ثقافة وفن

خلطة النجاح لا يعرف سرها أحد … محمد العدل: فيلم «الدرجة الثالثة» لسعاد حسني وأحمد زكي سقط سقوطاً ذريعاً

| القاهرة: لونا بوظو

على الرغم من الأزمة التي تعاني منها صناعة السينما والدراما المصرية والتي تفاقمت بشكل كبير في الآونة الأخيرة وبشكل انعكس سلبا على كمية ونوعية الناتج الفني فيها، إلا أنه ومع ذلك لا تزال هناك بعض المحاولات الجادة لرواد أثروا حياتنا الفنية والثقافية بأعمالهم الفنية المميزة من أجل إيجاد حلول ناجعة ستشكل خطوات واسعة نحو الأمام في انفراج الأزمة الحالية.
والدكتور محمد العدل هو أحد هؤلاء الرواد المستنيرين الذين حظيت جهودهم المخلصة في التصدي لهذه المهمة البالغة الصعوبة في دفع عجلة الإنتاج السينمائي وإعطائها بعدها الحضاري الذي يريد والذي يتناسب مع طموح مشاهديه، بتقدير واهتمام جميع العاملين والمهتمين بالمسألة الفنية.

«العدل جروب» شركة إنتاج سينمائية تشكلت من أخوة جمعهم حب الفن على اختلاف دراساتهم ومواهبهم، كيف تشكلت لديكم هذه الفكرة؟
– أول من عشق العمل الفني ومارسه في العائلة هو شقيقي المرحوم الفنان سامي العدل وهو أيضاً أول من ابتدأ العملية الإنتاجية عندما أسس شركة «العدل فيلم»، أما عن سبب اتجاهي أنا شخصياً للإنتاج وتأسيسنا شركة إنتاج أخرى هي «العدل جروب» فكان بسبب واقعة معينة، فقد أخذت سيناريو فيلم أعجبني إلى شقيقي سامي لكي يقوم بإنتاجه ولكن فكرة الفيلم لم تعجبه فرفضه وأنا كنت على عكسه من أشد المتحمسين لموضوع الفيلم، لذلك قررت أنا وشقيقي مدحت كاتب السيناريو وشقيقي جمال تأسيس شركه لإنتاج الفيلم، وبالفعل هذا ما حصل وأطلقنا على الشركة اسم «العدل جروب» وخرج الفيلم للنور وحقق نجاحاً كبيراً بأعلى الإيرادات، والفيلم كان طبعاً «صعيدي في الجامعة الأميركية» بطولة محمد هنيدي، فكانت هذه هي نقطة الانطلاقة وبعدها توالت المشاريع الأخرى واستمررنا حتى الآن والحمد لله.

وما صحة الإشاعة التي تقول إنه سيتم عمل جزء ثانٍ لفيلم صعيدي في الجامعة الأميركية؟
– نحن لا نزال في مرحلة دراسة ومناقشة الفكرة ولم نتخذ قراراً نهائياً بعد.

لماذا اتجهتم بعد ذلك للإنتاج في الدراما التلفزيونية؟
– نحن نخطو الخطوة الأولى وننتظر النتائج، فإن كانت مشجعة فسنستمر وهذا ما حصل، فبعد نجاحنا في الإنتاج السينمائي قررنا التوجه للدراما التلفزيونية لأنها ضيفة كل منزل وخاصة في شهر رمضان المبارك، وفعلا كان باكورة إنتاجنا مسلسل «حديث الصباح والمساء» من بطولة الفنانة ليلى علوي عام 2000، والمسلسل حقق نجاحاً كبيراً وأثنى عليه جميع النقاد لدرجة أنه أصبح علامة فارقه في الدراما التلفزيونية والتي صنفت إلى ما قبل حديث الصباح والمساء وما بعد حديث الصباح والمساء.

نجاحكم الكبير في مجال الدراما التلفزيونية جعل أي مسلسل بتوقيع «العدل جروب» يحظى بأكبر نسبة من المشاهدة! فهل السبب يعود برأيك للنصوص القوية؟ أم للمعالجة الدرامية؟ أم لتوخي الدقة باختيار الممثلين؟ أم للإخراج المميز؟
– هل تريدين مني أن أقول كلام الصحف المنمق (الصدق.. ووو… الخ) خلطة النجاح لا أحد يعرفها وإلا لحققت جميع الأعمال الفنية النجاح ولما أخفق أحد، نحن في شركة «العدل جروب» نبذل قصارى جهدنا في انتقاء الموضوع الجيد… السيناريو الأنسب.. المخرج الأفضل، أي إننا نعمل بالأصول وليس العكس (بالمقلوب) وأقصد بذلك أن يأتيني أحد الفنانين الكبار على سبيل المثال ويطلب مني أن أنتج له فيلماً أو مسلسلاً وأبدأ بتفصيل دور وقصة تناسبه، هذا الأمر مرفوض لأن ما يهمنا في الدرجة الأولى الموضوع، سيناريو الفيلم، ومن ثم تبتدئ رحلة البحث عن المخرج المناسب، وبعد أن ننتهي من تنفيذ جميع مراحل المسلسل وفق رؤيتنا وعلى الوجه الأكمل ويصبح جاهزا للعرض ننتظر النتائج فإن كانت مرضية ونجح العمل نشكر اللـه وإذا اخفق فلا يسعنا القول إلا أدي ربنا ودي حكمته.

من المعروف أن الجمهور لا يقبل إلا على مشاهدة الأعمال التي تقوم ببطولتها أسماء كبيرة من الفنانين، فهل لهذا السبب غالبا ما تتعاونون مع يسرا، نيللي كريم، محمد رمضان في أغلب أعمالكم؟
– أنا لا أتعامل من المنظور الذي قلته، بالنسبة لي المسألة برمتها تتعلق بالارتياح، فعلى سبيل المثال أنت صحفية ارتحت لك فوافقت على إجراء الحوار الحالي معك على حين أنني أرفض إجراء حوار مع صحفية أخرى لا أرتاح لها، الأمر نفسه عندما يتعلق الأمر بالعمل فأنا أختار من أرتاح للعمل معه سواء أكان مخرجا أم فنانا.. أو أي شخص آخر، والجميع لعلمك يعمل في الإطار ذاته، أقصد «الارتياح»، ولكي أوضح بشكل أكبر عندما أقرأ «سيناريو» ما ويعجبني وأرى أن دور البطولة ينطبق على الفنانة يسرا وهي من أكثر الفنانات اللاتي أرتاح بالتعامل معهن فلن أبحث عن غيرها والأمر ذاته ينطبق على نيللي كريم، محمد هنيدي ومحمد رمضان وغيرهم من الأسماء المعروفة.

أعلى سعر، تحت السيطرة، فوق مستوى الشبهات، سجن النساء.. جميعها مسلسلات من إنتاجكم كانت البطولة المطلقة فيها نسائية! فهل السبب وراء ذلك يعود للتعاطف الكبير الذي يبديه المشاهد مع المواضيع التي تتعلق بقضية المرأة؟
– أنا لا أنكر أن المسلسلات التي يتناول موضوعها بعضاً من القضايا الاجتماعية المتعلقة بالمرأة تشكل عامل جذب جماهيرياً ولكن لم يحدث أن وضعت هذا الأمر نصب عيني وأنا أختار العمل الذي سيحمل توقيع العدل جروب، لأنني كما سبق أن أخبرتك أبحث عن القصة التي تجذبني.. عن السيناريو الجيد وعندما أحصل عليه أقوم بإنتاجه فورا، الأمر هو محض مصادفة، مواضيع الدراما التي اخترناها كانت بأغلبيتها بطولتها نسائية، موضوع العمل الدرامي هو ما يحدد البطولة إذا كانت لرجل أو امرأة. فهل يعقل مثلا أن آتي ببطولة رجالية لمسلسل تدور أحداثه عن سجن النساء أو عن «ريا وسكينة»!

والى أي درجه تستطيعون المغامرة في تقديم أعمال فنية من بطولة وجوه جديدة؟
– أنا من المؤمنين بالشباب وبإعطاء المواهب الواعدة منهم الفرصة المناسبة لإثبات نفسهم على الساحة الفنية، ونحن من خلال العدل جروب اكتشفنا الكثير من النجوم المعروفين كمحمد هنيدي الذي أسندنا إليه دور البطولة المطلقة في «صعيدي في الجامعة الأميركية» أحمد السقا، منى زكي، غادة عادل التي كانت تشارك ببدايتها بفيديو كليب لهاني شاكر.. منى شلبي في مسلسل «حديث الصباح والمساء»، أميرة فتحي، فتحي عبد الوهاب، هاني رمزي، حتى الفنان محمد رمضان على الرغم من أن انطلاقته الفنية ابتدأت من مسرحية «قاعدين ليه» مع الراحل سعيد صالح إلا أن الاكتشاف الحقيقي له كان في العام نفسه معنا من خلال «مسلسل أحلام عادية» مع يسرا وما يزال التعاون معه مستمرا فقد قام ببطولة مسلسل «نسر الصعيد» لنا في رمضان الفائت كما سيقوم قريبا ببطولة فيلم «بطل عادي» من إنتاج العدل جروب.

وما السبب برأيك وراء حجم الشعبية الكبيرة التي يحظى بها الفنان محمد رمضان؟
– محمد رمضان فنان مميز صاحب حضور قوي وجاذبيه شديدة ومحبوب جداً من الشباب بالذات وهم الأغلبية التي تحدد بدورها حجم شعبية نجم ما، لأن الشرائح العمرية للجمهور تتغير كل 10 أعوام تقريباً بسبب ظهور أجيال جديدة ترفض مشاهدة أبطال الجيل الذي سبقها، ومع كل جيل جديد يظهر بطل جديد على الساحة الفنية وهذا ما يفسر مثلا صعود نجم الفنان محمد هنيدي ومن ثم الفنان محمد سعد والآن محمد رمضان، فالصدارة الفنية التي يتمتع بها كل نجم جماهيري لا تتعدى العقد الواحد من الزمن وطبعا هناك استثناءات كالفنان الكبير عادل أمام والفنانة يسرا.

وإلى أي درجه من الممكن أن تتدخل في عمل المخرج وخاصة من ناحية انتقائك للفنانين؟
– أنا لا أتدخل في عمل المخرج على الإطلاق لأنني عندما أختار النص أقوم باختيار المخرج الذي أراه الأنسب لإخراج النص على الشكل الأمثل، وأتفق معه على التكلفة الكلية للعمل، وبعد أن يبتدئ بالعمل تبتدئ مهمته وتقتصر مهمتي على مراقبة مراحل تنفيذ العمل الفني، وعلى سبيل المثال في (فيلم ولد وبنت) الذي كان يخرجه ابني كريم اضطررت للسفر وخلال سفري خابرني مدير الإنتاج كي أشتري معدات جديدة طلبها المخرج لزوم العمل فرفضت لأنني التزم بالاتفاق حرفيا «وأنا في رفضي كنت مخطئا لأن الفيلم كان بالفعل يحتاج لتلك المعدات» وهذا الأمر ينسحب على جميع قراراتي الأخرى، فأنا مؤمن بأن المخرج هو رب العمل المطلق وهو فقط من يحق له تحديد الكادر والفنانين الذين يعملون معه وفق رؤيته الإخراجية.

تعيش السينما المصرية منذ فتره طويلة أزمة مزمنة تفاقمت مؤخراً بشكل كبير! ما سبب تفاقم هذه الأزمة التي أدت إلى شلل كبير في القطاع الإنتاجي برأيك! هل هو مثلا عزوف وزارة الثقافة عن القيام بدورها الإنتاجي كالسابق؟
– كلمة أزمة كلمة قديمة صاحبت السينما منذ عام 1935 وإن اختلفت بمفهومها لأن الصناعة السينمائية اختلفت، فالسينما الآن قد تكون إعلانية، إعلامية، فنية، تجارية وإذا لم يحصل اتفاق ضمني بين الجمهور وصناع العمل السينمائي تحصل أزمة وعلى سبيل المثال فيلم «الدرجة الثالثة» لأحمد زكي وشريف عرفة وسعاد حسني فبالرغم من أن العمل من بطولة أهم نجوم شباك تذاكر السينما إلا أن اسم الفيلم لم يكن واضحاً وصريحا لأن عبارة «الدرجة الثالثة» تعني مباراة بكرة القدم لكن الفيلم في حقيقة الأمر كان ذا مضمون سياسي وهذا الأمر لم يتفق به مع الجمهور الأمر الذي جعله يسقط سقوطا ذريعا لدى عرضه في صالات السينما، أما في الوقت الحالي فالسبب الذي أدى إلى تصاعد وتفاقم أزمة السينما المصرية هو ما حصل من احتكار وتغول من الموزعين والقنوات الفضائية التي تدخلت وبدلت طريقة التوزيع فحصل إرباك كبير في عملية البيع والشراء وبالتالي توقف الكثيرون عن الإنتاج، في السابق كانت السينما المصرية تعتمد على ما يسمى بسهولة التوزيع الداخلي والخارجي والموزع كان يعتبر شريكا في الإنتاج أما الآن فأصبح من المتعذر العمل بالنظام القديم لأننا وصلنا إلى مرحلة يتعذر فيها الإنتاج إلا من يملك مبلغ رأس المال المرصود للإنتاج كاملا غير منقوص وهذا الأمر غير متاح إلا عند قلة قليلة لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة، أما بالنسبة لوزارة الثقافة فهي تتمنى بالطبع أن تعود لسابق عهدها ولدورها الفاعل في الإنتاج السينمائي ولكن ميزانيتها المحدودة لا تسمح لها بذلك.

إذاً برأيك ما الحل الأمثل من أجل الخروج من عنق الزجاجة؟
– وجهة نظري ربما مختلفة عن وجهة نظر الكثيرين، فأنا أرى أنه لن نخرج من هذه الأزمة إلا بتضافر جهود جميع العاملين في السينما أنفسهم، بمعنى أن تتشكل شركات محدودة تتألف من العاملين في الصناعة السينمائية على اختلاف تخصصاتهم (مخرج، سيناريست مدير، مهندس ديكور، الخ…) كل منهم يضع الأجر الذي يتقاضاه داخل مشروع مشترك لإنتاج فيلم معين وما يتبقى من مبلغ قليل لاستكمال المشروع يصبح من السهل تدبره، فيلم «اشتباك» تم بهذا الشكل وكذلك جميع الأفلام التي تم إنتاجها خارج منظومة الاحتكار وإن كانت هذه العملية الإنتاجية تتم بشكل عشوائي ولكن لو تم ترتيبها وتنظيمها ضمن مجموعات صغيرة لاستطعنا حينها من تجاوز الأزمة وإعادة إحياء الصناعة السينمائية وانتعاشها من جديد.

وهل لنا أن نعرف رأيك الشخصي بما حققته الدراما السورية حتى الآن؟
– الدراما السورية خطت خطوات نوعية جداً ومميزة وخاصة في مجال الأعمال الدرامية ذات المجاميع البشرية الكبيرة، الدراما السورية وصلت بالفعل لمرحلة منافسة الدراما المصرية العريقة بتاريخها، لأنهم استطاعوا كسر حاجز اللهجة المحلية ولأنهم أدركوا مدى أهميتها في أنها عامل رئيسي من عوامل جذب المشاهدين لمشاهدة العمل الفني أو الابتعاد عنه، فالمواطن المصري مثلا لا يمكنه فهم ما يدور من أحداث في فيلم تونسي أو مغربي لعدم فهمه اللهجة المحلية لتلك البلدان على حين كنا نفاخر ونتباهى بأننا غزونا العالم العربي باللهجة المصرية لدرجة أنها أصبحت الوسيلة الوحيدة للتفاهم بين مواطني الوطن العربي في جميع أقطاره، فلو أراد مواطن مغربي التحدث مع مواطن يمني على سبيل المثال فانه يختار مخاطبته باللهجة المصرية لسهولة فهمها، أما اليوم فاللهجة العامية السورية هي من غزت مصر عبر دبلجة المسلسلات التركية والتي تبث بكثافة على مختلف المحطات الفضائية وهذا ما أعتبره الخطأ الأكبر الذي وقع فيه المسؤولون في التلفزيون المصري لإحجامهم عن عملية الدوبلاج باللهجة المصرية. ولكنه برأيي في الوقت نفسه حقق ميزة مهمة لأنه انفتاح على التراث والثقافة السورية الثرية والنتيجة أن جميع المواطنين المصريين أصبحوا يفهمون اللهجة السورية وبالذات الجيل الجديد الذي أصبح يتقن التحدث بها فمثلا ابنة أختي الصغيرة قالت لي اليوم «أنت كتير مهضوم يا خالو».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن