية التكفيرية).. ومن الملاحظ أن الإدارة الأميركية لن تستثني الصين من نقل الإرهاب التكفيري إلى قلب أراضيها ومن حول حدودها البحرية من خلال هذا الغزو الإرهابي عابر الدول والقارات الذي يستمد قواته البشرية من تجنيد المسلمين وتسخيرهم لخلق الدمار والقتل والفوضى في الدول التي تضم في أراضيها وبين مواطنيها مسلمين.
ولهذا السبب أعلن أكثر من مسؤول أميركي أن الحرب على داعش والإرهاب قد تستمر لثلاثين عاماً وهو ما تريد فرضه سياسة الهيمنة الأميركية على العالم.
ولذلك كانت موسكو من بين أهم المدركين لخطورة السياسة الأميركية حين دعت إلى تشكيل تحالف يشمل كل الدول لمحاربة الإرهاب التكفيري ودعت دولاً مثل السعودية وقطر وهي ممن يدعم الإرهاب التكفيري بشكل غير مباشر للانضمام إلى محاربة الإرهاب لكي تمنعها عن سياسة دعم الإرهاب المسخر لخدمة المصالح الأميركية.
ولذلك يخطئ من يعتقد أن العالم لن ينقسم إلى دول تسخر الإرهاب لتحقيق مصالحها وفي مقدمتها الولايات المتحدة وإلى دول تحارب الإرهاب بكل مصداقية لأنه يشكل أكبر الأخطار على مستقبل شعوبها وفي مقدمتها روسيا والصين وحلفاؤهما في سورية والعراق ومنطقة الشرق الأوسط.
وها هو تاريخ الحروب الباردة يعود هذه المرة لكنه يعود في ظل ميزان قوة تفوق فيه قدرات المعسكر المعادي للإرهاب قدرة واشنطن وحلفائها على استغلاله وتسخيره.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن