ثقافة وفن

المؤتمر الثقافي السوري في دورته الأولى تأسيس لمفهومات فكرية … محمد الأحمد: يجب أن يكون لدينا مخرجات تعمل على تحصين الوطن من أي هجمة محتملة

| سارة سلامة- ت: طارق السعدوني

بعد حرب شرسة ودمار في البناء والإنسان ومحاولات عديدة لتشويه الثقافة والحضارة والتراث السوري العريق الممتد إلى آلاف السنين، محاولات مؤدلجة ومدروسة لتدمير صرح بناه أجدادنا ونهج ربينا عليه، كان لا بد من إعادة إعمار الإنسان مع اقتراب موعد النهاية وبشائر الانتصارات التي حققها جيشنا، لننهي أفكاراً سوداوية حاولت أن تطغى ولنعزز بناء نفوس سوريين اختلطت مفاهيمهم، وهذا ما يرتجى من المفكرين والمثقفين والفنانين لأن إعادة إعمار النفوس لها الأولوية في المرحلة الحالية.
وبرعاية رئيس مجلس الوزراء المهندس عماد خميس وتحت شعار «مؤتمر الثقافة السوري»، افتتح وزير الثقافة محمد الأحمد فعالية مؤتمر الثقافة السوري بدورته الأولى في دار الأسد للثقافة والفنون في دمشق بحضور وزير الصحة نزار وهبة يازجي، وأعضاء من السلك الدبلوماسي وكوكبة كبيرة من الإعلام.
إعمار ما تخرب في النفوس

وفي تصريح للصحفيين أكد وزير الثقافة محمد الأحمد أن: «هذا المؤتمر الثقافي يقام للمرة الأولى في سورية ونعلم جميعاً أننا تعرضنا لحرب شرسة استهدفت ثقافتنا وتاريخنا وإرثنا، ونحن ننحني إجلالاً لتضحيات شعبنا الأبي وبطولات جيشنا الباسل ودماء شهدائنا، ومطلوب منا أن نتأمل في الظروف التي قادت إلى هذه الحرب الشرسة، وأن نستخلص العبر، كفنانين ومثقفين وباحثين يجب أن يكون لدينا مخرجات تعمل على تحصين الوطن والشعب من أي هجمة محتملة في المستقبل، وبما أننا نمتلك هذا الإرث المجيد وهذه الحضارة الممتدة في التاريخ فنحن أمة مستهدفة ولا بد من أن نعقد مثل هذه المؤتمرات بوجود الباحثين لمناقشة ما تأتى عن الأزمة من رؤى وبحوث وتحليلات ستكون مخرجات لتحصيننا في المستقبل».
وأضاف الأحمد إن: «مؤتمر الثقافة هذا بدأ بخطوة وآمل بالسنوات القادمة أن يمشي على طريق واسع شامل ولكن البداية دائماً تكون بمنزلة التجربة وتحاول وزارة الثقافة أن تصل إلى مخرجات ونرى ما هو إيجابي منها لنعززه وما هو سلبي لنتخلى عنه لنصل للهدف الأساسي من المؤتمر وهو مناقشة واقع الإنسان السوري».
وفي الكلمة التي ألقاها في المؤتمر بين الأحمد أن: «بلدنا خاض حرباً شرسة فرضت عليها من أعداء الداخل، وها هي السنة الثامنة من هذه الحرب تشرف على نهايتها متوجة بانتصار جيشنا وشعبنا ودولتنا على كل من خَطط وما خُطط لضرب استقلالنا ووحدة أرضنا وإرثنا الحضاري الموغل في التاريخ، ونحن إذ ننحني إجلالاً وإكباراً لتضحيات شعبنا الأبي، وبطولات جيشنا الباسل، نرى لزاماً علينا كأدباء وفنانين وباحثين ومهتمين بالشأن الثقافي أن نمعن النظر في مجمل الظروف والأحوال الاجتماعية والفكرية والسياسية التي ساعدت على اندلاع هذه الحرب أو رافقتها أو انبثقت عنها، ثمة دروس كثيرة ينبغي علينا استيعابها والتأمل فيها، واستخلاص النتائج التي تساعدنا في تحصين أنفسنا ثقافياً ومعرفياً في مواجهة أي أخطار أخرى قد تواجهنا».
وأفاد الأحمد إننا: «تعرضنا لأضرار كبيرة وخسائر جسيمة في الشجر والحجر والبشر، وإذا كان من الممكن إعادة إعمار ما تخرب وتهدم من أبنية وممتلكات ضمن فترة قصيرة نسبياً، فإن إعادة إعمار ما تخرب وتهدم في النفوس والأرواح تحتاج إلى زمن أطول بكثير، زمن لا يقاس بالسنوات والعقود فحسب، وإنما يقاس أيضاً بالجهود التي سنبذلها من أجل تحقيق هذه الغاية، ونحن نزعم أن مؤتمرنا هو جزء من هذه الجهود، نتمنى أن يكبر ويتطور في السنوات اللاحقة، وأن يؤتي النتائج التي يقام من أجلها، وهذا المؤتمر هو مجرد خطوة أولى وأنا واثق من أن جهودكم ستحول هذه الخطوة الأولى إلى طريق واسع ممتد باتجاه الهدف الأعلى: إقامة مجتمع المعرفة المحصن ضد الأفكار المتطرفة الغيبية، حيث يسود العلم والعقلانية وأفكار التنوير».

كلمة المشاركين
وألقى الأستاذ هامس زريق كلمة المشاركين في المؤتمر قائلاً: «نجتمع اليوم في هذا الصرح الثقافي بمكتبة الأسد الوطنية بدمشق بكل ما يحمله هذا الاجتماع من معان تخص أصالة المكان وحساسية اللحظة واتساع الأفق والأمل الكبير بمستقبل أفضل للسوريين جميعاً، ونجتمع ونحن مقبلون على استحقاقات كبيرة تفرض علينا في طور الخروج من الحرب تحديات كثيرة تخص بناء الإنسان قبل الحجر، وإعادة تصويب قيمنا المجتمعية وعلاقاتنا الإنسانية ورأسمالنا الاجتماعي وثقتنا بأنفسنا وببعضنا وقدرتنا على النهوض بواقعنا نحو مجتمع أفضل وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم».
وأضاف زريق إن: «إن المقاومة ثقافة قبل أن تكون فعلاً عسكرياً، والثقافة حاجة وليست ترفاً لأنها كل ديناميكي معقد من المعارف والفنون والمعتقدات والقوانين والأخلاق والتقاليد والفلسفة والأديان والعادات التي اكتسبناها من مجتمعنا، وما أحوجنا اليوم إلى مراجعة شاملة نقدية تؤسس لمستقبلنا بحب وتسامح ومهنية، والعالم من حولنا يتغير بسرعة، ويشهد ثورة تكنولوجية تجتاح إلى مفاهيمنا التقليدية وأخلاقنا وتقتحم خصوصيتنا، إنها ثورة لم نكن فيها فاعلين على المستوى الثقافي والمعرفي بل كنا منفعلين وعلى استجابتنا أن تكون أكثر سرعة وحماسة، فماذا نحن فاعلون؟ في مثل هذه الأوضاع يصبح الجميع مسؤولين، الدولة بمؤسساتها والمثقفون والباحثون المهتمون بالشأن العام، فقد بتنا نعيش في عالم جديد أصبحت فيه ساحة التأثير مفتوحة للجميع».

مؤتمر ثقافي دوري
أما عن الأهداف الرئيسية والهوية الأساسية لهذا المؤتمر الدوري فهو جمع كبار الباحثين والمفكرين من أجل دراسة أهم القضايا الثقافية المعاصرة، ويبحث في هذه الدورة موضوع ملح بالنسبة لنا كسوريين، ألا وهو: الإنسان السوري بعد الأزمة ما رؤاه؟ وما السياسيات الثقافية التي ينبغي على وزارة ثقافة أن تتبعها؟ وما الأفكار التي يجب أن تقترحها؟ والموضوع الرئيسي إذا صح التعبير إعادة إعمار الإنسان السوري بعد انتهاء الحرب المعلنة على بلدنا، فقد هدمت الحرب وصدعت أركاناً كثيرة وكبيرة في روح وعقل المواطن السوري، فبات يشك في كثير من القيم التي كان يؤمن بها سابقاً من دون تحفظ، لهذا فإن إعادة الإعمار المقترحة تنطوي على عدة محاور أو مواضيع وهي: إعادة إعمار قيم التسامح والحوار ونبذ التعصب لدى تربية وتثقيف الأجيال القادمة.

الفكر التكفيري وسبل مواجهته
ومن جهته تحدث الأستاذ نبيل فوزات نوفل في محوره الذي تناول عنوان (الفكر التكفيري وسبل مواجهته): «عن نشأة الفكر التكفيري وخصائصه، والقوى الداعمة والممولة له، ودور القوى الإمبريالية والصهيونية في نشأة ورعاية الفكر التكفيري واستثمار الدين في السياسة ودور بريطانيا ثم الولايات المتحدة الأميركية في دعم هذا الفكر ودور بني سعود في الدعم والرعاية لهذا الفكر المتمثل في الوهابية والإخوان المسلمين وأصنافهما المختلفة، وما أهدافه وخاصة في الحفاظ على التخلف والتجزئة وإقامة إمارات تكفيرية طائفية على أسس دينية لكي تكون مبرراً لقيام الدولة اليهودية في فلسطين، وكيفية مواجهته سياسياً وفكرياً وثقافياً من خلال التربية والتعليم، ووعي الفكر القومي، وإعادة إحياء أفكار العروبة هوية وانتماء وتعزيز روح المقاومة وثقافة المقاومة ورفض فكرة الأمة الإسلامية الواحدة ومبدأ الخلافة وتكريس ثقافة الحوار في المجتمع ونشر الثقافة التي تقدس العقل واحترامه في المجتمع التي تتصف بالعقلانية العلمية والتفكير الخلاق والتفكير النقدي والعلمانية».

العقلانية والموقف من التراث
وبين الدكتور نزار بريك هنيدي في محوره (العقلانية والموقف من التراث) أنه: «أصبح واضحاً الآن أن ما عاناه وطننا العربي في السنوات الأخيرة، كان نتيجة لمخططات خارجية، وضعتها القوى الإمبريالية العالمية المتحالفة مع عدوّنا الصهيوني وعملائه من القوى الرجعية العربية، التي ما فتئت تعمل على توظيف كل ما يتاح لها من أسلحة لإعاقة نهضة أمتنا العربية، وسلبها ما تمتلكه من أسباب القوة ومقومات الصمود، ومنعها من تحقيق ما تصبو إليه من نهضة وتقدم وحرية، وربما كان من أهم ما كشفته لنا أحداث هذه السنوات العجاف، هو مدى استغلال هذه القوى لسيطرة الفهم المتخلف للتراث على أفكار وسلوك قطاعات واسعة من الجماهير العربية، التي لم تفلح دعوات الإصلاح ولا جهود التنوير ولا أحزاب الطليعة في أن تقدم لها فهماً عصرياً للتراث، يحرره من الخرافات والغيبيات، ويحوله من عقبة أمام محاولات النهوض، إلى منطلق ترتكز إليه مسيرة التطوير والتحديث والتقدم، وهو الأمر الذي لا يمكن القيام به إلا بإنجاز قراءة عقلانية للتراث، لا تكتفي بإبراز ما يتضمنه من أسس عقلية ورؤى تقدمية، وإنما تعمل على تفسير مقولاته ومضموناته وأحداثه جميعها وفق سياقها التاريخي الموضوعي».

إعادة قراءة التراث الفكري والأدبي
وقال الأستاذ مالك صقور في محوره الذي اختار له عنوان (إعادة قراءة التراث الفكري والأدبي من منظور عصري وعلمي) إن: «بحثي ينطلق من تحديد وتعريف معنى التراث بشكل عام، والآن ومن عشرات السنين والدراسات والبحوث وما جرى بين الشرق والغرب والشمال والجنوب وبعد تلاقي الثقافات والحضارات يفترض بالعرب أن يعيدوا قراءة التراث العظيم والحضارة العربية منذ بدء التدوين، وفق ما أشار إليه المؤرخ الكبير وعالم الاجتماع الشهير ابن خلدون في مقدمته».

الثقافة وتحديات العصر الرقمي
وعبر محوره الذي حمل عنوان (الثقافة وتحديات العصر الرقمي ووسائل اتصاله) أكد الأستاذ هامس عدنان زريق أن: «هذه الورقة تنطلق في معالجتها لأثر وسائل الاتصال الرقمية الحديثة على الثقافة من توصيف المجتمعات الحديثة بـ(المجتمع الشبكي)، حيث نوضح هذا المفهوم وخصائصه وسماته الثقافية، ثم تنتقل الورقة لتوضيح ما يغيره (الرقمي)، عند الولوج إلى مصادر المعلومات الهائلة المتاحة، وهل يعتبر ذلك مصدراً للتجديد الثقافي وذلك عن طريق أثر الأدوات التكنولوجية الحديثة الرقمية في المنتجات الثقافية من كتب وأفلام وموسيقا وغيرها وطريقة تلقيها ومعالجتها من الإنسان، وتناقش التغييرات التي طرأت على طرق توزيع المحتوى الثقافي من تعدد منابر المحتوى المعرفي الرقمي والتفاعل الكبير بين (عقد المجتمع الشبكي)، من خبراء وأفراد عاديين ومؤسسات حكومية وأهلية ومهنيين وهواة ما ساهم في منح الجميع فرصاً متقاربة للتأثير وتشكيل نمط جديد من العلاقات وأعاد تشكيل المشهد الثقافي عميقاً، كما تتناول هذه الورقة الفرص والمخاطر الكامنة في هذا التغيير وتقترح بعض التوصيات التي يمكن أن تساعد في الاستفادة من الفرص وتجاوز المخاطر المحتملة على مستوى المجتمع السوري».

الثقافة والمحتوى الرقمي العربي
وعن (الثقافة والمحتوى الرقمي العربي) كان محور الأستاذ قاسم الشاغوري الذي تحدث فيه: «عن تعريف مفهوم المحتوى الرقمي، كمخرج أساس من مخرجات استثمار شبكة المعلومات الدولية، ثم استعرض تجربة استخدام الإنترنت عربياً وفي سورية إذ تناول وصف حال المحتوى الرقمي العربي عموماً، والمحتوى الرقمي العربي الثقافي خصوصاً، ثم طرح إشكالية ضعف المحتوى الرقمي العربي، ولاسيما الثقافي منه مقارنة باللغات غير العربية، ولاسيما بالنسبة لحجم المخرجات مقارنة بعدد الناطقين باللغة العربية، ما أدى إلى ضعف في الحضور المعرفي العربي على الشبكة، ومن ثم الخروج من المنافسة الحضارية التي تعيشها البشرية منذ تسارع ثورة الاتصالات وحتى اليوم، وتأتي الدراسة لاحقاً على ذكر أبرز القرارات والمبادرات التي تناولت هذا المفهوم خلال السنوات الماضية، وتقوم بتفنيد أبرز التحديات والمعوقات التي واجهت وتواجه صناعة المحتوى الرقمي العربي الثقافي، وما الإمكانات والفرص المتاحة لتطوير هذه الصناعة والتقدم بها عبر استخدام أدوات العصر الجديد، كما تضم مجموعة من التوصيات والمقترحات لاستثمار هذه الفرص بالشكل الأمثل في صناعة محتوى يخدم الثقافة العربية، واللغة العربية في آن واحد».

الثقافة
ومواقع التواصل الاجتماعي
ومن جهته تناول الأديب حسن. م. يوسف في محوره الذي حمل عنوان (الثقافة ومواقع التواصل الاجتماعي): «تزايد انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي مع مطلع الربع الأخير من القرن العشرين بدأت عملية انزياح بطيئة في المشهد الثقافي العالمي لمصلحة الصورة على حساب الكلمة المقروءة، وقد تسارع هذا الانزياح في الدول النامية التي لم تترسخ لدى مواطنيها عادة القراءة مع تزايد انتشار الهواتف الخلوية التي بات عددها في العالم أكثر من عدد سكان كوكب الأرض، وقد نجم عن ذلك تفتيت اللحظة الإنسانية وتراجع تأثير الكلمة المكتوبة وبروز ثقافة الصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وصحافة المواطن، صحيح أن ثقافة الكلمة المكتوبة بأشكالها التقليدية لم تعد قادرة على منافسة ثقافة الصورة المرشحة لمزيد من القوة والانتشار، لذا لا بد أن نبحث عن طرق خلاقة لوضع مواقع التواصل الاجتماعي في خدمة الفنون الجادة المقروءة والمرئية والمسموعة، تطمح هذه المداخلة لاقتراح نماذج تطبيقية لكيفية وضع مواقع التوصل الاجتماعي وقوة الصورة في خدمة الكلمة والثقافة الجادة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن