ثقافة وفن

«كواليس المبدعين» قراءة في سير المشاهير…اقتفاء الخطوات العملاقة والمكانة الأدبية العالية

عامر فؤاد عامر : 

اعتدنا في جزء مما يقدّمه الكاتب «هاني الخيّر» ملاحقة سير ذاتيّة لمشاهير محليين وعالميين، فنطّلع على أخبارهم وقصص تخصّهم في أسلوب مبسّط، وجميل، وقريب من الفهم دائماً، لكن ما يميّز أسلوب «هاني الخيّر» أيضاً أنه يتطرق لتفاصيل لا يقترب منها كتّاب السيرة الذاتيّة، أو الباحثون، والمختصون في الاهتمامات نفسها، فنرى في كتاباته مقارناتٍ مهمّة، يستنتجها في إحاطة كليّة عن حياة الشخص، وإلقاء الضوء على نوادر لا تخطر على بال الكتّاب في ذكرها، واليوم لدينا مؤلف «كواليس المبدعين» الذي يتميز أولاً بجمعه لعددٍ كبيرٍ من مشاهير الأدب العربي، وعالم الشعر، والرواية، والفكر، من أرجاء الوطن العربي كله.

أعلام ومشاهير
جاء الكتاب في سلسلة آفاق ثقافية 129، الذي تصدره وزارة الثقافة والهيئة العامة السوريّة للكتاب، في بداية مطلعها مع أسماء وأعلام مهمّة أمثال: «نزار قباني»، و«عبد الحق حداد»، و«محمود درويش»، و«الأخطل الصغير»، و«ميخائيل نعيمة» ومروراً على مجموعة كبيرة من الأسماء منها: «عرار»، و«خليل حاوي»، و«صالح الشرنوبي»، و«أمين نخلة»وغيرهم، ونهايةً بأسماء كـ«إحسان عبد القدوس»، و«محمد شكري»، و«حنّا توفيق بشّور»، والمزيد من الأسماء التي لا يسعنا ذكرها جميعاً.

الهدف
ومما جاء في مقدمة الكاتب الموجّهة للقارئ: «… غاية ما تطمح إليه هذه الصفحات مجتمعة، أن تكون دليلاً نظرياً ومرشداً أميناً، للغوص بسلالة في أجواء هؤلاء الأعلام ونفسياتهم وعوالمهم، من أدباء وشعراء وروائيين ومؤرخين ومفكرين، من ذوي القامات العالية في الحياة الثقافية العربية. وكذلك التعريف بخفايا حياتهم، ورحلة كفاحهم المضني، وإنجازاتهم الإبداعية، من دون أن نخدش كرامة أحد».

نوادرهم ونقاط حسّاسة
وإليكم بعض المقتطفات من الأسماء التي جمعها كتاب «كواليس المبدعين» فالبداية مع الشاعر الكبير «نزار قباني» ومجموعته الشعرية «قالت لي السمراء» وهي المجموعة الأولى من أشعاره التي حملت 5 رسومات بريشته وإهداء خاصّاً منه لصاحب الكتاب «هاني الخيّر» كما ركز الكاتب على إهداء نزار قباني هذه المجموعة لوالديه. وفي صفحات خصّها بـ«عبد الحق حداد» يقول: «هو من الشعراء السوريين المتميزين الكبار الذين فاتهم قطار الشهرة والنجومية وذيوع الصيت الأدبي على الرغم من أن قصائده الغنائية الوجدانية التي نظمها في نهاية الخمسينيات من القرن العشرين، كادت أن تضاهي أو ربما تفوقت على قصائد الشاعر الكبير نزار قباني». أمّا عن بدوي الجبل «محمد سليمان الأحمد» فيقول: «شاعر العربية بدوي الجبل، ختم بسموه الوجداني ورهافة أحاسيسه الصادقة، وديباجته الصافية، تاريخاً شعريّاً كاملاً». وعن محمد مهدي الجواهري يضيف كاتبنا «هاني الخيّر» عن قصيدته البليغة والتي بسببها استقالت وزارة رياض الصلح في لبنان بعد يومين من إلقائها وتشكلت حكومة «حسين العويني» ودشنت هذه الوزارة الجديدة أعمالها بطرد الشاعر الجواهري من لبنان.

بين جبران وميخائيل
من النقاط التي تطرق إليها بصورة غير مباشرة المقارنة بين عميد الأدب المهجري «جبران خليل جبران» وصديقه الأديب «ميخائيل نعيمة» الذي عاصره وكان أحد المقربين إليه حتى في أدق تفاصيل حياته، فيذكر: «.. وقد حاول الأديب ميخائيل نعيمة، أقرب الأصدقاء إلى جبران، بإصرار وعناد تقليده بصورة ما، واقتفاء خطواته العملاقة بحذر واستحياء، وكذلك تشويه سمعته الشخصيّة بعد رحيله بعامين، عندما أصدر كتابه الجديد في موضوعه بالمكتبة العربية تحت عنوان: «جبران، حياته، موته، أدبه، فنه»، ولكنه لم ينجح في ذلك ولم يبلغ مكانته الأدبيّة». وربما هنا تظهر أراء شخصيّة للكاتب «هاني الخيّر» في المقارنة بين الأديبين، وتعليل سبب كتابة «ميخائيل» لذلك الكتاب تبعاً لأغراضه الشخصيّة، إلا أن العرض المنطقي الذي قدّمه « ميخائيل نعيمة» في ذلك الكتاب كان منصفاً جدّاً، إذ لا يمكن لـ»جبران» أن يكون ملاكاً، ويحيا حياة بشريّة بلا أخطاء فيها، فهو في النهاية إنسانٌ مثلنا.

نتاج أخير لميّ زيادة
عن مي زيادة وكتابها المفقود يذكر كاتبنا التالي: «… وأخذ ميلها إلى الوحدة السعيدة يظهرفي سلوكها العام، بعد أن فقدت أبويها، وكذلك فجعت بوفاة صديقها جبران خليل جبران. ويبدو أن بعض أقاربها وهم من الدرجة الثانية، قد طمعوا بالاستيلاء على ميراثها الضخم، والعقارات المسجلة باسمها في لبنان، فتصدت لهم بقوة، فهددوها بالانتقام السريع إذا لم ترضخ لهم، فكان لهم ما أرادوا، وأعادوها بالخديعة إلى لبنان وطنها الأول، ووضعت في مصح للأمراص العقلية، فوقع الاختيار على مستشفى «العصفورية»، فكتبت ضمن أسواره انطباعاتها وخواطرها الغريبة التي جمعتها في كتاب أطلقت عليه اسم: «ليالي العصفورية»، الذي بقي حتى هذا اليوم مجهول المصير، ويبدو أن صديقة مخلصة لها أخفته، لاعتقادها بأن هذا الكتاب سيشوه سمعتها الشخصية أمام الأجيال القادمة».

عنوان
يمتلئ الكتاب بالمزيد من الذكريات ومن التفاصيل الحياتيّة التي تخصّ مبدعين عشقنا أسماءهم وتمتعنا بإنتاجاتهم، فكان بين يدينا كتاب «كواليس المبدعين» وهي لفته سريعة من الكاتب تحمل الإضاءات التي قد لا يتوقف عندها الكثير من كتّاب السيرة الذاتيّة، إلا أن الاطلاع عليها يبدو ممتعاً في التعرف على جوانب خفي على الكثيرين التعرف إليها والتعاطي معها وعن دوافع وجودها ولماذا كانت، فهي في الحقيقة محرض غير مباشر في حياة المبدع لتقديم إنتاج فريد يختزل مجموعة من التجارب والضغوطات والخبرات والممارسات التي عاش فيها هؤلاء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن