ثقافة وفن

النشيد الوطني السوري.. تاريخ وحياة

| نبيل تللو

أقطن بدمشق مجاوراً لمدرسةٍ من مدارس وطننا الحبيب سورية، وينتابني شعورٌ حماسي لا يوصف وإحساسٌ بالفخار والزهو لا يقاسان، كلما استمعت إلى النشيد العربي السوري عندما يردده طلبتنا الأحباء صبيحة كلِّ يوم أثناء انتظامهم في الباحة قبل الدخول إلى الصفوف، في حين تدمع عيونهم وهم يؤدُّون التحية إلى علم بلادهم، وتغمرهم روح البراءة والانتماء المبكِّر لحاضنة مكانية وأثيرية اسمها: «الوطن السوري»، وهم الذين نتمنَّى لهم أن يشهدوا أياماً أحلى من أيامنا، وظروفاً أفضل من ظروفنا، حتى يتمكنوا من الاستمرار بتقدم سوريتنا الغالية ورِفعة شأنها. وقد أوحى لي هذا المشهد كتابة هذه المقالة، لتذكير كرام القارئات والقراء بما نسوه، وتعريفهم بما لا يعرفونه، علماً أن بعض المعلومات الواردة قد تحتاج إلى تصحيح، راجياً ممن يعرف الأصح أن يعلن بذلك.

لكلِّ دولةٍ من دول العالم نشيدٌ وطني خاصٌ بها، وهو عبارة عن قصيدة وطنية ذات معانٍ عميقة وقوية، ولها تأثير شديد على الأمة، ترافقها الألحان العسكرية الحماسية. يهدف النشيد الوطني إلى إثارة روح الوطنية والولاء بين أوساط مواطني البلد، ويؤدَّى في المناسبات والمهرجانات العامة الرسمية والاجتماعات الدولية والبطولات الرياضية، وتتخذ الأناشيد الوطنية أشكالاً مختلفة، فبعضها يشيد بالملك أو الملكة أو الإمبراطور، وبعضها يرمز إلى وحدة الأمة وقوتها، لكنها كلها تدعو إلى رفعة شأن الوطن وتقدمه وازدهاره.
يُعرف النشيد العربي السوري الوطني للجمهورية العربية السورية بـ: «حماة الديار» نسبة إلى الكلمتين اللتين يبدأ بهما، ونصُّه الكامل هو:
حُماةَ الديار عليكم سلام أبتْ أن تذلَّ النفوسُ الكرام
عرينُ العروبة بيتٌ حرام وعرشُ الشِّموس حمىً لا يُضام
ربوع الشآم بُروجُ العَلا، تحاكي السماء بعالي السَّنا
فأرضٌ زَهَت بالشُّمُوسِ الوِضا، سماءٌ لعَمرك أو كالسَّما
رفيفُ الأماني وخَفقُ الفؤادْ، على علمٍ ضمَّ شَمْلَ البلاد
أما فيه من كُلِّ عينٍ سواد، ومن دمِ كلِّ شهيدٍ مداد
نفوسٌ أُباةٌ وماضٍ مجيد، وروحُ الأضاحي رقيبٌ عتيد
فمنَّا الوليدُ ومنَّا الرشيد، فًلِمْ لا نسود ولِمْ لا نَشِيد
حُماةَ: منادى منصوب بأداة نداء محذوفة (يا حُماة).
الوليد هو: «الوليد بن عبد الملك بن مروان» سادس خلفاء الدولة الأموية بدمشق.
الرشيد هو: «هارون الرشيد» خامس خلفاء الدولة العباسية في بغداد.
نَظَمَ النشيد الوطني السوري عام 1932 الشاعر السوري «خليل مردم بك» (1898 ـ 1959) تخليداً لمجد العرب، واختير ليكون نشيداً لسورية منذ ذاك العام، وتردد على ألسن السوريين إلى أن لحَّنه الموسيقي اللبناني «محمد سليم فُلَيْفِل» (1899 ـ 1985) مع أخيه أحمد، بعد إطلاق مسابقة لتلحينه دعا إليها الرئيس السوري محمد علي العابد عام 1936 لاختيار أفضل لحن، وضمَّت المنافسة ستين متسابقاً، وبعد أن رفضت لجنة التحكيم اللحن في البدء، عرضا لحنهما على رئيس مجلس النواب فارس الخوري، الذي طلب منهما تعليمه لتلاميذ المدارس، وسرعان ما انتشر اللحن بين السوريين، وتبنَّته الحكومة السورية، وتمَّ اعتماده رسمياً نشيداً وطنيا لسورية عام 1938، وكافأت محمد فليفل بمنحه وسام الاستحقاق السوري المُذَهَّب.
في أثناء فترة الوحدة مع الشقيقة مصر العربية بين عامي 1958 ـ 1961، توقَّف استخدام هذا النشيد، واستبدل بنشيدٍ آخر هو مزيجٌ من النشيد الوطني المصري آنذاك المعروف باسم: «نشيد الحرية»، والنشيد الوطني السوري «حماة الديار»، وبعد حادثة الانفصال الأليمة، جرى الرجوع إلى نشيد «حماة الديار» نشيداً وطنياً رسمياً للجمهورية العربية السورية.
في حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في العاصمة الصينية بكين، جرى عزف كلِّ الأناشيد الوطنية للدول المشاركة وعددها مئتان وخمسة أناشيد، وكان ممن استمع لها باحثٌ موسيقي بريطاني أعلن بعد دراسةٍ قام بها أن النشيد الوطني السوري هو أجمل الأناشيد الوطنية في العالم كلماتٍ وألحاناً، وفي هذا فخرٌ لسورية وزهوٌ للسوريين.
لم يكن في سورية نشيد وطني قبل نشيد حماة الديار، ولكن كان هناك نشيد مشهور: «سورية يا ذات المجد» للشاعر اللبناني مختار التنير، ألحان الأخوين محمد وأحمد فليفل، يجري ترداده ليس في سورية فقط، بل في كلِّ بلاد الشام وهي: لبنان وسورية والأردن وفلسطين، وهو:
سورية يا ذات المجد، والعزة في ماضي العهد
إن كنت لنا أسمى مهد، فثراك لنا أسمى لحد
سندافع عنك بذا القلب، فيه قد جال دم العرب
أسقينا ماء قد عذبا، أن كنت لنا أماً وأباً
من يشرب ماءك لا يأبى، موتاً أن كنت له سبباً
سندافع عنك بذا القلب، فيه قد جال دم العرب
وسنحمي المجد من الزمن، بأولي عزمٍ وأولي بأسٍ
جهلوا أبداً معنى اليأس، ورأوا بالموت هنا النفس
سندافع عنك بذا القلب، فيه قد جال دم العرب
سنحرر فيحاء العرب، مهد الأبطال حمى النجب
ونحطم قيد المغتصب، بالسيف وعزمٍ ملتهب
سندافع عنك بذا القلب، فيه قد جال دم العرب
وليس هذا هو النشيد الذي ردده السوريون فقط في أثناء الاحتلال الفرنسي، بل كانت هناك أناشيد أخرى سنكتبها في مقالةٍ قادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن