من دفتر الوطن

دعم «شندي»!

| حسن م. يوسف

من المعضلات المزمنة التي لم أجد لها حلاً خلال خدمتي على جبهة الصحافة، والتي سيبلغ امتدادها نصف قرن مع حلول العام 2020، هي أن المواطن ينظر إليَّ كما لو أنني من أبناء الدولة، على حين إن الحكومة تنظر إليَّ كما لو أنني من أبناء ضرتها، فقد تتبرأ مني وتنكر أمومتها لي إذا ما انتقدت أداء أحد وزرائها الوازنين. ليس هذا وحسب بل قد تشكك بصحة نسبي من أساسه إذا ما تجرأت وكشفت عيباً مخجلاً من عيوبها المزمنة، وقد تلحقني بالأعداء وتتهمني بخدمة غاياتهم الشريرة!
قبل أيام وقعت بين يدي مواطن يعتبرني من أبناء الدولة، فشكر المصادفة التي قادتني إليه لأنه كان يفكر جدياً بزيارتي. في البداية سررت عندما رأيت الرجل يخرج من جيبه نسخة ورقية من صحيفة «الوطن»، وسر سروري هو أنني منذ أشهر لم أر مواطناً عادياً يحمل صحيفة من ورق.
من دون مقدمات فتح الرجل الصحيفة على الصفحة السادسة المخصصة للاقتصاد التي أفردت بكاملها للحوار الذي أجراه الزميل عبد الهادي شباط، مع السيد مأمون حمدان وزير المالية في الخامس عشر من الشهر الماضي.
بلل الرجل شفتيه، وهو يعدو بعينيه بين السطور وعندما وجد العلامة التي وضعها بقلم رصاص، نظر إليَّ طالباً مني أن أركز معه، ثم قرأ مقطعاً من الحوار:
«العجز المقدر في عام 2011 كان بمبلغ 186 مليار ل. س ليصل في عام 2019 إلى مبلغ يقدر بحوالى 946 مليار ل. س. صحيح أن العجز قد تفاقم بشكل كبير لكن بالمقابل فإن هذا الأمر يدل على قوة الدولة السورية في مواجهة الأزمة».
وهنا توقف الرجل عن القراءة طالباً مني أن أشرح له كيف يمكن أن يكون التضخم دليلا على قوة الدولة! لم أكن قد قرأت ذلك الحوار، لذا اضطررت أن أطلب من الرجل أن يعيرني الصحيفة. فقدمها لي واضعاً يده على المقطع المطلوب. قلت للرجل إنه لو قرأ بقية النص بإمعان لما وجد أي غرابة فيه، فالوزير يرى في التضخم دليلاً على قوة الدولة السورية لأنها تواصل تقديم خدماتها، «في الدعم الاجتماعي والعمل على دفع عجلة الإنتاج في جميع القطاعات» رغم الظروف القاسية التي تمر بها!
زم الرجل شفتيه تعبيراً عن عدم اقتناعه بكلامي، وسحب الصحيفة من يدي، بحث في النص بعينيه مجدداً ثم قال لي بنزق مكتوم، وماذا يقصد السيد الوزير بقوله إنها «موازنة توسعية تتجه نحو دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟» هل كانت الميزانيات السابقة انكماشية وتعرقل عجلة التنمية مثلاً؟
فتحت يدي كناية عن عدم المعرفة، فغاص الرجل في الصحيفة ثم رفع رأسه قائلاً بنزق متزايد إن الوزير كان قد صرح في وقت سابق بوجود تطور في إعداد الموازنة العامة، ولما سأله الصحفي عن ذلك قال: «الجديد الذي تم اتباعه في الموازنة هو التركيز على الأولويات».
حملق الرجل بي مغضباً وسألني عن معنى هذا الكلام، ولما لم أقل شيئاً حدق في وجهي وأفهمني أن لديه اقتراحاً يريد مني أن أعده بإيصاله للمسؤولين، عن طريق الصحيفة. وعدت الرجل بإيصال اقتراحه للمسؤولين إذا كان معقولاً وإليكم فيما يلي خلاصة الاقتراح: يقول السيد وزير المالية إن حجم الدعم المقدر في موازنة عام 2019 يبلغ /811/ مليار ل. س. وقد قدرت الأمم المتحدة في شهر تموز من العام الماضي العدد الحالي لسكان سورية بـ18.270 مليون نسمة، وأنا أقترح أن تقوم حكومتنا بدعمنا «شندي»! أي أن تعطينا الدعم «فلوس ناشفة»! فإذا قسمنا مبلغ الدعم على عدد المواطنين سيكون نصيب كل رأس حوالى نصف مليون ليرة.
حلوين!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن