قضايا وآراء

أيها الكرد: لا تكونوا الضحية

| مازن جبور

التناقض الحاصل في التصريحات الأميركية على خلفية قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسحب قوات بلاده من سورية، انتقل إلى وسائل الإعلام الأميركية التي باتت لا تنشر الخبر أكثر من ساعات معدودة حتى تضطر لحذفه ونشر خبر جديد بدل من القديم، فبعد أن نشرت وكالة «أسوشيتد برس» الأميركية خبراً قالت فيه إنه بيان تلقته من المتحدث باسم «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن، مفاده أن الولايات المتحدة بدأت بسحب قواتها من سورية، عادت بعد بضع ساعات لتحذف الخبر وتنشر بدلا عنه بياناً يقول إن واشنطن بدأت في عملية سحب لبعض العتاد من سورية في حين لم تقم بسحب أي من جنودها بعد.
ولا بد من التذكير أنه ومع استعداد واشنطن للانسحاب من سورية، بدأت تركيا تتهيأ للاعتداء على منطقة شرق الفرات، خصوصاً أن قرار ترامب جاء بعد تصريحات أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أشار فيها إلى «الرد الإيجابي» للبيت الأبيض على الحملة العسكرية التي تخطط تركيا لها شرق الفرات، والتي تهدف بحسب زعم أردوغان، إلى «إخلاء شرق الفرات من الإرهابيين الانفصاليين في غضون أيام قليلة» والمقصود هنا «وحدات حماية الشعب» الكردية.
قرار الانسحاب منذ البداية كان قراراً غير مكتمل باعتباره في اللحظة ذاتها صدر حاملاً معه مبررات التنصل منه، إذ إن القرار صدر عن البيت الأبيض ولم يكن بمثابة قرار أميركي إستراتيجي متفق عليه من قبل الدولة العميقة في الولايات المتحدة، وهو ما أظهرته مجموعة البيانات والتصريحات المتناقضة الصادرة عن الجهات الأميركية المختلفة، هذا الأمر جعل القرار دون أطر تنفيذية أي من ناحية الجدول الزمني وآليات التنفيذ، وفي الوقت ذاته كان القرار يحمل في طياته إمكانية التأجيل والتأويل والمراوغة في التنفيذ، بما يمكّن متخذه من التراجع عنه، وهذه المبررات من قبيل أن مهمة الولايات المتحدة لا تزال غير مكتملة في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي وأن واشنطن لن تنسحب قبل أن تضمن الأمان لحلفائها الكرد.
أحدث القرار عملية إعادة خلط للأوراق في منطقة الشرق الأوسط عموماً وسورية خصوصاً، وإذا كانت الإدارة الأميركية تهدف حقاً إلى تحقيق أهدافها المعلنة في سورية، فكان بإمكانها أن تتخذ مساراً بديلاً غير الانسحاب، الذي لن يكسب واشنطن إلا السمعة السيئة على المدى الطويل، وسيُضعف فيما إذا تم فعلاً أي دور لها في أي مفاوضات حول مستقبل سورية.
إلا أنه يمكن فهم القرار والتناقضات الأميركية حوله، بأنه ذو طبيعة تفاوضيه غير استراتيجية، يمنح الادارة الأميركية فرصة التنصل من أهدافها المعلنة لتبرير وجودها في سورية، بالاضافة إلى أنّه سيجعل الجهات الفاعلة الإقليمية في سورية تعتمد على روسيا لتحقيق مصالحها، وبالتالي زيادة في النفوذ الروسي على حساب النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، إلا أنه يمكن فهم القرار الأميركي المفاجئ كما يلي:
– يمثل قرار الانسحاب أداة أميركية جديدة لخلط الأوراق في سورية بما يمكن واشنطن من الدخول مجدداً إلى الحل السياسي للأزمة السورية بعد ضرب مسار «أستانا» من خلال وضع كل من روسيا وإيران في مواجهة تركيا شرق الفرات، ولعل اجتماع رؤساء الدول الضامنة روسيا وتركيا وإيران، القادم في موسكو، يعطي مؤشرات عن انعكاس القرار الأميركي على مسار «أستانا»، وعلى الوضع في إدلب خصوصاً بعد تصفية «جبهة النصرة» لبعض مرتزقة تركيا في شمال البلاد.
– كذلك فإن القرار سيكون له تأثير على العلاقات الأميركية التركية، التي ستدخل مرحلة جديدة يمكن أن يتم فيها حل قضايا قديمة أخرى على الأجندة الثنائية بطريقة مماثلة، وبما يعيد اصطفاف الحليف التركي في حلف شمال الأطلسي «ناتو» إلى الجانب الأميركي.
– هدد أردوغان بتوغل تركي وشيك في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سورية، الأمر الذي كان سيعرّض القوات الأميركية المتواجدة هناك فيما لو انسحبت للخطر، فيكون القرار بذلك قد ساهم في تأجيل العملية التركية وهو ما أعلنه أردوغان في وقت لاحق على القرار.
– قبل قرار الانسحاب، كانت تركيا، تغازل روسيا بفكرة شراء نظام S-400 بدلاً من نظام باتريوت الأميركي، في أعقاب القرار، وافقت تركيا على شراء النظام الأميركي مقابل 3.5 مليارات دولار. بالإضافة إلى ذلك، أكد البيت الأبيض أن ترامب يفكر في تسليم الزعيم التركي المعارض فتح الله غولن إلى النظام التركي.
وفي ظل ما سبق فإن هناك سيناريوهين محتملين لشرق سورية:
السيناريو الأول: أن الولايات المتحدة ستنسحب من سورية، الأمر الذي يترتب عليه حالتان: إما تعنت كردي في تسليم المناطق التي يسيطر عليها الكرد شرق البلاد ومن ثم يقوم الجيش التركي بغزو المنطقة، إذ يعتبر أردوغان أن الانسحاب الأميركي هو ضوء أخضر لشن الهجوم الذي هدد به، والذي من المرجح أن يؤدي إلى حرب طاحنة ضد الكرد، كما سيؤدي إلى إطلاق موجات جديدة من الهجرة، ما يهدد بشكل أكبر جهود تحقيق الاستقرار في تلك المنطقة التي مازالت هشة أمام التهديد الإرهابي.
أو أن الكرد سيسعون إلى التفاوض الجدي على عودة سيطرة الدولة السورية إلى المنطقة، وبالتالي الحماية من أي عدوان تركي، وهو ما سيسمح بمزيد من الضغط من قبل روسيا وإيران ضامني «أستانا» على الضامن التركي لإنهاء ملف «النصرة» شمال البلاد.
السيناريو الثاني: أن الولايات المتحدة لن تنسحب من سورية وهو ما يعني أن العدوان التركي على الكرد شرق الفرات سينفذ، وسيكون الكرد ضحايا هذا العدوان.
أخيراً، على السوريين الأكراد أن يدركوا أن رغبة واشنطن ليست في إيقاف العملية التركية على شرق الفرات وفق ما تعلن بأنها تريد ضمان أمن حلفائها الأكراد، بل إن واشنطن ترغب في تأجيل العدوان التركي من أجل حماية قواتها التي وإن بدأت العملية قبل الانسحاب فإنها ستكون عرضة للخطر سواء من قبل الأتراك أنفسهم أو بعض الكرد الذين سينقلبون على واشنطن أو من خلايا نائمة تابعة لتنظيم داعش الإرهابي.
على الكرد أن يدركوا وبالتجربة، أنه وكما ساومت عليهم واشنطن مقابل صفقات مع النظام التركي، ستبقى تساوم عليهم حتى النهاية، ومن ثم تتخذ قراراً استراتيجياً حقيقياً بالانسحاب من سورية.
إذا يبدو أن ما أكدته موسكو من أن واشنطن غير جدية بسحب قواتها من سورية، هو حقيقة يجب النظر إليها بعين رجل العقارات ترامب، وتتطلب ألا يسمح الكرد بأن يكونوا ورقة تفاوضية بيده.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن