ثقافة وفن

ما الذي يتغيّر؟ الطفل وتراجعه علمياً مع الوقت

| ثناء خضر السالم

ينمون كبراعم في قلوبنا، يحتلون مساحة قلبنا كاملة ومساحة تفكيرنا أيضاً، كلُّ همّنا في الحياة أن يكبروا ويثمروا، أن يتعلّموا وينجحوا وينجزوا. نعم هم أطفالنا نمشي معهم خطوة خطوة ليصلوا إلى ما نتمنّاه لهم. ويبقى السؤال: ما الذي يحصل؟ ما الذي يتغيّر؟ لمّا يكونون صغاراً هم من المتفوّقين، وكلّما تقدّموا مرحلة تراجعوا علمياً. هذه الظاهرة منتشرة ومتفشّية والسؤال الذي يطرح نفسه ما سبب هذه الظاهرة؟
الحلول أسريّة توعويّة، ولو كان المرشد النفسي يقوم بدوره على أكمل وجه لكانت الأمور أفضل، وإن أداه فأحياناً يكون مصدر خوف الطلاب ولاسيما في القرى. هذا رأيي فما رأي الآخرين؟

محسن حسن (مدرّس فيزياء): للأسف ظاهرة طبيعية بدليل انتشارها في كل المجتمعات، واستمرارها عبر الأجيال المتتالية. ولها علاقة بالوراثة ونلاحظ ذلك على مستوى الأسرة والعائلة (الأولاد يكرّرون الحكاية نفسها من الكبير إلى الصغير أحياناً، ويمتدّ الأثر أيضاً ليشمل الكثير من الأقرباء في العائلة الواحدة. وهي ظاهرة ناتجة عن التفاوت بين المنهاج ومستوى التلميذ في مرحلة التعليم الأساسي، فكما يعاني بعض التلاميذ صعوبة المناهج وثقلها على أذهانهم وإدراكهم، فإن التلاميذ الذين نتحدّث عنهم يعانون من رتابة المنهاج والتكرار المملّ للأفكار وكثرة الحشو فيه، مّا يحوّلهم بالتّدريج إلى مستهترين أو لا مبالين، ومن هنا تبدأ المشكلة، والطرق التقليدية لتطوير المناهج (في تقديري) لن تصل إلى حلّ في المدى المنظور. وللمعلمين في المدرسة وللأهل في البيت دور بارز في إصلاح هذا الخلل، وذلك من خلال توجيه التلميذ المتفوّق نحو نشاطات تسد هذه الثغرة، كالمطالعة أو الهواية التي يميل إليها فهي بمنزلة منهاج رديف. وللأسف بدلاً من ذلك نلاحظ المديح والثناء على تلميذ بعينه بمناسبة وبلا مناسبة وهذا يزيده غروراً ولا مبالاة.
لماذا يتغيرون عندما يكبرون: فما نسمعه للأسف من الأهل وعموم المعلمين وبعض المهتمين في المجتمع هو اتهام هذا الطالب الذي أصبح كسولاً أو مقصّراً (بعد أن كان مميّزاً) بأنّه جهلان أو مفسودة أخلاقه، يضاف إلى ذلك الأسلوب التقليدي لإدارة المدرسة في التعامل مع الطلاب الذين باتوا في مرحلة المراهقة، والذي يكرّس تصنيفهم في مراتب دونية مّا يزيد في إحباطهم ودفعهم بعيداً بالاتجاه الخاطئ. أمّا في الحقيقة كما أرى هم ضحية لجهل الجميع وفشلهم في التعامل معه، فهذا التلميذ المتفوّق بمرور الأيام بدأ يتراجع في المستوى عن أقرانه نتيجة اللامبالاة ويظهر ذلك جليّاً في ضعف ذاكرته الحفظية من جهة حيث أصبح أقل قدرة على الحفظ ومعاناته في متابعة المناهج (لا لقلّة في الذكاء، بل لكثرة الثغرات في تسلسل معلوماته). ولابدّ من الإشارة إلى مستقبل هذا النوع من الطلاب الكثير منهم مازال يحتفظ بنباهته وذكائه. وتميّزه في مجالات الحياة التي امتهنها، والقلّة أطاح بهم الزّمان وغرقوا في بحور التخبّط والفشل.
د. وضحى يونس (مدرّسة في جامعة تشرين): مع نمو الطفل الجسدي والروحي ينمو إحساسه بذاته وتبدأ شخصيته المستقلة بالتكوّن، وتتوسّع مداركه لكن حجم المدركات ونوعها أمامه يزداد تحدّياً لقدراته الاستيعابية. يصبح عالمه أكبر واهتماماته أكثر فيتوزّع ذكاؤه واجتهاده على محاولات فهمه لأكبر قدر مما يجري حوله وفي داخله وتكثر أسئلته الوجودية نحو من أين أتيت؟ ولماذا؟ وإلى أين المصير؟ وكيف؟. وينتقل من مرحلة إلى أخرى بين الطفولة والمراهقة ثم يدخل خضمّ الحياة الاجتماعية ويعايش أغلب تناقضات الواقع. فالطفل عندما يمتلك الوعي بالتدريج لا يعود بمنأى عن المشكلات التي يعايشها في البيت والمدرسة والشارع، كما يتغيّر نوع الرعاية وحجمها التي يتلقّاها من الأسرة، وغالباً ما يفتقد الرعاية المطلوبة المدروسة جيداً في مجتمعات نامية فقيرة اقتصادياً وعلميّاً أيضاً.
وسام تفّاحة (تعويضات أسنان): أول وجه: تتوسّع مداركهم وتتشعّب اهتماماتهم، تحضر أشياء جديدة بحياتهم تجذبهم أكثر من الدراسة. ثاني وجه: الجهد المبذول من الوالدين بما يخص التربية والرعاية والتعليم في المرحلة الأولى يكون كبيراً ويبدأ بالتناقص نتيجة ملل الأهل من كبح جماح الطفل وتقليم نشازاته لذا يتركون له مساحة أكبر فيستغلّها اجتماعيّاً لا دراسيّاً. ثالث وجه: الدراسة عمل جاد وهادف وبنّاء. وقليلة الأسر التي تنتبه لمدى أهمية أنه جادّ وتراكمي، ننتبه أن الولد ذكي ونتركه يتحمّل المسؤوليّة وحده لذا يتراجع ولا يكمل بالنجاح نفسه. والنتيجة برأيي المشكلة بوعي الأهل وصبرهم على متابعة الأولاد ففي النّهاية أي طاقة تحتاج إلى توجيه وإن توجّهت فلا تضيع.
غنوة ديب (معلّمة صف): اعتماد الأم على المدرّسة الخصوصية وهربها من مسؤوليّاتها. الموبايل والإنترنت يجب أن يكون هناك مراقبة وتواصل ونقاش. وكذلك إذا كان ثمّة مشكلة بين الأب والأم يجب ألا تناقش أمام الولد مثل مرض، خلاف.
لمى محمود (معلمة صف): بسبب تغيّر المنهاج عليهم فيصبح أصعب، وتصبح أمور الحياة أكثر تعقيداً، في البداية تكون الواجبات قليلة وهمّهم اللعب، ثم يصبح همّهم الدراسة ولمّا يصلون إلى الثانوي ينشغلون بالعشق ووسائل التواصل الاجتماعي.
فادي علي (مدير شركة شمس التجارية): أولاً: التقييم وهم صغار ليس حقيقياً للكل على الأغلب يأخذ عشرة من دون أن يستحقّها. ثانياً: إخفاق أغلب الأهالي بالتعامل مع أبنائهم في مرحلة المراهقة.
ثالثاً: الكادر التربوي غير المؤهّل نفسياً في العموم. رابعاً: الطفل لمّا يكون صغيراً يكون غير متأثّر بمشاكل أهله، ولمّا يكبر يتناسب تركيزه بالمدرسة عكساً مع مشاكل أسرته التي بدأ واعياً لها ويعيشها، فالأنجح من كانت مشاكله أقل في البيت.
خامساً: العامل الاقتصادي الذي له علاقة بقدرة الأهل على مواكبة الدروس الخاصة، وخاصة مع وجود بعض المدرّسين المبتزّين.
صفاء خليل زهرة (مرشدة اجتماعية): يوجد عدّة عوامل مؤثرة أولاً: العامل النّفسي ففي مرحلة الطفولة يكون هدفه إرضاء والديه ونيل الثناء على كل عمل من أجل نمو شخصيّته، ولهذا السبب نلاحظ أطفالنا عند العودة من المدرسة وقبل الطعام يبدؤون بكتابة الوظائف وينتظرون تلك النظرة التي تحمل الفخر من الأهل. مرحلة بداية المراهقة التي لاحظنا أنها تبدأ بين الصفين الخامس والسادس وهنا نجد الطفل يبدأ بعناد الأهل ظنّاً منه أنه الأفضل والأذكى لهذا يبدأ بلعبة العناد وتكسير الأوامر المنزلية، فعلى الأهل في هذه المرحلة استبدال كلمة اذهب لتدرس بكلمة ما رأيك أن نتشارك الدرس، أو لاحظت أنّك متعب ارتح قليلاً وبعدها لنتحدّث معاً ماذا فعلت في المدرسة. ثانياً: العامل الاجتماعي الذي لا يقل أهمية عن العامل النفسي بل يتشارك معه أسباب التأخر الدراسي، فقد لاحظنا تراجع مستوى الطلاب الذين تعرّضوا للتّهجير بعد مراجعة سجلّاتهم التي تثبت تفوّقهم، فما تعرّض له هؤلاء الأطفال من عنف وتشرّد أثر في شخصيّتهم ومستوى تعليمهم. وفي زمننا تلعب وسائل الاتصال الحديثة دوراً كبيراً في التأخّر الدراسي فيعيشون بعالم افتراضي، وبعيداً عن رقابة الأهل يضيع مستقبل جيل أصبح لا يدرك شيئاً من حوله.
نبيلة مخلوف (موظفة في نقابة المعلّمين) السبب فترة المراهقة والرفقة والأستاذ أيضاً الذي بإمكانه تغيير طبع طلّابه، فإن لم يكن محبوباً عاش الولد تناقضاً. ففي مرحلة المراهقة يحاول الولد إثبات ذاته، ويكون ثمّة صراع بين الفكر والعاطفة ويريد أن يحبّ فيحتاج إلى المسايرة لأن الأمر طبيعي، مع التركيز على أهمية الدّراسة، إذاً علينا أن نسايرهم ونراعي عقولهم.
أ. خليل ضبة (خطّاط):
1- تتحمّل المدرسة والمدرّسون جزءاً كبيراً من هذا التراجع، فإقبال الطلاب واندفاعهم يتراجع بسبب كثرة الوظائف من قبل أكثر من مدرّس دون التنسيق بين المدرّسين، وهذا يشتّت الطالب. إضافة إلى الإدارة المدرسيّة وعدم تواصلها الفاعل مع الأهل بشكل علمي يدرس نفسية الطالب ومشاكله ويقوم بمعالجتها بشكل صحيح.
2- الأسرة: وذلك لعدم التركيز على اهتمامات الطالب ومراعاتها وعدم التواصل الصحيح مع المدرسة.
3-الطالب: عندما يكبر يكون قد اقترب من سنّ المراهقة، وهذا التغيير في جسمه وعقله واهتماماته قد يحتاج إلى مزيد من العقل والتعقل في التعامل معه ومعالجة مشاكله بعقل وارع وهذا ما نفتقده في مدارسنا وعند معظم الأهالي.
وختاماً أقول: لكلّ منّا طريقته في التربية التي لا يقبل أن يتدخّل بها أحد، فعلينا ونحن نربّي ألا ننسى أن ابننا كائن موجود له شخصية ورأي واستقلالية هذا كلّه يساعد في بنائه بناءً سليماً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن