قضايا وآراء

الإرهاب الصهيوني المسكوت عنه

| د. يوسف جاد الحق

منذ قيام الكيان الصهيوني عام 1948، بل قبله منذ وعد بلفور عام 1917، لم تنقطع أعمال الإرهاب على الفلسطينيين خاصة، والعرب عامة، وعلى آخرين في أماكن أخرى من العالم، وبرغم ذلك لم يطلق أحد صفة الإرهاب على يهودي فرد أو على إسرائيل كـ«دولة»، ولكي يتذكر العالم ولا ينسى نتساءل: ألم تكن مذابح دير ياسين وكفر قاسم والطنطورة وقبية ونحالين والسموع ومئات غيرها إرهاباً؟ ألم تكن مقاتل إخوتنا الأسرى المصريين على رمال سيناء تحت جنازير الدبابات، تمشي فوق أجسادهم أحياء، شفاء لما في صدورهم من حقد صهيوني، وإشباعاً لنزعة الكراهية والضغينة في نفوسهم، ألم يكن ذلك إرهاباً؟
وماذا نسمي ما حلّ بأهل غزة وخانيونس ورفح وجباليا في حروب 1956-1967-1973، وما بعدها وحتى في الأيام العادية إلى يومنا، آلاف من البشر قتلوا بأبشع وسائل الإجرام، ألم يكن ذلك إرهاباً؟
وماذا عن جريمة قتل الشيخ أحمد ياسين، تقصفه الطائرات بصواريخ ثلاثة تجعل أكبر قطعة من أشلائه بحجم برتقالة، والرجل عجوز مقعد، والمكان مسجد، والزمان صلاة الفجر، وجريمة الرجل عند اقتراف الجريمة أنه يصلي الفجر، ولا يمارس إرهاباً!
ولماذا ينسى بعضهم، أو كلّهم، راكيل والش اليهودية لحماً ودماً، الأميركية أيضاً، التي داستها الجرافة وعيناها تنظران، لا تصدق أن سائقها سوف يمشي بجرافته فوق جسدٍ حيّ لفتاة مثلها، ولكنه فعل، وسعيداً بما فعل، مرتاح البال والضمير! ولم يحاسبه أحد، حتى الدولة التي تنتمي إليها أميركا، فما دام الجاني إسرائيلياً فالذنب مغفور.
وماذا عن محمد الدرة الطفل في حضن أبيه، يصرعه رشاش إرهابي مجرم بلا رحمة، على مرأى من العالم كله على الفضائيات، أهذا ليس إرهاباً؟
وماذا عن الفتاة غالية، تفقد أسرتها كلها في ثوان على شاطئ النصيرات؟ وماذا عن إيمان الهص ابنة السابعة في طريقها إلى مدرستها تصاب بجرح فيأتي قائد الدورية «الهمام» ليقف بالقرب من جسدها الملقى على الأرض ليخرج مسدسه بهدوء أعصاب وروية ويصوبه إلى جسد الطفلة، الغض، وعيناها المروّعتان تنظران إليه في ضراعة ولكنه يفرغ رصاصه في رأسها بغير وازع من ضمير أو شفقة، هذا «دفاع عن النفس» يا سادة؟!
إنه ليس إرهاباً عند من نصّبوا أنفسهم حماة ودعاة، بل «رسلاً» للحرية والديمقراطية، وأوصياء على بقية البشرية، أمثال جورج بوش، وكونداليزا رايس، وديك تشيني، ودونالد رامسفيلد، وهنري كيسنجر، ومارتين أنديك،.. إلى آخر القائمة إياها ممن يسمّون المحافظين الجدد، ومن يجرونهم وراءهم من عمي البصر والبصيرة.
أترى هذا العالم، سمع وشاهد، وبعضه عربي ومسلم، ما حلّ بقطاع من البشر في قطاع اسمه غزة! يقطنه مليون ونصف المليون من الآدميين استبيحت حياتهم وممتلكاتهم تماماً ليفعل الجناة بهم ما يشاؤون والعالم كله، باستثناءات نادرة، يتفرج وكأن ما يجري في كوكب آخر! وقل مثل ذلك في الضفة الغربية من فلسطين.
لعلّهم أيضاً لم يروا ولم يشاهدوا مصارع البشر، ودمار المباني والطرق والجسور، والحجر والشجر في مكان من هذا العالم اسمه جنوب لبنان، ألا يستحق الجناة هنا وهناك حتى مجرد إطلاق صفقة الإرهاب عليهم؟
لأننا أشرنا في البداية إلى جرائمهم في حق دول وبلاد غير بلادنا، أيضاً سنذكر بعض مآثرهم الإرهابية «الجليلة»!
 جون كيندي الرئيس الأميركي الأسبق، بدليل أن قاتله، أوزولد، بادر إلى قتله، جاك روبي، اليهودي، وهو بين أيدي الشرطة الأميركية، ثم لم يلبث أن جاء إلى سجن روبي من يقتله في السجن لكي يفلت المجرمون بجريمتهم، ولم يجرؤ أحد بعد ذلك على الكشف عن الجناة حتى يومنا.
 هم قتلة أولوف بالما، رئيس وزراء السويد، فيما كان عائداً من دار للسينما بصحبة زوجته ليسيت، التي صرحت بأنها تعرف القاتل، ولكنها لم تجرؤ على التصريح باسمه. وظل اللغز قائماً حتى الآن.
 اللورد موين البريطاني في القاهرة، والوسيط الدولي لفلسطين الكونت فولك برنادوت الذي لم تعجبهم مقترحاته يومذاك، وكان إسحق شامير هو القاتل.
أما عن العلماء العرب الذين لقوا مصارعهم على أيديهم، لا لأنهم كانوا يقاتلون أو يقاومون، ولكن كان ذنبهم أنهم سوف يبلغون بأمتهم مستوى من العلم والتنمية والتطور ما لا تريده اليهودية العالمية، إذ هي ترى في ذلك خطراً حقيقياً على مخططاتها البعيدة المدى، سواء في المنطقة العربية أو على الصعيد العالمي، ومن بين هؤلاء العلماء الدكتور يحيى المشد العربي المصري، ومنهم العالمة المصرية سميرة موسى التي دبرت مؤامرة اغتيالها الممثلة المعروفة في الأفلام المصرية في الأربعينيات راقية إبراهيم اليهودية التي شاركت الموسيقار محمد عبد الوهاب في الأغنية المعروفة «حكيم عيون»! ثم ذهبت لتعمل في هيئة الأمم المتحدة مع البعثة الإسرائيلية!
المدهش أن معظم الجرائم الكبيرة التي قام بها إرهابيون منهم، أصبحوا وزراء ورؤساء في إسرائيل مثل: إسحاق شامير، مناحيم بيغن، أرييل شارون، موشي دايان، إيهود باراك، اسحق رابين، وليس آخراً رئيس وزرائهم الحالي بنيامين نتنياهو.
أما عن الدول التي ارتكبت فيها جرائم إسرائيلية إرهابية فكثيرة منها:
– تونس واغتيال القائد الشهيد أبو جهاد، خليل الوزير مفجّر الانتفاضة الأولى.
– لبنان واغتيال الشهيد محمد يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر من قادة فتح. والعملية قادها باراك متخفياً بثياب نسائية، ولا بد أنهم كانوا وراء الكثير من الاغتيالات التي جرت هناك لسياسيين لبنانيين، كرئيس الوزراء رفيق الحريري وغيره، أما عمن اغتيلوا في لبنان من الفلسطينيين واللبنانيين فأكثر من أن يحصيهم عدداً.
ـوفي مالطا: الشهيد فتحي الشقاقي وهو في طريقه من ليبيا إلى دمشق عام 1995.
– على أرض مصرنا العزيزة، اغتيال سلمان خاطر في سجنه، ومدارس أطفال بحر البقر.
إذن، وبإيجاز يمكننا القول بأن العالم الذي لا يدين جرائمهم الإرهابية بامتياز، هو الذي يشجعهم على مواصلة ممارساتهم هذه، إما بسبب تواطئه معهم، ورضاه عن تلك الممارسات، وإما بسبب من جبن مفرط، تفادياً للاتهام التقليدي البغيض «معاداة السامية» الذي أكل الدهر عليه وشرب حتى الثمالة، ومضى من الزمن ما هو كفيل بنسيانه وإهماله بل السخرية من القائلين به إذ إن العرب هم الساميون الحقيقيون، والغرب إذن «لا سامي» ضدنا نحن.
صفة الإرهاب ينبغي أن تصبح عنواناً لإسرائيل كدولة إرهاب عالمية، ربما كالقاعدة، لا بل أكثر بكثير فهي أقدم وأعرق في هذا المجال، ولها من الوسائل والإمكانات القديمة والحديثة والخبرة في عالم الإرهاب ما لا مثيل له لدى أي جهة أخرى في العالم كله.
وكفى هذا العالم دفناً للرؤوس في الرمال، وإلا فالقادم أعظم، وستصيب الصامتين أنفسهم ويلاته وعقابيله، فالتواطؤ له ثمن، والصمت سواء كان مغرضاً، أو كان لا مبالياً وحسب، له ثمن كذلك.
أما هم فلسوف يواصلون جرائمهم وإرهابهم ما دام الصمت، عربياً وعالمياً، حيال هذه الجرائم هو سيد الموقف، وما دامت الدماء عربية وإسلامية، وما دام هناك من يمنع عنهم حتى مجرد الاستنكار والإدانة باستخدام النفوذ والفيتو على منابر أهم المحافل الدولية، التي يجب عليها هي أن تراعى شرعة حقوق الإنسان، وقد زعموا أنها وجدت من أجل الإنسان وحقه في حريات: الكلام، والعبادة، وتقرير المصير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن