قضايا وآراء

تقاعس حكومي في ملف الهجرة واللاجئين

سامر ضاحي : 

يزداد الحديث يوماً بعد آخر عن تداعيات الأزمة السورية وما رافقها من انعكاسات سياسية واقتصادية واجتماعية، وتأثير تلك المنعكسات على بنية الدولة بشكل عام، والمواطن بشكل خاص، في ظل تقاعس حكومي واضح عن تحمل المسؤولية.
ويمثل موضوع الهجرة واللاجئين أحد أهم الملفات التي تكاد تغيب عن الحكومة السورية ووزارة الخارجية والمغتربين، المعني الأول بهذا الملف.
فاليوم نشهد طوابير الشباب أمام إدارات الهجرة وأبواب السفارات وعلى المواقع الإلكترونية باحثين عن سبل للهجرة، كما نطالع يومياً عشرات القصص عن شباب وعائلات سورية تهاجر بشكل غير شرعي عبر «قوارب الموت» للحصول على لجوء في بلد ما، ويقعون ضحية حيل مافيات التهريب التي ترى في السوريين اليوم الفريسة الأمثل لممارسة جشعها، غير آبهين بالاعتبارات الإنسانية، وجميعهم من بلدان الاتحاد الأوروبي التي تدعي احترام حقوق الإنسان، والديمقراطية.
تمثل أزمة اللاجئين بحد ذاتها أزمة متعددة الجوانب والتداعيات على الاقتصاد السوري وعلى الديمغرافيا السورية وعلى دول اللجوء.
إن أعداد المهاجرين خارج سورية في ازدياد مطرد هرباً من واقع المعارك وساحات القتال وبحثاً عن ظروف أمثل مما يؤدي إلى تغيير خارطة الأجيال، فمعظم المهاجرين من الشباب وبالتالي خسارة طاقات الشباب المنتج، وخاصة هجرة الكفاءات التي تلقى ترحيباً من السفارات الغربية، وصولاً إلى الهجرة غير الشرعية التي تؤدي إلى تعقيد الموقف أكثر، فالمهاجرون غير الشرعيين من الصعب الحصول على بيانات حقيقية لهم، ويلقون أقسى أنواع المعاملات اللاإنسانية آخرها في مقدونيا حيث نشرت مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لجنود هناك يقومون بتعذيب المهاجرين ومنعهم من دخول الأراضي المقدونية، أو يموتون على دروب الهجرة كما حصل مع أكثر من سبعين في شاحنة واحدة في النمسا، أو نحو مئتين وهم يحاولون اجتياز المتوسط من ليبيا معظمهم من سورية.
يجد السوريون معاناة شديدة في بلدان اللجوء، فبعد أن يتكبد كل منهم ما يزيد أحياناً عن أربعة آلاف يورو، تبدأ معاناة الحصول على الإقامة، ثم مشاكل الحصول على السكن والعمل، وتكاليف المعيشة المرتفعة، ناهيك عن سوء المعاملة وصولاً إلى الترحيل أحياناً.
اللافت في الأمر أن كل الدول العربية تشهد هذه الأزمة ولا تعيرها الاهتمام اللازم، ففي سعي الجامعة العربية المحموم لإسقاط النظام في سورية، تضع عراقيل متعددة بوجه اللاجئين السوريين حتى إن المستشارة الألمانية ميركل سخرت منهم بالقول: «يوماً ما سنخبر أحفادنا كيف هرب العرب عبر مراكب الموت إلينا على الرغم من أن بلاد المسلمين أقرب إليهم!» كما نقلت بعض وسائل التواصل الاجتماعي عنها.
الحكومة السورية تكاد تقف موقف المتفرج من كل ما يحصل، شأنها في ذلك شأن ملفات كثيرة، كالمفقودين، وحماية المستهلك، ففي وقت يتوجب عليها السعي عبر الأمم المتحدة، والمؤسسات الدولية ذات الشأن للمطالبة بمعاملة أفضل للاجئين السوريين وتقديم برامج عملية لتنظيم وجودهم في بلدان اللجوء، في محاولة لتأمين استمرار ارتباطهم ببلدهم الأم، وتحييدهم عن التجاذبات الدولية والإقليمية المرتبطة بالأزمة السورية، نرى أنها تتوقف في أحسن الأحوال، عند التنديد والشجب تجاه المعاملة السيئة التي يلقاها هؤلاء، وتترفع عن القيام بدور الفعل الحقيقي الإستراتيجي البعيد المدى لأن أولئك اللاجئين يمثلون طاقة مستقبلية هائلة للوطن نحن بأمس الحاجة إليها إذا ما فكرنا من منطلق تنمية مستقبلية مستدامة.
من الواجب على الحكومة السورية التنسيق مع بلدان اللجوء في قضايا التربية واللغة، ومن واجبها فتح المدارس الخارجية، وإمدادها بالمناهج السورية، ومن واجبها تأمين أوراق ثبوتية لهم بالتعاون مع الحكومات المعنية، وتنظيم وجودهم هناك، وإلا ما الدواعي لوجود سفارات سورية في الخارج (حيث وجدت). أولئك اللاجئون لهم دور في مستقبل سورية ويجب علينا الحفاظ عليهم ولابد من أن تتحول الحكومة إلى عامل جاذب لهم كي يعودوا للدفاع عن بلدهم في وجه الإرهاب بدل أن تؤدي أفعالها إلى تشجيعهم أكثر على الهروب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن