ثقافة وفن

عدم الاهتمام بالفن التشكيلي هو تغييب للثقافة … محمود الساجر لـ«الوطن»: أميل للتجريد لكونه معالجة لونية ولبعض الأعمال علاقة بالأزمة واكتفيت بالإشارة إليها

| سوسن صيداوي

تجربة تنطلق من حضن القسوة، من عوالم عشناها وما زالت آثارها متعلقة بالحرب لسنوات، على الرغم من أن المتأثر لم يقدم صوراً واضحة أو مواضيع تجسّد الأزمة، ولكن التأثير بدا من خلال مساحة اللون وصفائه ووضوح الخطوط من جهة، ومن جهة أخرى بالتفاؤل وبفيض نور الأمل الدافق في قلب الفنان التشكيلي محمود الساجر. حبه للألوان، برز بمنحها في أعماله أفقاً واسعاً، يأخذنا معه فيها- تجريدياً- إلى مساحات جدّ دافئة، جدّ مبهجة ضمن تكوين لوني طاغ يبعث في النفس زهوّ الجمال والغبطة، الأحمر والبرتقالي والأزرق المتفاوت الدرجة مع غيرها بعيداً عن الألوان الداكنة، حضرت في نحو تسعة وأربعين عملاً، تفاوتت بالأحجام، مكتنزة كلّها على الثقل التشكيلي نفسه، عُرضت بطريقة تليق- بحسب تعبير الفنان- في معرض احتواه المركز الوطني للفنون البصرية في دمشق، وحفاوة مرّحبة من الفنانين التشكيليين الدمشقيين والكثير من المهتمين. وللمزيد إليكم التفاصيل.

تكامل دقيق
عبر غياث الأخرس رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية عن سعادته بأعمال الفنان التشكيلي الساجر، قائلاً في تقديم المعرض «عندما نشاهد أعمال(محمود الساجر)لأول وهلة يسطر على بصرنا اللون بأفقه الواسع على سطح اللوحة، لكن بقليل من التأمل بعمق، نجد الساجر يلعب على الخامات، وأيضاً على التكوين القريب وأحياناً على الحس الهندسي، لكن بتكامل دقيق، حيث تتحرك الخامة من خلال التقنية اللونية، لتعطيها غنىً، وحياة تسيطر على العين، رغم تشابه الرؤيا والحس، ولكن ليس التكرار في أغلبية أعماله. الخامة واللون يتعايشان بشاعرية تتكلم عن نفسها، وهنا نكتشف الفنان المصور التعبيري بحسه الفطري أو العفوي أكثر مما تحمله الأعمال القريبة للتكوين شبه الهندسي. تجربة مهمة تستحق البحث فيها بعمق وعلى مساحات كبيرة لتتنفس وتُغني حضورها أمام المتأمل فيها أكثر».

تأثيرات الدراسة حاضرة
من جانبه كشف الفنان التشكيلي محمود الساجر أن المعرض هو حصيلة أعمال تمّ إنجازها من عام2016حتى اليوم، إضافة إلى أن اللوحات لها علاقة بالحالات الإنسانية، وبالواقع المعيش، مضيفاً: «بالأساس اختصاصي هو ديكور مسرح، فأنا خرّيج روسيا، وبالطبع تأثيرات الدراسة موجودة من حيث الاتجاه نحو الاختزالات والتحويل، أما بالنسبة لمواضيع الأعمال فلبعضها علاقة بالأزمة، حيث أشرت إليها، من خلال دلالات وإيحاءات بسيطة وليست مباشرة على الإطلاق». وعن اللون وزهوه الواضح في اللوحات، يؤكد الفنان بتمسّكه القوي بالألوان واستغراقه في معالجتها متابعاً: «أنا أحب الألوان، صحيح أن معالجتها صعبة، ولكنها تعطي في النهاية نتائج جميلة، فالألوان لها علاقة بالروح وعلاقة بالنور وبالضوء، وبالأعمال، هناك مفردات لحالات يمكن أن تخرج بشكل تلقائي، حيث أقوم بمدّ لون معين، يمنحني الأخير بعض الأشكال، التي ممكن أن أظهرها أو ألغيها. إذاً الألوان فيها إشراقة وتعبّر عن قلبي النابض، فهي ليست غريبة عني وعن حلب المدينة التي تحب الجمال وتنبض دائماً بمشاعر الحب. وبالعودة للأعمال التي أشرت فيها إلى الأزمة، فعلت ذلك من خلال اللون الأزرق، فهو دليل على هجرة السوريين إلى الخارج بسبب الحرب، وأيضاً من خلال طائر الغراب فهو يدل على الشؤم والموت الذي تنشره الحرب، ومن ثم الدلالات تعتمد على المتلّقي وثقافته، وكيف يقرأ اللوحة أو يحللها، وأخيراً التكوين اللوني واضح بالفعل، رغم أن هناك عناصر في اللوحة قد تطغى، كالخط مثلاً، ولكنني في النهاية أنا أميل كثيراً للتجريد لكونه معالجة لونية، ومن مخاطبة المتلقي عبر اللون، أحببت عبر الأعمال أن أركز على الأمل الذي يجب أن يبقى موجوداً عند المرء مهما بلغت الظروف». وخلال حديث الفنان شكر كل القائمين في المركز الوطني للفنون البصرية لكونه مكاناً مهيأ بشكل محترف في تقديم الأعمال بطريقة تعطيها قيمة مضافة، «بالنسبة لهذه التجربة أشكر الدكتور غياث الأخرس الذي شجعني، وبالفعل مواصفات المركز الوطني للفنون البصرية، هي مواصفات أقرب للعالمية من حيث طريقة العرض، فلها أثرها البالغ في رفع مستوى اللوحة أو العكس، وكنت اقترحت للمعرض الحالي أكثر من مئة عمل، وتم اختيار نحو تسعة وأربعين منها، متفاوتة الأحجام، وبالنسبة لي لا يهم القياس، بقدر ما يهمني كم القيم التي يحملها العمل تشكيلياً، سواء من لون أم خط أو تأليف، وهنا أحب أن أضيف بأنه من بين الأعمال المئة كان هناك عدد من اللوحات الصغيرة التي لم يتم عرضها، وهي صغيرة وبحجم 12/12سنتمتراً، إذاً الحجم ليس بمقياس وربما الأصغر تستطيع أن تحمل قيمة أكبر، من خلال التكثيف للحالة الإنسانية والمشاعر والعناصر التشكيلية من خطوط أو تكوين لوني».
وأخيراً ختم الفنان الساجر مقيّماً الحركة التشكيلية في حلب، مشيراً إلى أن الإبداع حاضر وهناك كم كبير من الفنانين التشكيليين المهمين، «قبل الأزمة لم يكن هناك في حلب – بالعموم- اهتمام، كما أن الصالات المتوافرة صالتان فقط، بعكس دمشق حيث تتوافر هنا الصالات الحديثة التي تزيد من نشاط الحركة التشكيلية، وفي النهاية وبالمختصر إن عدم الاهتمام بالفن التشكيلي هو تغييب للثقافة».

الجرأة في اللون
من جانبه تحدث الفنان التشكيلي محمود الجوابرة عن تجربة الفنان الساجر قائلاً: «إن محمود الساجر فنان مهم في الحركة التشكيلية، كان جريئاً على التشكيل وعلى الفن بشكل عام، أنا سعيد لاحتواء المركز الوطني للفنون البصرية، لأهم قامات الفن التشكيلي السوري، وخاصة لأعمالهم المختصة بما بعد الحداثة، والتي يمثلها محمود الساجر وغيره من الفنانين المهمين، والتي تبقى تراوح بين التجريدية والواقعية والتعبيرية. محمود الساجر تجربته مفرحة جداً، ولقد قدم خطوات للفن التشكيلي السوري، فكل عناصر الفن التشكيلي نجدها متوافرة وبأدق تفاصيلها، بقوتها ورصانتها، بدءاً من التكوين وانتهاء بلون الخط، فألوانه مؤلفة وأفكاره رائعة وجميلة جداً، فكل عمل يحمل مضامين على الرغم من أنه يميل إلى التجريدية، وأخيراً قدم أعمالاً لا تخلو أبداً من الإنسانية».

أزمة إنسانية
على حين تحدث الفنان التشكيلي سعد يكن عن أعمال الفنان الساجر وعن حضورها القوي قائلاً: «وحدة متماسكة في التشكيل والأسلوب، شخصية فنية مميزة واضحة تضع المشاهد أمام حس صادق وأزمة إنسانية تنبع من ثنايا الموجودات. لا تستطيع أن تذهب بعيداً عن الأعمال حين تغادرها، فهي تسكن فيك وترفض أن تغادرك أمام واقع تهرب إليه وهي فيه. قوة التعبير تتجاوز الحديث عن الأسلوب المكتمل مع الموضوع بوحدة وانسجام واضحين يبرزان من خلال تأثير المادة التي تعطيك إحساس الصخور وحنان الوجه. تجربة لا يمكن الفصل إطلاقاً بين الفنان والعمل الفني المقدم من خلال(محمود الساجر) ولا يمكننا أن نتصور تلك المشاهد بعيدة عن الفنان، هذا التكامل والصدق في التجربة يعتبران نادرين في ظروف اتسع فيها مجال التجارب المسبقة الصنع للوصول إلى قيمة فنية».
ويتابع الفنان يكن «حالة متكاملة بين الفنان ولوحته وحياته، التي تشير إلينا بحزن صامت عن مشكلة نحسّها من دون أن ندرك بعدها الحقيقي، كما قدمت إلينا في أعماله المتميزة لدرجة الصمت».

صيغة مضافة للتشكيل
في قراءة انطباعية لأعمال الفنان تحدثت الأديبة نيروز مالك قائلة: «حتى في الشخوص شبه التجريدية، تجد أحياناً تداخل بعضها مع بعض، وإلى جانبها أجساد أخرى مبعثرة لا يربطها رابط، تشير إلى فقدان التعاطف وغربة روحية، وأحياناً ترى وجوهاً ممسوحة إلا من آثار خطوطها الأولية التي وضعها الفنان عند تحضير اللوحة، كأن ترى مجموعة من الوجوه بفم واحد لا غير.
ولعل الساجر في مرحلته الجديدة وإن لم تختلف كثيراً عن القديمة، أعطى اللون بعض الحيوية والليونة، وجعله أكثر إشراقاً وقدم لنا تشكيلة أكثر وضوحاً، كما أعطى الحيوانات والطيور دوراً أكثر في أجواء اللوحة.. غربان، حرباوات، حلازين… إلخ. هناك أشكال يمكن القول عنها، أكثر حدة ووضوحاً.. سلالم، نوافذ، طائرات ورقية، مساحات لونية حارة، يغلب عليها الأحمر والأصفر والبرتقالي، أما في المساحات الباردة فتجد تجسيد النساء والزهور بألوان نظيفة، متألقة يغلب عليها اللون الرمادي والفستقي والأزرق والسماوي والوردي، وظهور بعض الخطوط الحادة من دون أن تحدد شيئاً كأنها صيغة مضافة للتشكيل تحدد للمشاهد أمراً ما، وأحياناً تغزو بعض الساحات التجريدية سطح اللوحة كأنها أشكال عابرة لا غاية لها».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن