قضايا وآراء

إسرائيل خسرت أهم أوراقها

| تحسين الحلبي

لا أحد يمكن أن يشك أن انسحاب أي وحدات عسكرية أميركية من أي دولة عربية سيشكل خسارة لإسرائيل وقدرتها العسكرية في المنطقة فما بالك حين تنسحب وحدات كهذه من سورية وهي الدولة العربية الوحيدة التي تقف في مجابهة قوات الاحتلال الإسرائيلية في المنطقة؟.
هذه الحقيقة تدركها القيادة الإسرائيلية حين تعترف بالضرر الاستراتيجي الذي لحق بها جراء هذا القرار الأميركي ففي 24 كانون الأول الجاري قال أليكس برينبيرغ في مجلة «ميدا» الإسرائيلية، وهو من كبار المحللين السياسيين، إنه «برغم ما يحمله قرار ترامب من تعقيدات ومضاعفات على إسرائيل وعدم قبوله من القيادة الإسرائيلية إلا أن هذه القيادة لن يكون بمقدورها تغييره أو التأثير عليه».
ويضيف برينبيرغ أن واشنطن «تخلت عن قادة الأكراد السوريين برغم أنها وجدت فيهم مصلحة لها، لكن ترامب وجد أن استمرار هذا الدعم سيزيد من عدد أعدائه في تلك المنطقة وسيعرض المصالح الأميركية لأخطار كبيرة».
وينصح برينبيرغ القيادة الإسرائيلية بمحاولة إيجاد طرق جديدة لحماية أهدافها ومصالحها في المنطقة «لأن ساحة اللعب في سورية ستستمر حتى بعد خروج واشنطن من لعبة الوجود العسكري المباشر بين اللاعبين الآخرين».
في واقع الأمر ما زالت إسرائيل تسعى إلى المراهنة على اصطياد الأهداف التي تخدم مصالحتها وتسعى إلى فتح ثغرات تخدم أهدافها في ساحة الإطار الذي يجمع روسيا وإيران وتركيا في الموضوع السوري وهذا ما يكشفه بيرنبيرغ حين يقول إنه «إذا كانت الدول الثلاث روسيا وإيران وتركيا لن تنجح في التوصل إلى اتفاق على قواعد عمل مشتركة في سورية فإن ذلك سيؤدي إلى خلاف ونزاع فيما بينها يشغل الجميع بما في ذلك سورية عن النزاع على حدود إسرائيل».
ويراهن قادة إسرائيل على أردوغان واحتمال عدم موافقته على كل ما تراه أو تضعه روسيا وإيران من خطط لانتقال سورية إلى الاستقرار والسيادة الكاملة على أراضيها بعد التخلص من المجموعات المسلحة الموجودة في إدلب.
في هذه اللعبة الإقليمية التي تتطلع إسرائيل إلى استغلالها تجد القيادة الإسرائيلية أن أوراق اللعبة مع أردوغان لا تزال قابلة لمقاربة المصالح معه فما زال التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية بين أنقرة وتل أبيب مستمرا وقدم مصلحة للطرفين كما أن نتنياهو قد يلجأ إلى استمالة أردوغان في الموضوع الفلسطيني في غزة وفي مسجد الأقصى فأردوغان ما زال يحلم بتثبيت مصلحة تركية في قطاع غزة من خلال إقناع إسرائيل بتسهيل إتمام بعض المشاريع التركية فيها لتقديم المساعدات للفلسطينيين في غزة من خلال علاقاته المتينة بحركة حماس وقطر التي تتساهل معها إسرائيل في إدخال المساعدات المالية لسكان القطاع وهو يتطلع أيضا إلى إيجاد أي صلة تركية إسلامية في الأماكن الإسلامية المقدسة في مدينة القدس وهو الذي طلب منذ عام 2008 في عهد حكومة أيهود أولميرت أن تسمح إسرائيل له بإقامة «نصب تذكاري في الحرم القدسي يحمل أسماء الشهداء الأتراك من العهد العثماني الذين كانوا يدافعون عن الأقصى عام 1917 في مجابهة الجيش البريطاني»، وذكرت الصحف الإسرائيلية في ذلك الوقت أن «أولميرت لم يعترض على هذا الطلب وأبقاه مفتوحا لاستخدامه في لعبته السياسية بين الملك الأردني عبد الله وأردوغان والفلسطينيين».
ويرى برينبيرغ أن انسحاب واشنطن العسكري لن يوقف أي مشاريع إسرائيلية ضد سورية طالما أن تركيا دولة من الدول الثلاث التي تشكل إطارا إقليميا للمساهمة في حل الأزمة السورية وهي أي تركيا قابلة للتفاعل مع إسرائيل تجاه هذا الموضوع لأن روسيا وإيران يتمسكان بدعم الرئيس بشار الأسد على خلاف تركيا.
في ختام تحليله يعترف برينبيرغ: إن «القيادة الإسرائيلية تدرك أن القوة الأميركية العظمى بدأت تنحدر قدراتها وكذلك تأثيرها في المنطقة بعد حربين شنتهما في أفغانستان وفي العراق ولم يعد لدى ترامب الرغبة بالقيام بمهمة الشرطي الدولي وهذا الموقف لا يرضي إسرائيل أبدا لكن إسرائيل لن تستطيع تغيير هذه الحقيقة برغم أنها تعرف أن ترامب لن يفرض على إسرائيل أن تتسبب لنفسها بالانتحار لكنه لن يقوم في الوقت نفسه بإخراج الجمرات اللاهبة بيديه من الموقد لأجلها».
بهذه العبارة يختصر الإسرائيليون تفسير وتحليل وضعهم بعد الانسحاب الأميركي ولذلك لن يستبعد أحد أن يحاولوا العمل على تخريب أي تعاون للدول المجاورة لسورية من أجل استكمال انتصارها بإعادة الاستقرار والسيادة لجميع أراضيها المحتلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن