قضايا وآراء

خطة بومبيو غير المسبوقة وعوامل فشلها

| تحسين الحلبي

لا أحد يجب أن يشك أن وزير الخارجية الأميركي مايكيل بومبيو نقل في نص خطابه في الجامعة الأميركية في القاهرة قبل أيام للعالم العربي خطته الأميركية الجديدة وجدول العمل الذي يسعى إلى فرضه على المنطقة بلغة واضحة وفي مقدمة مواضيعه:
أولا: الدعوة لتأسيس حلف يقسم العرب ودول المنطقة حين قال: «إن إدارة الرئيس دونالد ترامب تريد تأسيس حلف استراتيجي شرق أوسطي لمجابهة أكبر خطر في المنطقة ولتعزيز التعاون في الطاقة والاقتصاد وسيضم الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن». ووجه حديثه لهذه الدول قائلاً: «واليوم نحن نطلب من كل دولة من هذه الدول اتخاذ الخطوة التالية ومساعدتنا على تمتين التحالف الاستراتيجي الشرق أوسطي». ولكي يتجنب حساسية ذكر إسرائيل أشار مباشرة بعد هذا الطلب إلى «زيارة (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو العلنية إلى مسقط والى أشكال التقارب العلني الأخرى بين إسرائيل وبعض دول الخليج وخصوصا السعودية»، وكأنه أراد في خطابه القول إن العوائق والعقبات التي تمنع التطبيع زالت ولا بد أن يكون لإسرائيل مكان أو دور في هذا الحلف طالما أنها دولة من دول الشرق الأوسط وربط هذه الحقيقة مع قوله: إن «إجراءات كهذه نحو التقارب (مع إسرائيل) ضرورية من أجل تحقيق أمن أكبر في مجابهة التهديدات المشتركة ولأن ذلك يبشر بمستقبل مشرق جداً للمنطقة»، وهو هنا يريد أن تقوم واشنطن بإخراج «مشروع الشرق الأوسط الجديد» إلى الحياة بعراب أميركي مباشر هذه المرة بعد أن أحبطته الدول العربية في التسعينيات حين دعا إليه شمعون بيريس وكذلك بنيامين نتنياهو في كتابين منفصلين.
وفي الخطاب نفسه يوزع بومبيو مهام الحلف المقترح قائلاً: «إن الولايات المتحدة لا تعمل لوحدها وهي تعرف أننا لا نستطيع ولا يجب أن نقاتل في كل قتال أو نحمي كل اقتصاد ولا يجب أن تعتمد دولة على أخرى إن هدفنا هو، وكررها مرتين، أن نتشارك مع أصدقائنا بحيوية في مقاومة أعدائنا لأن شرق أوسط قوياً وآمناً ومزدهراً اقتصادياً هو في مصلحتنا القومية وفي مصلحتكم أيضاً». وأضاف: «وأنتم تعرفون أن الرئيس ترامب يريد منكم زيادة في عملكم وفي هذا الجهد سنسير إلى الأمام معاً»، وأضاف: «وبالرغم من الوضوح هنا إلا أنني أكرر أننا ندعم حق إسرائيل التام بالدفاع عن نفسها ضد عدوان النظام الإيراني وسنستمر في ضمان قدرة إسرائيل على القيام بهذه المهمة بشكل حاسم كما ندعم بقوة الجهود الإسرائيلية لمنع إيران من تحويل سورية إلى لبنان أخرى».
وهذا يعني أن واشنطن لن تتوقف عن تحويل إسرائيل إلى أكبر قوة إقليمية تتفوق على كل دول المنطقة، ولم يتطرق إلى الفلسطينيين إلا بعشر كلمات تقريباً في خطاب من 3500 كلمة حين قال: «إن إدارة ترامب ستواصل الضغط من أجل سلام دائم بين إسرائيل والفلسطينيين»، وتابع بعدها: إن واشنطن اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقلت السفارة إليها وكان قد قال في مقدمة كلمته: «إن قوة أميركا للخير في الشرق الأوسط ويجب الاعتراف بهذه الحقيقة وإذا لم تعترفوا فسوف تكونوا أمام خيارات سيئة»؟!
والسؤال الآن هل سينجح بومبيو فيما لم يستطع النجاح بتحقيقه رئيسان لحكومة إسرائيل دعمت فكرتهما أميركا بشكل كامل؟
أولا: إن مصر لا يمكن أن توافق على حلف كهذا والمملكة الأردنية لم تستطع عام 1955 الانضمام لحلف أسسته بريطانيا مع تركيا وإيران وباكستان والعراق على غرار ما يريده بومبيو الآن، وهزم حلف بغداد في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ثم انهار بعد ثورة تموز في العراق عام 1958 وانتهى وجوده عام 1979 بعد سقوط شاه إيران.
ثانياً: ما زالت الخلافات بين دول مجلس التعاون الخليجي بلا حل فقطر تناهض السعودية، ومصر والسعودية من جهتهما تحاصران قطر، بينما تدعم تركيا قطر ضد مصر والسعودية، ولم يذكر بومبيو تركيا في خطابه وهي التي كان لها عضوية في كل مشاريع الأحلاف في المنطقة!
ثالثاً: ما تزال أوروبا لها مصالح مع إيران ودول أخرى في المنطقة ولم يذكر بومبيو لها دوراً وهي تؤسس لدور أوروبي جديد خارج دائرة الهيمنة الأميركية.
رابعاً: إن وجود تحالف روسي إيراني ومناورات عسكرية مشتركة للدولتين وتحالفهما مع سورية وزيادة تمتين هذا التحالف الثلاثي وارتباطه بمصالح مشتركة بعيدة المدى سيجعل دولا يريدها بومبيو في حلفه تواجه صعوبات في تسليم مصيرها لحلف مع الولايات المتحدة التي تراجع نفوذها وقوتها في المنطقة باعتراف بومبيو ونتنياهو.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن