قضايا وآراء

التدخل الروسي في سورية: الأبعاد والفرضيات البديلة

| فارس رياض الجيرودي

سألني أحدهم ماذا كان سيحدث لو لم تقتحم روسيا ميدان المعركة في سورية؟ لطالما اعتبر الخبراء في مجال السياسة والإستراتيجية السؤال الافتراضي المبني على كلمة «لو» سؤالاً يفتقد للحكمة، فالسياسة فن يتعامل مع الوقائع ولا يلتفت ممارسوه للفرضيات، مثلاً: لولا دعم الولايات المتحدة العسكري والاقتصادي والسياسي للكيان الصهيوني، لما بقيت إسرائيل يوماً واحداً، كما أن ميدان السياسة الدولية أقرب للغابة في قوانينه، فأنت لن تجد حليفاً يقف إلى جانبك في حال كنت ضعيفاً، رغم كل ما سبق قد يكون مفيداً الإجابة عن السؤال الافتراضي السابق:
جاء التدخل الروسي المباشر في الصراع السوري بعد أربع سنين ونصف السنة من اندلاع المواجهة، وفي لحظة دخول روسيا لساحة القتال لم يكن الجيش العربي السوري مع حلفائه في محور المقاومة في وضع الانهيار الشامل، فمعظم المدن السورية الكبيرة كانت تحت سيطرة الدولة السورية كلياً أو جزئياً، مع فقدانها السيطرة على معظم الأرياف، وفي مقابل سقوط إدلب والرقة حرر الجيش العربي السوري حمص ويبرود وحماة والقصير قبل التدخل الروسي، فالوضع كان أقرب إذاً لحالة التعادل.
وعكس ما تحاول ماكينة الإعلام الخليجي الإيحاء به، كان لدى محور المقاومة خيارات أخرى كثيرة لكسر حالة التعادل تلك، غير الاستعانة بعاصفة السوخوي الروسية، كان يكفي مثلا الدفع بخمسين ألف مقاتل من الحرس الثوري الإيراني لحسم المعركة في سورية، لكن قرار الاستعانة بروسيا، مثّل خياراً يهدف إعطاء روسيا وزناً إستراتيجياً أكبر، وذلك من خلال منحها فرصة التموضع في أهم مناطق العالم، الشرق الأوسط، ومن ثم إعادة التوازن للساحة الدولية، والإجهاز على عصر القطبية الأحادية الأميركي، والانتقال لعصر القطبية المتعددة، فلولا محور المقاومة لما حلمت روسيا بالحصول على موطئ قدم في منطقتنا، وبالتحول من مجرد دولة إقليمية كبيرة إلى قطب عالمي مكافئ للولايات المتحدة، وكلنا يتذكر النتيجة الكارثية لمغامرة التدخل السوفييتي في أفغانستان.
بالمقابل ماذا حصلت سورية ومحور المقاومة مقابل الفرصة التي منحتها لروسيا لاستعادة عظمتها؟
إضافة إلى المساعدة الجوية الروسية في تحرير الأراضي السورية من جيوش الإرهاب الممولة بمليارات الخليج، حصلت سورية حتى الآن على أعداد كبيرة من الدبابات والمدرعات الروسية الحديثة، وعلى زيادة في أعداد مجمعات «بوك أم 2» والـ«بانتسير» الدفاعيتين، وهي أنظمة متوسطة وقصيرة المدى، من أفضل ما أنتجت الشركات الدفاعية الروسية، وهذه الأنظمة استخدمت للتصدي للعدوان الصاروخي الأميركي الفرنسي البريطاني الأخير، والذي لم ينجح بفضل ذلك في إخراج مطار سوري واحد من الخدمة.
ثم حصلت سورية أخيراً على مجمعات «إس300 – 2 PM» نسخة الجيش الروسي غير التصديرية، وهي أفضل أنظمة الدفاع الجوي البعيدة المدى، ولا تختلف عن «اس 400» سوى بالمدى، الذي لا تحتاجه سورية بسبب صغر مساحتها وقرب الكيان الصهيوني من حدودها، كما حصلت على نظام القيادة والتحكم الأتوماتيكي Polyana، وعلى الأغلب دخل معه نظام التشويش والحرب الالكترونية «كراسوخا4»، ما يحقق نظرية الدفاع الجوي المتعدد الطبقات عبر تشكيلة مرعبة متكاملة لا تملكها حتى أكثر الدول ذات الميزانية الدفاعية الضخمة، وحتى اليوم لم تحصل تركيا ذات المساحة الشاسعة مقارنة بسورية على نظام دفاع جوي بعيد المدى، حيث لم تنفذ صفقة «إس 400» حتى اليوم رغم أنها في طريقها للتنفيذ كما يبدو.
إلى جانب كل ما سبق تشير معلومات إلى توجه روسي لإعادة تحديث شاملة لجميع قطاعات التسلح في سورية، براً وبحراً وجواً، مع دعم زيادة أعداد القوات المسلحة، أضف لما سبق صفقة أسلحة روسية لإيران هي الأضخم في التاريخ وتقدر بعشرين مليار دولار دخلت مراحلها الأخيرة.
لذلك وفي العمق وعكس ما يبدو من ظاهر العلاقات الروسية الإسرائيلية، يمكننا القول إن سورية ومعها محور المقاومة حصلا أخيراً على الحليف الدولي المكافئ، وإن لم يكن المساوي حجماً للولايات المتحدة التي تدعم إسرائيل وتمدها بكل أسباب البقاء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن