ثقافة وفن

الإبداع نتاج الأرض

| د. اسكندر لوقــا

المشاركة الحقيقية في الحياة، هي سبيل معرفتنا لما يكمن وراءها من المرئيات. وهذا هو سبيل الإبداع كعمل ينتمي إلى شجرة المعرفة، سواء في مجال الكتابة أم الرسم أو الموسيقا وما شابه ذلك. في هذا السياق يمكن القول: إن الإبداع لا يكون إبداعاً بالفعل، إذا لم يكن على النحو الذي يقارب علاقته مع المجتمع الذي ينتمي إليه إعلامه ومفكروه، وذلك بغض الطرف عن المجتمع الذي ينتجه، وتحديداً عندما يكون المجتمع مجالاً لأرض قابلة لإنتاج ما يكفل له البقاء وبالتالي الديمومة.
من هنا قولنا: إن الإبداع بجميع أنواعه، هو نتاج لمجتمع يحتضن رموزه بشكل أو بآخر. وفي أوراق التاريخ أمثلة لا تحصى عن مبدعين كانوا موضع رعاية، لهم الآن كما سيكون لهم في المستقبل حضورهم المميز في أماكن متقدمة من أرجاء العالم وبينهم عباقرة العلم والأدب والفن، وفي الوقت عينه كانوا القناديل التي أضاءت دروب الساعين إلى رفع شأن مجتمعاتهم.
والحقيقة التي لا يمكن تخطيها في مثل هذه الوقفة، هي أن الإبداع ظاهرة تتفاعل مع تطلعات أبناء المجتمعات الساعية إلى بلوغ أوج مجدها ضمانة لاستمرارها في الحياة. ومن هنا لا بد أن يكون الإبداع نتاج تفاعل مع المجتمع محاكياً شتى المواقف التي يؤمن بها أصحابها ويسعون إلى ترجمتها في المجالات المتنوعة التي أشير إليها. ومن هنا كان الإبداع مرآة تعكس أبعاد الواقع الذي يجسد طموح أبناء هذا المجتمع أو ذاك، ويتخطى أحياناً واقع مجتمعه من حيث الرقي أو عدمه بالعودة إلى مسألة التقييم الذي يلجأ إليه البعض من علماء الاجتماع، لأن خصوصية الإبداع لا تعترف بالمستوى المتعارف عليه على نحو القول: هذا مجتمع متحضر أو هذا مجتمع غير متحضر، لأن الإبداع، في كل الحالات، كما النبتة التي تتحدى عوامل الطقس وتخرج إلى الضوء، هذا مع الأخذ بالحسبان العوامل المساعدة الأخرى ومنها تأمين الشروط المساعدة على ولادة المبدع بحدّ ذاته.
وفي كل الأحوال يبقى الإبداع عنوان رقي المجتمعات التي ترعاه، وخصوصاً بتوفير مستلزماته المادية أو المعنوية في نهاية المطاف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن