قضايا وآراء

عن دورة المجلس الوطني والشرعية الفلسطينية!

مأمون الحسيني  : 

كل ما يحدث في فلسطين وجوارها العربي والإقليمي، يؤكد الحاجة الماسَة إلى عقد دورة عادية للمجلس الوطني الفلسطيني لإعادة بناء الشراكة الوطنية على أساس عقد اجتماعي وإستراتيجية وبرنامج سياسي جديدين. فعمليات الاستيطان الصهيوني في القدس المحتلة ومعظم أنحاء الضفة الغربية ما زالت على أشدَها، والمؤشرات الجدَية على اقتراب موعد هدم الأقصى لمصلحة الهيكل المزعوم تتراكم يوميا، وجرائم الجيش الصهيوني والمستوطنين الإرهابية ضد الشعب الفلسطيني ترتفع وتائرها باستمرار، واستهتار الكيان العبري بالقوانين والمواثيق الأممية وقرارات المجتمع الدولي وصلت إلى حد تأكيد رئيس هذا الكيان، رؤوفين ريفلين، ما سماه «حق إسرائيل» بـ«السيادة» على الضفة الغربية المحتلة وبناء المستوطنات، بينما تندفع حركة «حماس» التي شقَت الجغرافيا والديمغرافيا الفلسطينية وأحدثت شرخا رأسيا وأفقيا في المشروع الوطني الفلسطيني، في مخطط إسرائيل وتركيا ومحميات الخليج الرامي إلى وأد ما تبقى من الحقوق الوطنية الفلسطينية تحت مسمى «التهدئة» مع الصهاينة.
غير أن هذا المطلب الضروري والملحَ الذي يؤمل منه إخراج القضية الفلسطينية من قعر الاهتمامات العربية والإقليمية والدولية، يتم استخدامه واستثماره اليوم بطريقة لا علاقة لها بالحيثيات والعناوين الوطنية المطروحة، رغم التراجع الجزئي والمؤقت عن الدعوة لعقد دورة طارئة للمجلس الوطني، والدعوة لعقد دورة عادية، ورغم الحاجة الماسَة إلى ترميم هياكل منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها وإعادة الحياة إلى أوصالها المهترئة. وهذا لا يتعلق فقط بالانعطافة النوعية التي أحدثها «اتفاق أوسلو» وتشكيل السلطة الفلسطينية في مؤسسات وهياكل المنظمة، وأدت، عمليا، إلى انعقاد دورة عادية واحدة للمجلس الوطني في العام 1996 لمراجعة وتعديل، لا بل تهشيم الميثاق الوطني الفلسطيني، ودورة أخرى غير عادية في العام 2009، وارتهان انعقاد هذا البرلمان الفلسطيني، فعليا، لرغبات واشنطن وحساباتها السياسية، بل يتصل كذلك بالصراع المستشري في أوساط الطبقة السياسية المتنفَذة على النفوذ والمكاسب الفئوية والشخصية على حساب القضايا الكبرى والمصيرية التي تهدد الوجود الوطني والسياسي والبشري الفلسطيني.
ما جرى ويجري فعليا، على السطح وفي الكواليس، هو أن استقالة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في 22/ آب الماضي من منصبه كرئيس لـ»اللجنة التنفيذية» لمنظمة التحرير الفلسطينية، إضافة إلى استقالة تسعة آخرين من أعضاء «اللجنة»، إنما هدفت إلى التسبب في إجراء انتخابات جديدة لـ«اللجنة» في دورة المجلس المرتقبة. ولأن ثمة ظروفاً قاهرة، أو مفتعلة، في الدول العربية التي يمكن انعقاد المجلس فيها، فقد كانت مناورة القبول بدورة عادية تتطلب وجود نصاب قانوني، أي ثلثي أعضاء المجلس (حوالي 500 عضو) وتتضمن جدول أعمال كاملاً، بما في ذلك تقديم اللجنة التنفيذية تقريراً شاملاً عن عملها، وعن ضرورة تغيير البرنامج السياسي الذي أوصل الفلسطينيين إلى الكارثة. ولأن المرجح هو مقاطعة «حماس» وعدم تمكن أعضاء المجلس المقيمين في الشتات وفي قطاع غزة من المشاركة في حال تم اعتماد مدينة رام اللـه كخيار وحيد واضطراري لانعقاد المجلس، فإن الاتكاء على الفقرة (ج) من المادة 14 من النظام الأساسي للمنظمة يتيح عقد جلسة غير عادية بمن حضر، وبالتالي، استبعاد منتقدي الرئيس، وإعادة هندسة مؤسسات المنظمة على مقاس شخص واحد ولون واحد.
وعليه، وبدلا من إعادة ترميم البيت الفلسطيني، وتجديد شرعية منظمة التحرير وحمايتها من الأخطار الداخلية والخارجية التي تتهددها، بما فيها خطر توصل «حماس» وإسرائيل إلى اتفاق التهدئة الكارثي، واجتراح برنامج سياسي كفاحي واقعي يمكنه مواجهة الاستحقاقات المصيرية الوجودية، ويحظى بتأييد الأكثرية الفلسطينية، يمكن التقدير بأن دورة المجلس المقبلة، ووفق ما يدب على الأرض حتى الآن، ستؤدي إلى تعميق الشروخ الفلسطينية، وبث الخلاف والفرقة داخل المنظمة، وداخل كل فصيل، كما أنها ستنجب قيادة مشكوكاً في شرعيتها، فضلا عن ضخها دماء إضافية في شرايين انقلابيي «حماس» الذين ينتظرون بفارغ الصبر القفز فوق أشلاء منظمة التحرير والمشروع الوطني الفلسطيني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن