سورية

دعوات فرنسية للانفتاح على سورية … اللوفيغارو: الانسحاب الأميركي فرصة حتى نستعيد نفوذنا شرط التعامل مع موسكو ودمشق

| الوطن - ترجمة بشار جريكوس

اعتبرت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بانسحاب قوات بلاده من الأراضي السورية، من دون علم حلفائه، كان «مباغتاً» وأن هذا الانسحاب يجب أن يشكل فرصة مواتية لفرنسا حتى تستعيد نفوذها في المنطقة بقوة، بشرط قبولها التعامل مع موسكو ودمشق.
جاء ذلك في تحليل مطول نشرته الصحيفة، للكاتبة كارولين غالاكتيروس وهي دكتورة في العلوم السياسية وضابط برتبة عقيد في مركز الاحتياط العمليّاتي للجيش الفرنسي، وتشغل أيضاً منصب رئيس معهد (جيوبراغما) للأبحاث، ووجهت فيه انتقادات لاذعة للساسة الفرنسيين، وطرحت تساؤلات كبرى حول التحرك الفرنسي المنتظر في أعقاب القرار الأميركي.
وقالت غالاكتيروس: «هناك اتفاق يُنجز حالياً بين واشنطن وموسكو وأنقرة، ونحن خارجه. في مؤتمر يالطة، كان البولونيّون يقولون بمرارة: إذا لم نكن على طاولة المفاوضات، فذلك يعني أننا على القائمة، بالنسبة لفرنسا، فهذا أسوأ ما يكون، نحن لم نعد موجودين حتى على الخريطة الذهنية للحليف الأكبر، وليكن الجنرال ماتيس غير موافقٍ على قرار الرئيس، فهذا لا يغيّر شيئاً من الذّل المرير الّذي نتجرّعه، تتجاهل الإمبراطورية أدواتها بصورة مدهشة، لأن الجوهر بالنسبة له هو مكان آخر، فالقوات الأميركية الخاصة تغادر سورية لأن ترامب هو شخص واقعي حقيقي، لقد أدرك أنه كان من الضروري دقّ إسفين في الحلف التكتيكي، الروسي الإيراني التركي قبل أن تتوطّد دعائمه، ومن هنا جاء التخلّي عن الأكراد والتفكير باحتمال تسليم غولن، وإيقاف تحجّر السلطان الجديد أردوغان وموجة تهديداته التي ستتهاوى من الآن فصاعداً علينا نحن، نحن الّذين نحب الأكراد جدّاً». واعتبرت، أن تركيا هي الرابح الأكبر من الانسحاب الأميركي، وهي تلعب دوراً لافتاً في تموضعها داخل وخارج حلف شمال الأطلسي، وتخلّي الأميركيين عن الأكراد سيجبر الأخيرين على حماية مصالحهم الخاصة عبر تقرّبهم من موسكو التي تدير دوماً اللعبة الإقليمية بذكاء.
إيران من جهتها يجب عليها أخذ الحيطة لأن المصير الّذي تخبّئه لها واشنطن (عبر تل أبيب) لا يبدو أنه تغيّر قيد أنملة، حسب تعبير الصحيفة، و«الكلب المسعور» وهو لقب سمّي به الجنرال ماتيس فعل فعلته، وطهران في مرصاد «البنتاغون» أكثر من أي وقت مضى وفي مرمى نيران «إسرائيل» التي تعتبر إيران في الواقع المنافس الحقيقي الوحيد في المنطقة على المدى المتوسّط فهي خصم غير عربي من الوزن الثقيل ثقافيّاً وعلميّاً وتكنولوجيّاً وصناعيّاً واقتصاديّاً بكل تأكيد لما تمتلكه من إمكانات هائلة من الثروات الباطنية.
إيران وبحسب «اللوفيغارو» ستكون الخطر الأكبر، على اعتبار أن جون بولتون، مستشار الأمن القومي، حاضر لها دائماً، مدعوم بالعديد من أمثاله وبدلائه من المحافظين الجدد، المُنتشين بخطابهم الخاص الّذي يرجع إلى ما قبل عصر الطوفان والقائم على شيْطنة الآخرين، والّذي يتجسّد اليوم بالعداء لإيران وروسيا كما هو الحال بالأمس ضد العراق والاتحاد السوفييتي.
الصحيفة الفرنسية، رأت أن مصطلح «اتفاق» قد يكون سواء كان (مضمراً أو معلناً) بين واشنطن وموسكو يحمل الصيغة الآتية: «أغادر إلى حد ما سورية فاسحاً لك المجال لتهيمن على هذا البلد الّذي خسرنا فيه بكل الأحوال رهان زعزعته ولم نعد نمتلك الشيء الكثير الّذي يستلزم أخذه أو كسْبه، نستأنف لغة العقوبات وأوكرانيا، وتستعيد أنت روعة الحوار بين العظماء القدامى، اجتماع الفرصة الأخيرة لحُكم ثلاثي يجمع واشنطن وموسكو وبكين حيث تظفر بمكان وستتمكن من النجاة. بالمقابل ستتخلى تدريجياً عن إيران دبلوماسياً وعسكرياً». «اللوفيغارو»، استبعدت أن يقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه المساومة من دون ضمانات قوية، وذلك لأن روسيا، بعكس الولايات المتحدة الأميركية، تستند في عودتها الدبلوماسية المزلزلة دولياً على مصداقيتها في الساحة الدولية واحترام تعهداتها المبرمة مع حلفائها التكتيكيين والإستراتيجيين.
من جانب آخر، التنافس الروسي الأميركي قديم في العديد من الميادين والملفات، بكل بساطة نهج ترامب في التعامل مع الغول الروسي يتمايز بين العداء المتحجر للجهاز العسكري السياسي الأميركي، الّذي لم يُفضِ حتى الآن إلا إلى تقارب متسارع وخطير بين موسكو وبكين (ستدفع أوروبا ثمنه في نهاية الأمر)، وأرجوحة (الزبائن) الإفريقيين والشرقيين الّذين تعتقد أميركا أن باستطاعتها إبقاءهم في جيبها الصغير إلى الأبد، بحسب الصحيفة. «اللوفيغارو»، اعتبرت أن ما جرى هو اللحظة المواتية لرمي بعض الأوراق «في لعبتنا وإلّا فستضيع للأبد»، وقالت: «قرار مباغت أو استفزاز، لكن يجب حينئذ استثمار بعض الأوراق الرابحة، لن نبقى مُؤذين، كما هو الحال مثلاً في معارضتنا العقيمة لعمليّتي أستانا وجنيف الذي يعقد عبثاً منذ سنوات نتيجة خطأ تمثيلي، سوف نوجد بإظهارنا، بكل جرأة، حالة روح إبداعيّة وغير إيديولوجية وبإظهارنا نيّة مصالحة براغماتيّة على أساس الوضع الميداني، ولأجل ذلك، يجب أن نتوقف عن لعب دور الأطفال الّذين يرون كل شيء بالأبيض والأسود ولا يريدون تقبّل الألوان الرمادية الخمسين في العالم.
الصحيفة حذرت الساسة الفرنسيين بالقول: «إذا لم نستثمر هذه الفرصة الأخيرة، سيتم إقصاؤنا من الشرق إلى الأبد، السياسيون الّذين جرّوا فرنسا، بعد المأساة الليبيّة، إلى المساندة في زعزعة البلد ودعم الفئة الإسلاميّة المكروهة التي ارتدّت عليه عند أول عصيان شعبي، يتحمّلون مسؤوليّة كبيرة جداً في العذاب التي يكابده الشعب السوري منذ ثماني سنوات. وختمت الصحيفة تحليلها بالقول: «ينبغي علينا الخروج من هذه السياسة التّهكّميّة واتّباع الواقعيّة التي تمثّل النقيض الحقيقي لها بكل تأكيد، من أجل العمل على أساس الحقيقة مع الإنسان. فذلك يُشرّفنا ويُنقذنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن