قضايا وآراء

النهب الأميركي لأموال دول النفط العربية!

| تحسين الحلبي

لا يمكن للولايات المتحدة التي تحقق مكاسب هائلة من إدارتها للعلاقات السعودية الخارجية وهيمنتها على قرارها أن تسمح بانهيار هذه العلاقات أو تخفيض درجة استخدامها للدور السعودي مهما كانت صفات وطبيعة الحاكم السعودي وما قام به ضد الصحفي السعودي جمال خاشقجي أو غيره.
هذه الحقيقة تؤكدها البروفيسورة كيرين. ي. يانغ في مركز الأبحاث «أميركان انتربرايز انستيتيوت»، أي «مؤسسة المشروع الأميركي» الذي يمثل منبرا للمحافظين الجدد الجمهوريين في نهاية العام الماضي حين تكشف أن واشنطن ليس من عادتها في السياسة الخارجية تركيز اهتمامها على تصرفات أي ملك أو أمير في السعودية في سياسته الأمنية الداخلية أو الاجتماعية وليس لديها قيم مشتركة أصلا مع أشكال الحكم والعادات السائدة في السعودية، وقد استخدم السعودية جميع الرؤساء الأميركيين وخصوصاً أثناء الحرب الباردة حين جندت واشنطن قوة بشرية إسلامية سعودية وقوة مالية سعودية في حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي.
من الواضح أن الإدارات الأميركية تدرك أهمية الاستعانة بأموال السعودية لا لشراء الأسلحة الأميركية فقط بل أيضاً في نشاطات أخرى تخدم السياسة الأميركية في المنطقة والعالم، فالبروفيسورة يانغ تقر أن واشنطن استهدفت مع السعودية «إسقاط النظام في كل من سورية وإيران لكنها لم تستطع النجاح ولا يحتمل تحقيق ذلك من دون مساعدة الرياض وخصوصاً حين تفرض واشنطن العقوبات على إيران وتحتاج إلى دور النفط السعودي في هذا الشأن».
ولا شك أن واشنطن لا يمكن أن تسمح بوجود فراغ سياسي أميركي في السعودية تنافسها على ملئه دول كبرى ولو كانت من حلفائها مثل بريطانيا أو فرنسا فما بالك حين تجد روسيا والصين يعززان علاقاتهما مع عدد من دول المنطقة في هذه الأوقات.
تكشف يانغ أن واشنطن قادرة على استخدام القوة الإنتاجية النفطية السعودية ضد أعدائها أو منافسين لها وتشير إلى أن واشنطن في مقدورها فرض زيادة من خلال السعودية على السعر العالمي لبرميل النفط بنسبة 10 بالمئة فيؤدي ذلك إلى خسارة نسبة 2 بالألف من قيمة الناتج القومي الشامل للصين و3 الألف لمثيله في الهند.
وتعرض يانغ أرقام المساهمة المالية السعودية لدول حليفة أو صديقة للولايات المتحدة تستفيد منها السياسة الأميركية، فهي قدمت عام 2018 مع بعض دول الخليج النفطية إلى الحكومة الحليفة للسعودية في اليمن 11.5 مليار دولار رغم أنها هي التي دمرت اليمن، وقدمت للأردن 2.5 مليار لتعزيز استقراره، وللبنان ملياراً لتجديد خط الائتمان، ولمصر 12 ملياراً بمشاركة الإمارات والكويت، ولباكستان 6 مليارات، وتعهدت بتقديم ثلاثة مليارات بمشاركة الإمارات لإثيوبيا، وقدمت للبحرين 10 مليارات بمشاركة الكويت والإمارات، أما قطر فقد قدمت لتركيا 15 ملياراً لدعم الاستثمارات التركية وإنقاذ العملة التركية.
التحويلات المالية من دول النفط العربية التي يرسلها العمال الأردنيون إلى بلدهم تقدر بنسبة 13 بالمئة من قيمة الناتج الشامل للأردن، والتي يرسلها العمال المصريون من الخليج تقدر بـ10 بالمئة من الناتج القومي المصري، وتضيف يانغ أن السعودية لديها 150 مليارا على شكل أسهم وديون في أميركا وللكويت 220 مليارا إضافة إلى ما حصل عليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمصلحة الولايات المتحدة بعد زيارته إلى الرياض، والسؤال هو: لمن ستترك واشنطن هذه الأموال السعودية، لمنافسيها أم للسعوديين أم للولايات المتحدة؟!
تستنتج يانغ أن الأمثلة على هذه الأرقام تدل على أن واشنطن باستطاعتها أن تستخدم السعودية ودول النفط الأخرى على شكل «بنك للتمويل» بما يخدم مصالح الولايات المتحدة، ودور هذه الأموال وما تقوم به في دول كثيرة تتم فيها المحافظة على استمرار المصالح الأميركية، وما دامت فوائدها الاقتصادية والسياسية والعسكرية تتجه نحو المزيد من الهيمنة الأميركية في المنطقة فالسعودية تدفع ولا تتلقى أرباحا وطنية سعودية من هذه الأموال بل تعود فوائدها على الولايات المتحدة وزيادة هيمنتها وغطرستها بشكل عام.
ولذلك تؤكد يانغ أن الحديث الأميركي عن مسألة ملاحقة مواضيع مثل موضوع الصحفي خاشقجي واتهام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالمسؤولية عن مقتله، مجرد مسألة ستختفي قريبا ولا يمكن أن تؤثر البتة فيما تناله الولايات المتحدة من مصالح من علاقاتها مع السعودية والعائلة المالكة فيها.
وسوف تظل هذه المعادلة قائمة بهذا الشكل أو ذاك ما لم تعمل السعودية على امتلاك قرارها الوطني المستقل بالتصرف بثرواتها الطبيعية والاقتصادية وعائداتها على غرار دول نفطية كثيرة حتى لو كانت صغيرة الحجم مثل العراق أو إيران أو النرويج أو سورية في المستقبل القريب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن