قضايا وآراء

أيها المهزومون.. عودوا بصمت

| رفعت البدوي

حدث بارز تصدر المشهد السياسي والدبلوماسي في سورية الأسبوع المنصرم، تمثل بالإعلان عن إعادة فتح أبواب سفارة دولة الإمارات العربية في دمشق وإعادة العمل بها بشكل طبيعي، وذلك بعد إغلاق دام أكثر من سبع سنوات متواصلة.
صحيح أن سورية أذنت لهؤلاء بالعودة الدبلوماسية إلى دمشق التاريخ والعزة، لكن المؤسف هو ذاك المشهد الذي تمثل بازدحام إعلامي، غير مبرر وغير مسبوق، في حفلة تهافت رخيصة، لتغطية حدث إعادة سفارة دولة عربية تآمرت على سورية وشعبها وتاريخها، في مشهد أوحى للكثيرين بأن السوريين كانوا ينتظرون عودة من طعن وطنهم إلى أرض سورية الطاهرة بفارغ الصبر. إنه مشهد أعطى انطباعاً بأن عودة خونة العروبة، وعملاء أميركا، الذين أسهموا بسفك الدماء السورية الزكية، إلى عرين العروبة، عودة مرحب بها! بينما ذاك المشهد استنفر في ذاكرتي وذاكرة السوريين جثث أطفال سورية الملقاة على شواطئ البحار، واستنهض في وجداني ووجدان السوريين الخلص دماء الشهداء وأمهاتهم الثكالى وأطفالهم اليتامى. مشهد إصرار أولئك على قتل وذبح الأبرياء وتشريد وتشتيت المجتمع السوري. إنه مشهد استعرض في ذاكرتنا، الجماعية والفردية، شريط صور الدمار الذي أصاب الوطن السوري.
أقر وأعترف بأنني أصبت بالصدمة، لأن مشهد التهافت والتغطية الإعلامية المترافقة مع الشريط العاجل الظاهر على شاشات التلفزة، وإجراء مقابلات مع أشخاص يعبرون عن اغتباطهم، أمر استفزّني ودفعني إلى الترحّم على الشهداء والدعاء للجرحى، وأن أتذكر العائلات المنكوبة، وأن أفكر بالمشردين واللاجئين. إنه مشهد أشعرني بالغيرة على كل نقطة دم طاهرة سقطت دفاعاً عن سورية، لأن كل ما رافق مشهد إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق أوحى بأننا كنا بانتظار تلك العودة بفارغ الصبر، تماماً كما روج بعض الإعلام بأن فتح السفارة تعني عودة سورية إلى الحضن العربي.
لا يا سادة، إن إعادة افتتاح سفارة دولة تآمرت على سورية، هي عودة المهزومين إلى سورية العزة والكرامة، عودة المقهورين من صمود وانتصار سورية، عودة المكسورين إلى أرض الشهامة، ومن يصور العودة إلى سورية بغير تلك الصورة، فهو كالذي يطعن سورية مرتين.
لاشك بأن الحدث مؤشر مهم من حيث المبدأ، لأنه يحمل دلالات ذات أبعاد سياسية ودبلوماسية تشير بوضوح إلى انتصار الجمهورية العربية السورية على من تصدر مشهد حياكة وتفصيل وتنفيذ وتدبير وتمويل المؤامرة الكونية على سورية. وأيضاً هو دليل دامغ على تمكن سورية من جني ثمار صمودها وتضحياتها ودفاعها بالدم عن عروبتها وهويتها وترابها، فشكلت بذلك الدرع الواقي الذي استطاع كسر عنجهية وشوكة أولئك المتآمرين، وأخرس حناجر بُحت من كثرة تردادها بأن سورية لن تصمد وأنها سقطت وأنها لن تعود كما كانت وأن مسألة رحيل الرئيس بشار الأسد أضحت مسألة أيام أو أسابيع، على حين كنا ولا زلنا نردد انطلاقاً من إيماننا الراسخ بسورية والتاريخ، أن سورية ستنتصر، وأنها ستبقى بوصلة العروبة، وأنها لن تهزم، وأن سورية ستعود أقوى من ذي قبل، وأن سورية هي قلب العالم العربي، وأنه من دون سورية ستصبح المنطقة العربية كالجسد من دون قلب لأن سورية هي قلب العروبة النابض.
إن عودة السفارات العربية إلى قلب العروبة يمثل اعترافاً وإقراراً واضحين لا لبس فيهما، بأن الجمهورية العربية السورية قامت من تحت الركام وانتفضت لكرامتها، كما أنها انتفضت لكرامة كل الشرفاء الثابتين على مبادئهم وعلى انتمائهم لسورية أم العروبة وحضنها وأصالتها. أنهم عائدون، لكن عودتهم تعبير عن تلاوة لفعل الندامة، والاعتراف بالانكسار، وطأطأة الرؤوس، وبالمذلة جراء إصابتهم بالذهول والصدمة. أنه الاعتراف والإقرار بأن سورية كانت ولم تزل وستبقى عصية على كل المتآمرين، وإنها الرقم الصعب، ويستحيل تفكيك لغزها المشبع بالعروبة والآباء المنتصرة للحقوق العربية.
أيها الفرحون بعودة سفارات الملوك والأمراء والمشايخ والرؤساء: أنسيتم المآسي المفجعة والآلام التي عاشها الشعب السوري ولم يزل؟ أنسيتم ما سببه أولئك المتغطرسون المتعجرفون؟ أنسيتم ما قالوه عبر الشاشات والإذاعات والإعلام بأن الشعب السوري لا يتناسب وتقاليد شعوبهم البدوية؟ أنسيتم الخراب والدمار الذي أصابكم وكانوا هم أنفسهم سببه الرئيسي؟ أنسيتم الدموع والحزن والمآسي؟ أنسيتم كل ما خططوا ونفذوا ضد سورية؟
أيها السادة، إن عودة هؤلاء هي عودة تحمل الكثير من الخبث والغدر، فلا تنبهروا ولا تفرحوا.
صحيح أن الدولة السورية سمحت لهؤلاء بالعودة إلى دمشق، لأن الدولة تنظر إلى مصالح شعبها، بينما العائدون إليها يتطلّعون إلى النيل من صمود الشعب السوري الأبي، وإن كان بطرق دبلوماسية.
إن الترويج لخبر عودة سورية للحضن العربي فيه تزوير للتاريخ وانتقاص من العروبة الحقة، وإن إشاعة خبر عدم الممانعة السعودية من عودة سورية إلى الجامعة العربية هو خبر يجافي الحقيقة وتشويه للتاريخ.
أنسيتم أيها المهزومون العائدون أنكم أنتم من أخرج سورية العروبة من الجامعة العربية لأنكم تريدون استخدام هذه الجامعة لخدمة أعداء العرب والعروبة؟ أنسيتم أنكم تكالبتم على سورية طمعاً بإسقاطها، وأنكم أنتم أنفسكم قصدتم تنفيذ الأوامر الأميركية الإسرائيلية بإخراج سورية من الجامعة؟ أنسيتم أنكم أنتم من باع العروبة وهويتها، على حين بقيت سورية وحيدة متمسكة بالعروبة الأصيلة؟ أنسيتم بأنكم سعيتم جاهدين لنزع كلمة العربية عن الجمهورية العربية السورية، وحاولتم استبدال الجمهورية السورية بها، بينما سورية العروبة صمدت ورفضت وأصرت على حمل لواء العروبة وحافظت على اسم الجمهورية العربية السورية الذي شرّف ويشرّف كل العرب؟
أما للمسؤول السعودي الذي تبجح بغطرسة وعنجهية معلناً عدم ممانعة السعودية من عودة سورية إلى الجامعة العربية شرط تقديم طلب رسمي من قبل الدولة السورية نقول: إن سورية الأبية لن تقدم على تنفيذ طلبكم بتقديم طلب العودة إلى الجامعة التي استخدمتموها للتآمر على سورية. عليكم أنتم أيها المهزومون تقديم طلب رسمي إلى سورية، تحمل دعوة رسمية يُتلى فيها فعل ندمكم على ما فعلتم بسورية، وترجوها السماح والغفران، ثم توجيه طلب للتأكد من عدم ممانعة سورية بالعودة إلى الجامعة.
إن سورية العروبة لا تنسى من أساء إليها، كما أنها خير حافظ لمن أخلص إليها ووقف إلى جانبها ونصرها في وقت تآمركم.
أيها الفرحون، لا تفرحوا، فإن المهزومين يحاولون التغطية على فشلهم، ودليل ذلك أن وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش قالها صراحة حين غرد قائلاً: إن «عودتنا إلى سورية هي لمواجهة النفوذ التركي والتصدي للتوسع الإيراني في سورية»، وهنا يتبين لنا سبب العودة الإماراتية السعودية الخليجية، إنها عودة الخائف، إنها عودة تتضمن محاولة خبيثة، ونقول: إن ما عجزتم عنه في فعل القتل والذبح والتشريد والدمار، لن تحصلوا عليه بالعودة المنمقة المزيفة، ولا بالدبلوماسية، ولا بالسياسة، لأن من كان إلى جانب سورية ودعمها وقت الشدة سيبقى مرحباً به على أرض سورية نحتفل معه بنصر سورية المؤزر الذي بات قريباً.
لسنا ضد مبدأ العودة لكن اتركوهم يعودوا من دون بهرجة، وللعائدين نقول: أيها المهزومون العائدون إلى سورية، استحوا وعودوا بصمت.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن