قضايا وآراء

العولمة الأميركية وألمانيا وأوروبا

| تحسين الحلبي

ترى مجلة «دير شبيغل» الألمانية الإلكترونية في عددها الأول للعام 2019 أن «العالم أصبح الآن عالماً من دون أميركا» والمقصود من دون وجود للنظام العالمي الأميركي القادر على فرض شروطه وأن «حلف الأطلسي لم يبق منه سوى اسمه» ودعت الحكومة الألمانية إلى الإسراع في «عودة ألمانيا إلى امتلاك قوة عسكرية كبيرة لحماية مصالحها» وطالبت بزيادة الميزانية العسكرية التي بلغت 70 مليار دولار في عام 2018.
وذكرت مجلة «الاشتراكي العالمي» الألمانية في السابع من كانون الثاني الجاري في نسختها الإلكترونية أن معظم وسائل الإعلام الرئيسة الألمانية تطالب حكومة ميركل بانتقال ألمانيا إلى احتلال موقع الدولة الأقوى عسكرياً في أوروبا للمحافظة على مصالحها الاقتصادية كقوة اقتصادية كبرى في عالم جعل فيه الرئيس دونالد ترامب الولايات المتحدة تتخلى عن اهتمامها بالتنسيق مع الدول الأوروبية وفرض قوانين اقتصادية غير ليبرالية ومواقف سياسية أحادية مناقضة للتعددية المشتركة مع أوروبا.
وأشارت مجلة «سود دويتشه تسايتونغ» واسعة الانتشار في الوقت نفسه، إلى أن «سياسة ترامب أصبحت تشكل أكبر التحديات لألمانيا» وأن «أوروبا الجديدة والولايات المتحدة لم تشهدا في تاريخهما انقساماً مماثلاً لهذا الانقسام في هذه الظروف» وخصوصاً بعد أن استقال وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس من منصبه بسبب سياسة ترامب وهو الذي كانت تعتمد عليه أوروبا في تعديل وتصحيح مواقف ترامب الأحادية تجاه أوروبا.
وهناك عدد من المسؤولين في الاتحاد الأوروبي الذين يحذرون من مضاعفات التحولات التي ستطرأ على أوروبا بعد آذار المقبل والانتهاء الرسمي لعملية خروج بريطانيا من الاتحاد وكذلك من مرحلة ما بعد التظاهرات الضخمة في فرنسا ضد سياسة الرئيس إيمانويل ماكرون الاقتصادية.
هذه الدول الثلاث ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تشكل الأساس الذي تعتمد عليه أوروبا في المحافظة على استقرار سياساتها وانسجام هذه السياسات مع السياسة الأميركية وعندما ستشهد الساحة العالمية انقساماً وتنافساً غير مسبوقين داخل أوروبا وفي ساحة العالم بين هذه الدول الثلاث من جهة وبين الولايات المتحدة من الجهة الأخرى فسوف يولد ذلك اختفاء آخر مظاهر النظام العالمي الأميركي وبداية ظهور مرحلة انتقالية عالمية لبناء نظام جديد يتحدد شكله ومضمونه بحسب موازين القوى ولهذا السبب أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في خطابها للعام الجديد أنه «آن الأوان لألمانيا أن يزيد اعتمادها على قدراتها العسكرية في الدفاع عن نفسها».
بالمقابل ستواجه بريطانيا في 29 آذار المقبل وضعاً داخلياً غير مسبوق بموجب معظم التوقعات بسبب التظاهرات والاحتجاجات الشعبية الواسعة على سياسة الحكومة البريطانية وتمسكها بالخروج من الاتحاد، ويبدو أن المسؤولين في بريطانيا شرعوا منذ الآن بالاستعداد لمواجهة هذه الاحتجاجات فأعدوا 50 ألفاً من الجنود البريطانيين أكثر من نصفهم من القوات النظامية والبقية من قوات الاحتياط لمساعدة قوات الشرطة في القيام بصد هذه الاحتجاجات وإخمادها.
ويجمع معظم المحللين السياسيين في ألمانيا بأن الوضع العالمي بعد سياسة «الفوضى والتراجع التي اتخذها ترامب في السنتين الماضيتين تزايدت فيه عوامل الاضطراب ولم يعد يشبه عهد الحرب الباردة قبل التسعينات ولا عهد الحرب على الإرهاب بعد عام 2001 وتحديداً بسبب الشرخ الحاد الذي ولدته سياسة ترامب في العلاقات الأميركية الأوروبية في السنتين الماضيتين ومضاعفات خروج بريطانيا من الاتحاد».
كما يتفق معظم المسؤولين في ألمانيا وفرنسا بأن المستفيد الأكبر من هذا الوضع هو روسيا الاتحادية لأنها الدولة التي تمكنت من فرض مصالحها في أوروبا والعالم معاً وزادت من قدراتها العسكرية إلى حد جعل النفوذ والهيبة العسكرية الأميركية تتراجع في مناطق متعددة أهمها منطقة الشرق الأوسط التي تشكل بؤرة تنافس القوى الكبرى على التأثير والنفوذ.
من جانبهم يعتقد بعض المسؤولين الأميركيين سابقاً أن حجم الخراب الذي تسبب به ترامب للسياسة الأميركية الخارجية ومصالحها في أوروبا والعالم سوف يحتاج أي رئيس أميركي غيره إلى زمن طويل لإصلاحه.
ويرى فيليب جيرالدي الرئيس التنفيذي لـ«مجلس المصلحة الأميركية» أن ترامب يواجه معارضين داخل الجمهوريين والديمقراطيين وبين رجال إدارته للسياسة الخارجية التي اتبعها وسوف يواجه صعوبات متزايدة منهم لكنه في النهاية سيظل يفعل ما يريد على طريقته التي لم تعجب الحلفاء ولا الأصدقاء، ويتوقع جيرالدي أن يشهد عام 2019 أكبر التغيرات في السياسة الخارجية الأميركية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن