قضايا وآراء

العروبة تصحح مسارها سوريّاً

| محمد نادر العمري

بات محتوماً «بل مؤكداً» عودة الجمهورية العربية السورية لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، في ظل التجاذبات الحاصلة اليوم خلف الأروقة الدبلوماسية والاتصالات السياسية، التي أفضت إلى تأجيل انعقاد جلسة المندوبين الدائمين للدول العربية ثلاثة أيام، ريثما يتم التوافق على شكل اتخاذ قرار العودة وتوقيته ليحفظ ماء وجه بعض الدول العربية.
ويمكن قراءة تأجيل هذا الاجتماع على مستوى مندوبي الجامعة الذي كان مقرراً عقده في 6 كانون الثاني وكان من المتوقع أن يسمح للدول العربية بإعادة فتح سفاراتها في دمشق، لمحاولة إعطاء فرصة لحصول توافق بين التيارين المتجاذبين داخل الجامعة، الأول يرى أنه من الضروري اتخاذ قرار إلغاء تجميد عضوية سورية خلال هذا الاجتماع وعلى هذا المستوى لتتمكن الأخيرة من حضور القمة الاقتصادية العربية في بيروت وقمة تونس في آذار المقبل، بينما يرى التيار الثاني أن يكون قرار عودة سورية إحدى مخرجات قمة تونس وأن تكون من اختصاصات القادة وليس المندوبين.
بعيداً «عن إشكاليات آليات العودة من تقنيات إجرائية تستخدم غالباً» ضمن هذه التجاذبات ولم يكن لها أي اعتبار أثناء اتخاذ قرار تجميد عضوية سورية، والمآلات والأهداف التي يسعى كل من التيارين تسجيلها كموقف سياسي تجاه الآخر ضمن دائرة الصراع العربي السعودي القطري أو تجاه دمشق كمحاولة للضغط عليها وجذبها لأحد التيارين نظراً لما تمثله دمشق من مركز ثقل وتأثير جيوسياسي.
الظروف السياسية والمتغيرات الميدانية فرضت منطقاً للواقعية السياسية التي أفرزتها تراكم الإنجازات العسكرية الميدانية بأن عودة دمشق باتت محسومة وهي مسألة وقت، ولكن هناك حاجة وضرورة عربية وبخاصة من التيار السعودي نحو تصحيح مسار العلاقات مع دمشق، مع التشديد أن حاجة الضرورة هذه هي عربية أكثر من كونها سورية، لأسباب عديدة:
أول هذه الأسباب يتمثل في حاجة هذه الدول وبخاصة الخليجية منها وفي مقدمتهم السعودية إلى عودة دمشق للعب دورها التوازني السابق على مستوى المنطقة سواء لمواجهة توسع النفوذ التركي أو كمحاولة لفك التحالف الإستراتيجي بين سورية وإيران.
في الخيار الأول تسعى الرياض إلى خلق توازن سعودي سوري مصري يحد من التأثيرات التركية التي اتخذ شكلاً متصاعداً في التأثير، تجلى بخرق العمق الحيوي للأمن القومي الخليجي بعد الأزمة الخليجية، وحد من تأثيرات السياسة السعودية في عدد من ملفات المنطقة وبخاصة في سورية بعد انطلاق محادثات أستانا وإدارة أنقرة شبه المنفردة للمجموعات المسلحة في الجغرافية السورية الشمالية، بل وتحولت المملكة بعد قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي عرضة للابتزاز السياسي والاقتصادي والديني، فضلاً عن السعي التركي إلى استثمار ضغط مؤسسات الدولة العميقة على الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتخلي عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد هذه الحادثة واستقطاب أنقرة لحلفاء الرياض المؤثرين في العالم الإسلامي في مقدمتهم باكستان، الدولة النووية الوحيدة إسلامياً، لتدعيم سعيها لنقل «المركز الإسلامي السني إليها» مستفيدة من تقوية علاقاتها مع إيران في مقابل ارتفاع وتيرة الصراع السعودي الإيراني، وحاجة موسكو إلى أنقرة في صراعها مع الناتو ومعالجة ملف السوري، والانسحاب الأميركي من سورية والذي يستثمره النظام التركي ليقدم نفسه حليفاً مؤثراً للنفوذ الأميركي بشكل غير مباشر في سورية والمنطقة.
أما الخيار الثاني فإن الرياض تسعى إلى الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة عبر إعادة مقاربة التفاهم القديم «س_س» ليتعدى إطار العقدة اللبنانية، فالسعودية تبحث عن مفاعيل من التنسيق لحل تأزم وضعها في اليمن والعراق ولبنان ضمن تفاهم مع سورية للعب دور وسيط مع طهران لحل هذه الملفات، وضمن هذا الخيار والمسعى يمكن أن يتحول التوازن إلى ثلاثي أو رباعي في حال انضمام مصر والعراق إليه، ولكن مثل هذا التوازن لن تقبل به دمشق لاستهداف إيران بل لتخفيف حدة الصراع العربي مع طهران.
ثاني الأسباب يكمن في حاجة الكثير من الدول العربية إلى التنسيق الأمني مع دمشق في احتواء خطر عودة الإرهابيين العرب إلى بلادهم أو إعادة استثمارهم لاستهداف أمن بعض الدول العربية في إطار صراع النفوذ القائم في المنطقة على غرار السلوك التركي في نقل الإرهابيين من الشمال السوري للانتقام من مصر في سيناء وللسيطرة على الهلال النفطي في ليبيا.
ثالث الأسباب يصب تحت عنوان «كعكة إعادة الإعمار»، حيث ستشكل الساحة السورية وفق دراسات عالمية عديدة مركزاً اقتصادياً جاذباً خلال الأعوام العشرة القادمة، ورغبة بعض الدول الخليجية والعربية في أن تحصل على نصيب لها في هذا المسار، وبخاصة أن معظم هذه الدول تعاني أزمات اقتصادية وتبحث عن مشروعات اقتصادية استثمارية تساعدها على إعادة نمو اقتصادها، ومنها الشركات العابرة للقارات التي تتخذ من الإمارات المتحدة أحد نقاط ارتكاز لها في العالم توجه جل اهتمامها نحو دمشق والدول المحيطة بها باعتبارها بوابة الدخول إليها، كما تفعل الصين بهذا التوقيت تماماً حيث تسعى إلى توقيع اتفاق تفاهم مع الحكومة اللبنانية لتوسيع مرفأ طرابلس وجعله أحد جسور العبور نحو الإعمار السوري.
كلام الرئيس بشار الأسد لجنود الجيش العربي السوري خلال زيارته لأحد نقاط الاشتباك في الغوطة الشرقية في آذار الماضي: «أنتم اليوم تخوضون معركة العالم ضد الإرهاب، وليس معركة سورية فقط، وكل رصاصة أطلقتموها لقتل إرهابي، كنتم تغيرون بها ميزان العالم، وكل سائق دبابة كان يتقدم متراً للأمام كان يغير الخريطة السياسية للعالم»، تترجم اليوم عربياً وقريباً دولياً، ودمشق التي سعت أكثر من 86 دولة إلى إسقاط دولتها ستشهد خلال الأشهر القادمة «حجاً دبلوماسياً» على المستوى الدولي، فالمنتصر اليوم هو الذي يحدد شروط اللعبة وشكل التحالفات والاصطفافات السياسية، من دون إغفال المسعى الأميركي التركي الإسرائيلي في خلط الأوراق مجدداً في الشمال السوري سواء عبر الترويج لخرائط تقسيمية ملونة لإيجاد نوع من التحالف بين حلفاء واشنطن الأعداء في الاستمرار باستهداف سورية، أم للمشروع التركي في تعويم «جبهة النصرة» في إدلب وفرضها كأمر واقع لتنفيذ سيناريوهات أشار إلى إحداها مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون أثناء زيارته للمنطقة مهدداً سورية بذريعة الكيميائي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن