قضايا وآراء

مثلث التحديات لأوروبا العجوز: الإرهاب، الشيخوخة، الهجرة

د. قحطان السيوفي : 

تواجه دول الاتحاد الأوروبي تحديات عديدة في مقدمتها؛ الشيخوخة المعمرة، نقص اليد العاملة، بالإضافة للإرهاب الذي أصبح خطراً فعلياً… دون أن ننسى الهجرة غير المشروعة التي تثير جدلاً سياسياً حاداً… مع تزايد الخوف من عودة الإرهابيين من دول عربية سبق لعدد من حكومات أوروبا العجوز أن دعمت إرهابهم، بشكل مباشر وغير مباشر، في هذه الدول وهذا ما جعل العلاقة المتشابكة بين هذه التحديات تشكل مصدراً للقلق، وعدم الاستقرار في العديد من دول أوروبا، ناهيك عن تدهور الوضع الاقتصادي في القارة العجوز.
لاشك أن سكان أوروبا الذين يشيخون يضعون دول الاتحاد الأوروبي، واقتصاداتها في وضع صعب بسبب النقص المتزايد في الأيدي العاملة… وتعتبر أحداث الشرق الأوسط والاضطرابات التي شهدها مع ما سمي الربيع العربي – في رأي البعض – وسيلة لتأمين بعض النقص في الأيدي العاملة عن طريق الهجرة المشروعة، وغير المشروعة، مع ما تحمله هذه الأخيرة من مآسٍ. تحديات نقص اليد العاملة بسبب ضعف الولادات، والشيخوخة المعمرة تعتبر من التحديات الكبيرة التي تواجه دول أوروبا اليوم وخاصة ألمانيا – أقوى اقتصاد في أوروبا – وتشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أنه من المتوقع أن تنخفض نسبة الفئة العمرية في ألمانيا من (15) عاماً إلى (13%)، وهذه النسبة من أدنى النسب المئوية في العالم. ونسبة السكان الذين فوق (60) عاماً يتوقع أن ترتفع من (27%) إلى (39%) في العقود الثلاثة المقبلة. ألمانيا دولة ذات اقتصاد قوي، ومعدل بطالة منخفض وعدد السكان في سن العمل في انخفاض، وهذا يشكل ضغوطاً اقتصادية، وديمغرافية كبيرة جداً. يعترف وزير المالية الألماني فولفانج شويبله (أن التغير الديمغرافي واحد من التحديات الكبيرة التي نواجهها). التحدي الديمغرافي في ألمانيا بدأ بعد الحرب العالمية الثانية… واختارت النساء الوظائف وفضلنها على إنجاب الأطفال.. بعد توحيد ألمانيا عام 1990 توسعت ألمانيا في فتح رياض
الأطفال وبقيت المشكلة مستمرة، يقول تقرير دوتشيه بنك: (على الرغم من الاستثمارات الضخمة في سياسة الأسر، لم ترتفع معدلات الخصوبة قط). ألمانيا شجعت عمل النساء، ويوجد الآن حوالي (54%) من النساء في سن العمل يعملن، مقارنة بـ(43%) عام 1990. مع قلة عدد الولادات أصبحت ألمانيا دولة معمرة وهناك واحد من (20) ألمانياً فوق سن (80) عاماً. قرية (أوتيشتاين) الصغيرة في شمال ألمانيا أغلقت مدارسها بسبب عدم وجود أطفال. بادر (عمدة ) القرية إلى إعطاء أراضي القرية مجاناً لمن هم على استعداد للانتقال للعيش في تلك القرية، بشرط أن يكون لدى السكان الوافدين أطفال ويعتزمون إنجاب المزيد منهم، وقد وافقت (30) عائلة على القدوم إلى القرية.
بالمقابل فإن أحداث الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والاضطرابات الناجمة عن التنظيمات الإرهابية… أدت إلى تزايد عدد المهاجرين إلى أوروبا، ويلاحظ أن ألمانيا شجعت استقبال المهاجرين الشباب في سن العمل، واستقبلت (400) ألف سنوياً خلال كل من العامين الماضيين. يقول المدير الإداري لاتحاد أرباب العمل الألماني (هناك نقض يقدر بـ(350) عاملاً، والهجرة لا تكفي لحل المشكلة.).
المفوضية الأوروبية تتوقع أن ترتفع التكلفة الإجمالية للمسنين في ألمانيا من (19%) من الناتج الإجمالي في عام 2013 إلى (23.8%) عام 2060 على افتراض أن النمو الاقتصادي يبلغ (1%)… رداً على ذلك تعمل الحكومة الألمانية على زيادة سن التقاعد الرسمي… في عام 2013 كان (36%) من الناخبين أعمارهم (60) عاماً فأكثر، ويسعى السياسيون للتودد لكبار السن، لأسباب انتخابية. بشكل عام صناديق التقاعد في الدول الأوروبية المدعومة من الحكومة تتعرض للضغط بسب ارتفاع عدد المتقاعدين، بالتوازي مع تراجع عدد السكان في سن
العمل… بالمقابل يلاحظ تزايد أنشطة الحركات السياسية اليمينية المتطرفة في أوروبا، التي تعارض وجود المهاجرين واللاجئين وترافق ذلك مع تزايد خطر الإرهاب، وعودة الإرهابيين من سورية والعراق إلى الدول الأوروبية التي يحملون جنسياتها، وما يشكله ذلك من أخطار حقيقية داهمة تهدد عملياً استقرار المجتمعات الأوروبية حاضراً، ومستقبلاً، ويبدو أن أوروبا تدفع اليوم ثمن الأخطاء التي اقترفتها وخاصة ما يتعلق منها بدعم بعض هذه الدول الأوروبية (وخاصة فرنسا وبريطانيا) التي فقدت نفوذها الاستعماري… للحركات الإرهابية بشكل مباشر، وغير مباشر، وبالتحالف مع دول إقليمية في الشرق الأوسط وقد ارتدت هذه الأخطاء على أوروبا العجوز تزايداً في الأعمال الإرهابية، وتزايداً للهجرة غير المشروعة من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقية التي استشرى فيها الإرهاب، مع ما يحدثه ذلك من ضغوط سياسية واقتصادية، لتصبح ثلاثية (الإرهاب، الشيخوخة، والهجرة) مثلث رعب لحاضر ومستقبل مجتمعات القارة الأوروبية العجوز.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن