ثقافة وفن

وصل إلى أعلى طبقة في الأصوات الغنائية الرجالية الأوبرالية … حسن كامي.. عمل «شيالاً» و«مديراً للطيران» وأدار مكتبته التي تضم 40 ألف كتاب ومخطوط ولوحة

| وائل العدس

رحل يوم الجمعة الماضي الفنان المصري حسن كامي الذي حفر صورته كأحد أبرز الباشوات على شاشات السينما والتلفزيون، قبل أن يرحل عن عمر ناهز 82 عاماً إثر أزمة صحية مفاجئة بعد حياة حافلة مع الفن جمع خلالها بين التمثيل والغناء الأوبرالي.
ولعل من المفارقات، أن الراحل يعد أشهر من جسد شخصية «بابا نويل» حين ظهر مرتدياً زيه الشهير في أغنية «هات أحلامنا يا بابا نويل» التي شارك فيها الغناء مع الفنانة الاستعراضية نيللي والفنان مصطفى قمر، لكنه رحل قبل الاحتفال بأعياد الميلاد، فكان آخر ما نشره على الفيسبوك صورة له مع شجرة عيد الميلاد، معلقاً عن التجهيزات لهذه الأعياد.
وبعد وفاة كل من زوجته وابنه شريف، توفي وحيداً في منزله، وكانت أمنيته أن يلتقي بأفراد عائلته مرة أخرى.
تحدث من قبل أنه يرغب في أن يهدي منزله بعد وفاته إلى دور الأيتام.

بين الحقوق والموسيقا
ولد الراحل عام 1936، وكعادة أبناء الأسر الأرستقراطية في ذلك الوقت التحق كامي بكلية الحقوق، التي كانت تُضفي وجاهة اجتماعية على خريجيها، وتؤهلهم لشغل المناصب السياسية، لكن الموهبة الفنية لديه دفعته إلى اتجاه آخر بعد حصوله على «ليسانس الحقوق».
قرر دراسة الغناء الأوبرالي، ثم توسع في ذلك ليحصل على الدراسات العليا من المعهد العالي للموسيقا في إيطاليا، وكانت بدايته من دار الأوبرا الملكية عام 1963 ليتزامل مع الرواد الأوائل لهذا الفن.

أعلى طبقة
بدأ الراحل مشواره الفني بدار أوبرا القاهرة منذ 1963، وقام بدور البطولة في «أوبرا عايدة» على مسارح الأوبرا في الاتحاد السوفييتي 1974، وغنى في أوبرات عالمية على مدار 24 عاماً، وحصل على الجائزة الثالثة العالمية في الغناء الأوبرالي من إيطاليا 1969، والجائزة الرابعة العالمية 1973، والجائزة السادسة من اليابان 1976، والجائزة الأولى في مهرجان موسيقا الألعاب الأولمبية بسيئول في كوريا الجنوبية عام 1988.
وصل في مسيرته الأوبرالية إلى درجة «تينور»، وتعد هذه الدرجة أعلى طبقة في الأصوات الغنائية الرجالية في الأوبرا.
وأدى دور البطولة فيما يزيد على 270 أوبرا عالمية في مختلف الدول منها إيطاليا والاتحاد السوفييتي وبولندا وفرنسا والولايات المتحدة واليابان وكوريا والدنمارك.

الفنون الثلاثة
لم يقتصر في مسيرته الفنية على الغناء الأوبرالي، بل إن دائرة الفن لديه اتسعت لتشمل المسرح والسينما والتلفزيون منذ قدمه الفنان محمد نوح لأول مرة في مسرحية «انقلاب» في أواخر الستينيات، ومنذ إطلالته الأولى أدرك الجميع أن السينما والتلفزيون قد اكتسبا «باشا جديداً» ليعوض غياب الرعيل الأول الذي اكتسب شهرة واسعة في أداء هذا الدور مثل، سليمان نجيب وسراج منير وزكي رستم.
وشارك بعد ذلك في عدة مسرحيات من بينها: «دلع الهوانم» و«لا مؤاخذة يا منعم»، وشارك في العديد من الأعمال الدرامية من بينها مسلسلات: «أنا وأنت وبابا في المشمش» و«البنات» و«صاحب الحب» و«رأفت الهجان» و«هوانم غاردن سيتي» و«دكتور أمراض نسا»، وكانت آخر مشاركاته الفنية في مسلسل «قلبي معي» عام 2017.
ظهر في أدوار الملك والباشا في عدة أعمال درامية مثل «الملك فاروق» و«بوابة الحلواني» و«الخواجة عبد القادر».
أما في السينما فقد قدم عدة أفلام منها «سمع هس» و«ناصر 56» و«دموع صاحبة الجلالة» و«زكي شان» و«ليلة سقوط بغداد».

زوجته وابنه
قال الراحل في أحد لقاءاته إنه لم يكن مخلصاً ولم يضحِ في حبه لزوجته كما يعتقد البعض، وكل ما يفعله لها بعد وفاتها ما هو إلا جزء من رد الجميل، لأنها كانت عشيقته وحبيبته وشقيقته وصديقته، مشيراً إلى أنه بعد وفاة ابنه شريف في حادث وقفت إلى جواره حتى إنه لم يتخيل كيف كان سيكمل الحياة لو لم تكن فيها.
وأكد أنه قرر أن يهب حياته بالكامل لابنه شريف وزوجته، مشيراً إلى أنه وقع عقداً مع أوبرا في إيطاليا يوم 28 نيسان ومات ابنه يوم 20 من الشهر نفسه، لكنه اضطر للغناء بعد وفاة ابنه بسبب الشروط الجزائية وبعدها فقد صوته لمدة عام.
وقال: إنه جرح زوجته نجوى في أنوثتها بسبب خيانته لها، ووصف ما فعله بأنه «جنان منتصف العمر»، مضيفاً: إن زوجته عرفت بخيانته وبكت وقالت «يا خسارتك يا نجوى»، موضحاً أنه نزل على الأرض وقبّل قدمها وأقسم لها ألا يفعل هذا مرة أخرى.
وقال: إن أمنيته الأخيرة أن يجد ابنه وزوجته في انتظاره بعد وفاته، مشيراً إلى أن الكثير عرضوا عليه الزواج، لكنه لا يتخيل أن يدخل أحد المنزل الذي بناه مع زوجته.
وروى كامي قصة رحيل ابنه فقال: «تريلا ضربت عربيته من ورا طيرته في الترعة، ولا حد عرف لحد دلوقتي مين الراجل اللي كان سبب في الحادثة، نجوى كلمتني قالتلي حصلت حادثة لابننا وربنا اختاره، قلتلها جايلك بكرا، وكان من المقرر أن أشارك في حفل الهدف منه إعادة السياحة لمصر فرفضت المشاركة، لكن رئيس هيئة تنشيط السياحة طلب من نجوى أن تتحدث معي حتى أوافق على المشاركة، وذلك بعد أسبوع تقريباً من رحيل شريف».

المكتبة
تعرض كامي لمحنة كبيرة عندما فقد ابنه وزوجته، ما دفعه للاهتمام بمكتبته التي تضم 40 ألف كتاب ومخطوط ولوحة نادرة في منطقة وسط البلد، والتي يعود تاريخها للقرن التاسع عشر، وكانت زوجته تديرها حتى وفاتها.
وكان يعوض غيابه عن السينما والدراما بانشغاله بمكتبته وكان يديرها بنفسه، عقب وفاة زوجته عام 2012، والتي أثرت فيه بشكل كبير، وجعلته يبتعد عن الأضواء والشهرة خلال الفترة الماضية.

أم كلثوم
قبل وفاته، أكد الفنان كامي، أن المطرب الذي لا يعرف كيف يمثل يكون مطرباً فاشلاً، حيث قال: «الست أم كلثوم مدرستنا، كانت بطالع الكلمة من جوى قلبها».
وقال: «التقيت بأم كلثوم وقالت لي، بص أنت لسه في مقتبل العمر وخايفة تتغر، ولذلك لازم تاخد بالك إنك لازم تذاكر كتير وتحافظ على صحتك، وأوعى تتغر ولازم تتعلم كل يوم من كل واحد».

شيال ومدير طيران
رغم انتمائه لعائلة أرستقراطية، إلا أنه تعرض لموقف جعله يقبل بالعمل «شيال» في إحدى شركات السياحة، فتحدث عن تلك المرحلة من حياته بفخر لأنه استطاع من ورائها أن يحقق حلمه في دراسة الغناء الأوبرالي.
وعن السبب وراء عمله كـ«شيال»، قال في حوار تلفزيوني: «أثناء دراستي في كلية الحقوق، كنت أحصل على دروس في الغناء تكلفني 2 جنيه ونصف شهرياً، فذهبت لأسرتي أطلب منهم توفير هذا المبلغ، وكانت ظروفنا الاجتماعية ليست على ما يرام، وقالولي مش معانا، ودلوقتي هتغني وبعد سنتين هتقول هرقص، ركز في دراستك».
وأكد أنه شعر بالخجل، وقرر ألا يطلب طوال حياته من أحد أي شيء، واختار أن يعمل إلى جانب دراسته، واتفق مع صديق لديه كان يدرس في كلية التجارة، ويمتلك والده شركة كبيرة في السياحة، أن يوفر له وظيفة هناك، وعندما شاهد مدير الشركة هيئته قال له: «عاملي راجل ابن ذوات روح شوف الراجل ده هيقولك إيه هتعمله، وهديك 10 صاغ في الساعة»، ليختار له الرجل وظيفة «شيال»، وكانت توفر له شهرياً أربعة أو خمسة جنيهات، يدفع منها مصاريف دروسه ويذهب بالباقي ليتنزه مع الفتيات أو يدخل السينما.
لم يستمر طويلاً في العمل كـ«شيال»، إذ لفت إتقانه لأربع لغات وأسلوبه في التعامل مع السياح، أنظار عاملين في طيران الشرق الأوسط، وسألوه عن الأجر الذي يتقاضاه فرفع من أجره وقال 12 جنيهاً، ليفاجأ بهم يحددون له 60 جنيهاً مقابل العمل كمدير طيران.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن