من دفتر الوطن

أريد حصتي من المطر!

| عصام داري

أكثر ما يشغلني في فصل الشتاء متابعة النشرات الجوية في محطات التلفزة المحلية وفي الدول المجاورة، ومعرفة المنخفضات الباردة والماطرة والغيوم المحملة بالمطر والثلوج، وكميات الأمطار في المحفظات ومعرفة ما إذا وصلت إلى المعدل السنوي، أم لا.
سألني صديق لي: هل أنت من ملاّك الأراضي حتى تقلق عندما يتأخر المطر، أو تفرح عندما يهطل المطر؟
ضحكت وأجبته: طبعاً أنا لست من أصحاب الأراضي والمزارع والبساتين، بل أنا لا أملك بيتاً بحجم «قن» الدجاج يؤويني من حرارة الصيف وزمهرير الشتاء.
استغرب صديقي وقال: لماذا كل هذا الفرح بالمنخفضات الجوية التي قالت الأرصاد الجوية إنها قادمة إلينا؟
قلت: لأن هذا الغيث يروي أرضنا كلنا، أرض كل السوريين، ولي حصة في هذا الخير الوفير.
أصابت الدهشة صاحبي وقال لي قبل أن يذهب في حال سبيله:.. يا صديقي، حصتك في الجنة، أما هنا على الأرض فهناك من يصادر حقك حتى في الهواء وليس فقط بالماء وحبات المطر!
كنا نقف متجاورين على رصيف تآكلت بلاطاته، وعندما غادرني تركني مصدوماً من كلامه، وتساءلت بيني وبين نفسي: هل حقاً ليس لي حصة من المطر، لا أريد حصة في بيت أو قصر أو مزرعة، حلمي أن أحصل على حصة من مطر ليس للحكومة أي دخل فيه، وهي لا تتكرم علينا عندما نحصل على حصصنا.
و.. مشيت في طريقي تحت المطر، ورحت أفكر وأنا تحت مظلتي بحالنا، وأول ما خطر على بالي أغنية فيروز: «أديش في ناس ع المفرق تنطر ناس، ويحملوا شمسية، وأنا بأيام الصحو ما حدا نطرني».
وتذكرت أن صديقتي رواد كتبت لي على صفحتي «الفيسبوكية» تعليقاً على طلبي أني أريد حصتي من المطر فقالت: ونريد حصتنا من الماء والمازوت والغاز و.. نستطيع أن نضيف ألف سلعة نحتاجها كي نشعر أننا من فصيلة البشر!
في هذه اللحظة تحديداً خطرت لي فكرة مجنونة قررت أن أنفذها فوراً، وهي أنني سأذهب إلى مقر مجلس الوزراء وأحمل لافتة صغيرة، لكنها واضحة الحروف، ومحدودة الكلمات، وباللون الفوسفوري الفاقع، وأكتب عليها العبارة التي عنونت بها زاويتي هذه، أي «أريد حصتي من المطر»!
فرحت بهذه الفكرة حتى إنني أغلقت المظلة ورفعت يديّ نحو السماء مستقبلاً المطر بصدري، وفجأة مرت سيارة مسرعة بزجاج «فيميه» أي غامق، عندها شعرت بموجة من مياه الشارع الذي فاض بسبب انسداد البلاليع كالعادة، هذه الموجة غمرتني من رأسي إلى أخمص قدمني، وعندما هممت بتوجيه شتائم تناسب هذا الحال فتحت نافذة السيارة وخرج رأس شاب يافع وسألني متهكماً: كأنني أزعجتك؟
أجبته والابتسامة لم تفارق شفتي: أبداً، أبداً، لقد حصلت على حصتي من المطر، فمضى مسرعاً وهو يكشر عن ابتسامة ليس لها معنى، على حين أنا مزقت اللافتة التي كتبتها في مخيلتي وقررت أن أستبدل بها لافتة جديدة أعلن فيها: (شكراً للحكومة).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن