ثقافة وفن

عام جديد بعباءة اللغز

| إسماعيل مروة

كما مرت الأيام العادية تمرّ أيها اليوم الفاصل
شبيهاً بالأعوام التي انقضت
ونحن من يحملك أملاً وبشارة
نحاول أن نودّع الألم
نطمر خيباتنا في ذيل ليلك الأخير
نشعل الأضواء لتسودك العتمة
نسرق منك أحلامنا الساعية إلى السعادة
نحفظ بهجتنا وابتهاجنا
نخدع أنفسنا بالأمل
(لولا فسحة الأمل)
الأمل رسولنا إلى القادم
والأدهم حامل أمنياتنا التي نستبشر بها
وهل مثل الأدهم؟
إلى رغادة عيش… إلى خلود روح
إلى افتداء وطن.. إليها نرنو في الخواتيم
في أيامه الوداعية شعرنا ثقله
قرأنا خيباتنا
شعرنا النور يخبو شيئاً فشيئاً
وشهدنا النار المحيطة بسورية تخبو
الشياطين ينفثون في النار
يحاولون إشعال نار من جديد
يستعيرون حطباً
وحب الوطن يمنح الخشب رطوبة
فلا تشتعل ولا ترتفع!
النمرود يضحك ساخراً
وإبراهيم وعده الرب بالبرد والسلام
أيهما يكون؟
ضحكة النمرود أم وعد الرب؟
اشتعلت النار طويلاً يا رب
ثماني سنوات واللهب يحرق شعرها
يطول شعرها الأسود
ضفائرها الشقراء
ودمشق تعلو وتعلو
ولا يطول اللهب سوى أطراف الشعر
سوى عقدة من ضفيرة
وتسمو من الأقرع إلى قاسيون
فسورية شعرها حرام.. ضفائرها قداسة
من منبج يقف البحتري منشداً
يخاطب أبا تمام في جاسم
ومن حوران يرتفع الصدى
ومن منبج يغني عمر أبو ريشة للجلاء
لعروسه سورية
يدعوها لتهب من منامها
وينادي ليث الشعر بدوي الجبل
ويا رب عزّ من أمية لا انطوى
فيردد المحبون في دمشق
(ويا رب نور وهج الشرق لا خبا)
من باب دمشق الصغير ينهض نزار
فيصبح الباب الصغير كبيراً
يمسح الرماد والدم.. ويقرأ وصيته:
(وددت لو زرعوني فيك مئذنة)
وأمام المسجد المحزون كما رآه شوقي
يعطي خيار الافتداء والفادي
(أو علقوني على الأبواب قنديلاً)
إنه عشق الأرض والإنسان
إنه حب الوله الساعي إلى الخلد
الخارج من العفة
على محمل من حب وانهمار
يعرف استحالة الدوام فيعترف
(وأجمل الحب حب بعد ما قيلا)
إنه الحب المكتنز المتجدد
مع صمت مطبق.. مع تراتيل فيروز
مع صياح ديك يسترق السمع
مع نباح كلب أمين يحرس بهجة الحب
إنه الحب الذي لم يقل بعد
والذي لم يقل ينتظر الغد
والحياة تبدأ غداً وبعد غد
تقدم أيها العام القادم
لنطمر في عينيك أحلامنا وآمالنا
تقدم لننعش بقايا بريق عينين
تقدم لنبحث عن بصر يجول بين الأنقاض
فيك حلم قادم
وعلى جبينك أرسم سورية التي نحب
بلوائها السليب
ليعود الطفل سليمان العيسى
ويغني نشيد طفولته للنعيرية
هناك سيجمع الأطفال حوله
يأخذ منهم أبجديته…ويعطيهم أبجدية الوطن
بنشيد واحد سيسترد ذواكرهم
لن يرطنوا بلغة أخرى
عربيتهم ستعود… إنه شاعر ملهم
لم يفقد إيمانه قط بالعودة إلى لوائه
هناك سيجلس مع الشيخ أحمد والده
ليعيد عليه أبيات المتنبي بحلب
ويقول بصوت المتنبي:
(كلما رحبت بنا الروض قلنا
حلب قصدنا وأنت السبيل)
ومن حلب يشدو المتنبي سائلاً:
(كيف لا يأمن العراق ومصر
وسراياك دونها والخيول)؟
بالشام تأمن مصر… وبالشام يأمن العراق
قبل الشام لا أمان
ودون الشام لا أمان
وتصهل خيول سيف الدولة
ومن حلب تبدأ الحكاية
منها عمامة الهداية والحب
وفيها شادي الحب والإيمان يصدح مستعيداً:
(دم الإنسان أحرم من هدم الكعبة حجراً حجراً)
ولحمص وحجارتها يشدو شاعرها
في رحلة العودة
(أعيدوني إلى حمص ولو حشو الكفن)
حجارة سود…وأرض حنون
تنهض حمص العظيمة فاردة ذراعيها للحب
ماسحة دمع أطفالها
نافية عنهم غربة الروح والجسد
تضمّ الحجارة السود المخلصين
ويتردد النشيد
وتستعير حمص من دمشق رقصة ستي
يبدأ عمر النقشبندي على عوده
لا الرقصة تنتهي
ولا نشوة الانطمار في الخلود تتوقف
في جاسم يغني أبو تمام
(كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبداً لأول منزل)
لن تسع السوري خيام
لن يأنس للقصور والفنادق
وسيبقى حنينه إلى الأول
إلى بيت من طين وحجر
يطحن قمحه على جاروشة الجدات
ليصنع خبزاً طازجاً للأحفاد
وابن الجهم لا يرى حسناً بغير أرضه
(عيون المهام بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري)
بين الرصافة والجسد حِسَان
وتتعطل اللغات عند عيون المها
بكى ابن الجهم صديقه أبا تمام عند رحيله
(غاض القريض)
لكن أبا تمام زرع شعره في الأرض
وكانت عمورية ملحمته للمقاومة والقتال
(يا يوم وقعة عمورية..)
كل يوم وقعة… كل وقعة عمورية
وتنهض سورية العروس
ليغنيها سعيد عقل
شآم أهلوك أحبابي
ويبزّه الأخطل الصغير حباً
(قالوا: تحب الشام قلت:
جوانحي مقصوصة فيها وقلت فؤادي)
يرف النسر من قاسيون
يقوى الجناح
ويحلق وطن منك كبرياء مع أول أيامك
أيها العام القادم
أعد النور… امسح الدمار
تجاوز عن الدماء والحقد
وليكن الفراتي قائد النشيد من الجزيرة
ومريود حامل البندقية من الجنوب
وعند الغوطة ينهض الحق
وتلتقي الرايات بين الأطرش وصالح العلي
وتبدأ حكاية وطن جديد جديد
قد تمر بطيئاً أيها العام مثقلاً بالخيبات
وقد تعدو لتحقيق أمنيات طفل يحبو
يرجو منك تحقيق الأمنيات
سورية بخير… وستكون بخير
إن كنت بطيئاً كليل امرئ القيس
أو متسامحاً: كنشيد الصوفي المولوي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن