قضايا وآراء

بعد شارون وأولميرت.. نتنياهو ينتظر فشله

| تحسين الحلبي

لا أحد يشك في أن إسرائيل هي أكبر من يستفيد ويحقق مصالح توسعية في المنطقة من العلاقات شبه السرية والعلنية التي تديرها مع عدد من الدول العربية والإسلامية، وأهداف إسرائيل من كل هذه العملية واضحة تماماً وعلنية جداً على المستوى التكتيكي والإستراتيجي وهي محاصرة وتفتيت قدرة كل طرف يشكل خطراً على المصالح الإسرائيلية ويتمسك بالدفاع عن حقوقه وحقوق الشعب الفلسطيني، وهذا ما يوضحه مدير في معهد أبحاث «ميتغيم» للدراسات حول الشرق الأوسط في إسرائيل إيلي فوديه، حين يكشف أن الاحتلال الأميركي للعراق وانتشار القوات الأميركية فيه وفي الدول العربية الخليجية عام 2003 دفع رئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت أرائيل شارون إلى وضع جدول عمل لرئيس الموساد، جهاز التجسس والمهام الخاصة، يتولى من خلاله توسيع العلاقات السرية مع عدد من الدول العربية تمهيداً لإنضاجها وتتويجها باتفاقات علنية.
وطلب شارون من رئيس الموساد الذي عينه بنفسه مائير داغان إقناع عدد من الحكام العرب في دول الخليج وغيرها بأن إيران هي «العدو الذي يهدد مصالحهم»، وعزز الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن هذه السياسة وطلب من الحكام المعنيين التجاوب مع هذا الموضوع.
ويقول فوديه: إن رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إيهود أولميرت الذي حل محل شارون بعد غيبوبته المرضية تابع هذه السياسة عام 2006 ولاحظ تجاوب السعودية معها بشكل خاص، إضافة إلى حكام عرب آخرين فاستغلها وتشجع لشن حرب تموز 2006 على المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان، لكن هزيمته في ميدان المعركة أحبطت نياته المشتركة مع بعض الحكام الذين شجعوه على إنهاء المقاومة اللبنانية تمهيداً لزيادة الحصار على سورية من لبنان.
يكشف فوديه، إن إيهود أولميرت اجتمع في عام 2006 في الأردن قبل حرب تموز 2006 بمسؤول سعودي رفيع بشكل سري. وفي أعقاب الحملة الأميركية على المنطقة وتوليد فوضى ما يسمى الربيع العربي سارع رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد بنيامين نتنياهو في عام 2009 بالقيام بدوره إلى جانب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وزاد التعاون السري المشترك مع عدد من الدول العربية وفي مقدمتها قطر والسعودية من أجل تفتيت قدرات الدول والقوى التي تقف في وجه المخطط الأميركي الصهيوني وهيمنته على المنطقة.
لاحظ الجميع في تلك الفترة وحدة غير مسبوقة في الخطاب الإعلامي والسياسي الصادر عن عدد من الدول العربية مع نظيره الإسرائيلي ضد سورية وإيران والمقاومة اللبنانية وليبيا والعراق إضافة إلى الدعم المشترك بأشكال متنوعة لجميع القوى والمجموعات التي استهدفت هذه الدول، ويضيف فوديه: إنه مع الانقسام الفلسطيني على مستوى السلطة الفلسطينية وحماس في ظل الظروف نفسها التي ولدها ما يسمى الربيع العربي الذي يخدم مصالح أميركا وإسرائيل حيث بدأ يزداد عدد الحكام العرب الذين لم تعد تهمهم القرارات العربية بمقاطعة إسرائيل وتقديم الدعم للشعب الفلسطيني لإنهاء الاحتلال وإنشاء الدولة الفلسطينية، ويكشف فوديه، أن الهدف النهائي لإسرائيل من هذه العلاقات القائمة بين ما يشبه السرية والعلنية مع بعض الحكام العرب والمسلمين هو إيجاد تحالف مشترك ينهي ما يسميه «المشكلة الفلسطينية» ويقف في وجه كل من يعرقل المصالح الإسرائيلية.
وهذا يعني أن نتنياهو يريد الآن تثبيت كل هذه العلاقات وخصوصاً مع السعودية التي بدأت تقود النظام العربي الرسمي الإقليمي في المنطقة لمساعدة إسرائيل على إسكات الشعب الفلسطيني الذي لا يتوقف عن المقاومة وعن التمسك بكل حقوقه الوطنية المشروعة.
وها هي إسرائيل توظف قطر في برنامج عمل مالي في قطاع غزة وتوجه السعودية في القيام بدورها المطلوب داخل الجامعة العربية وتوظيف أموالها لمحاصرة سورية وإيران وكأن الأهداف المشتركة للولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الحكام العرب واحدة دون أن يكون هناك إطار علني تحالفي لتحقيق هذه الأهداف.
ومع ذلك تدرك إسرائيل أن ما يقدمه بعض الحكام العرب من مواقف سياسية كهذه لن تكفي بل يجب تقديم المزيد ما دام ذلك يزيد حدة الانقسام، لكن كل هذه الخطط ستصدم من ينفذها بواقع شعبي لا يمكن أن يوافق ويتجاوب مع هؤلاء الحكام مهما بذلت إسرائيل من جهود فالربيع العربي الذي أعدته أميركا أحبط في عدد من الدول العربية بما في ذلك مصر نسبياً بعد هزيمة الأدوات التي استخدمتها واشنطن من إسلاميين إلى إخوان إلى القاعدة وداعش، وها هي تونس وسورية والعراق ولبنان والجزائر واليمن خارج سياق التطبيع الذي تخطط له إسرائيل مع السعودية وبعض الدول الأخرى، وها هو نتنياهو سيواجه خريفه المقبل في عام 2019.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن