اقتصاد

إنزال خلف الخطوط!

| علي محمود هاشم

ما أن تصدق الحكومة على منظومة المشاريع المنبثقة عن اجتماعات الدورة 11 للجنة المشتركة السورية الروسية التي انعقدت نهاية الأسبوع الماضي، حتى يمكن القول: إن «إعادة الإعمار» تحررت من وعورتها التمويلية المحلية ومعوقاتها الذاتية، نحو أفقها التالي.
من حيث أهدافها، فشلت الحرب على سورية، ولم يبق لملوكها اليوم سوى مناورات ممسوسة تتطارحها «مجموعات مصغرة» ضمن حلقة ضيقة يصارع رأسها المدبب بشعره الأحمر المستعار، عقال قفاه السائبة.
مذكرة التفاهم السورية الروسية بمشاريعها المتوزعة على عشرة قطاعات حيوية سيتم إنجازها خلال السنوات الثلاث القادمة، تحاكي فعل الكيّ الدوائي لآمال الغرب في استدراك ما لا يمكنه استدراكه، والردّ على اشتراطاته لعودة الحياة الاقتصادية السورية وعلى نزوع «مجموعته المصغرة» العاقر عن استيلاد المزيد من العصيّ المصممة للعجلات، خلا «قفّة عربية» جديدة استولدتها مؤخراً قبل ضمّها إلى مزبلة اجتماعاتها الأخيرة!.
«لن نشارك في إعادة الإعمار».. هذا الهذر الغربي الذي يجسد العصي المبيتة لعجلاتها، قابله قرار وطني بـ»لا تحلموا بتذوق الكعكة».
وفق أدبيات الحروب، وعلى تخوم هذه المتاريس المتعالية بين الجبهتين كلتيهما، تتمظهر المرحلة الجديدة التي دشنتها الاتفاقات السورية الروسية كـ»إنزال خلف خطوط العدو» على الجبهات الأكثر حيوية وإلحاحا، وحيث الذراع الاجتماعية المتوجعة التي «تلمظ» الغرب وهو يرتشف قطرات قدرتها على التكيف، في كل لحظة من لحظات السنوات الثماني من الحرب.
عصيّ الغرب المبيتة، ورغم عهدنا بحقدها الفريد، لن تقوى على التثبيط تبعا لما هو مختلف جذريا في التجربة السورية عما سواها من الأقاليم التي مزّق الغرب كيانها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي كي تتسنى له إعادة إعمارها، فمع الانتصارات المذهلة التي حققها السوريون، وعلى عكس النماذج الأخرى، لا تزال مؤسسات الدولة قائمة، والقرار الحكومي قادر على النفاذ بانسيابية إليها وفق الرؤية الوطنية المناسبة.
خلال السنوات الثلاث القادمة، سيعمل الاقتصاد باستقلالية متوقعة عن السياق السياسي والعسكري للحرب على سورية، لربما هذا الأمر يشكل واحدة من أكثر النماذج التي ستساعد في دكّ البنيان النفسي الذي يحاول الغرب تكريسه في مناطق رعايته المباشرة، والمواربة شمال وشمال شرق سورية، وسيتاح للجميع بأن يعاين واقعيا افتقار تشبث القوات المحتلة بتلك المناطق إلى أي لون أو طعم، وسريعا ما سيضطر الغرب إلى تقطّيع المزيد من لحمه الدبلوماسي لإطعام الإرهاب، والتصبب عرقا جراء الكزّ المتزايد على ثقافته الفولكورية المألوفة بعضّ أذياله، وطالما تاهت به الدروب إلى تحقيق أهدافه في اجتزاء الحصة المناسبة من إعادة الإعمار وتكسرت عصيّه بفعل دوران عجلتها، فسيفاوض غدا على أقل مما كان سيحصل عليه أمس في إدلب أم في التنف والجزيرة.
إعادة الإعمار تعني «بديهيا» نهاية الحرب الإرهابية على سورية، وحيوية القطاعات التي تناولتها الاتفاقات السورية الروسية تمهد لإعادة الإعمار عبر الدفع باحتياجاتها وترسيخ قواعدها، وهذا أمر سيحيل بلا شك معارك الهوامش الحدودية إلى التقاعد بعدما فقدت الفرصة بتحقيق أهم أهدافها السياسية.. هكذا تقفز الأزمات إلى نهاياتها، حينما تفقد الحروب مغزاها كامتداد للاقتصاد.
وحال تسارع وتائر التعافي المضمرة في تلك الاتفاقات، يُنتظر أن ينقلب الحصار «الأميركي/ العربي» على سورية، حصارا معاكسا بأكثر مما تملكه هذه الكلمة من معنى، فغداً، سيكون على المتطلعين إلى الحضور على صفحة هذه الجغرافية التي تتربع فوقها «كعكة الإعمار»، تلمّس طريقهم إلى دمشق وفق شروطها، وخلال وقت ليس بالبعيد، سيتوجب على المتأخرين قطع «تذاكر الدور»، لانتظار مناداتهم بأسمائهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن