قضايا وآراء

تراوغ في إدلب وعينها على شرق الفرات

| مصطفى محمود النعسان

تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو التي أعلن فيها أن بلاده وروسيا قد تنفذان عملية عسكرية في إدلب إذا اقتضت الضرورة لمحاربة «جبهة النصرة»، فيها الكثير من المراوغة والكذب ومحاولة الضحك على الذقون، وذلك لسبب وعامل جوهري وأساسي ينطوي في مضمونه ويتفرع عنه عدة أسباب وعوامل، وهذا السبب والعامل الرئيس يتمثل في أن تعزيز «جبهة النصرة» الإرهابية لمواقعها في محافظة إدلب وسيطرتها على أكثر من خمسة وسبعين بالمئة من مساحة المحافظة وطردها بقية التنظيمات الإرهابية مما يسمى «الجبهة الوطنية للتحرير» وغيرها، أتت وترافقت بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قواته من الشمال السوري وهو ما تم التنسيق بشأنه مع أنقرة في أغلب الظن ذلك أنه أتى بعد المكالمة الهاتفية بين الرئيسين ترامب وأردوغان.
طبعاً هذه السيطرة لـ«النصرة» على أغلب مناطق المحافظة أتت بضوء أخضر من أنقرة بل بدعم وتقوية منها لعلم الأخيرة اليقيني أن «النصرة» هي أشد مضاءً في القتال وأكثر شراسة وثباتاً ممن لف لفها من المجموعات الإرهابية، ولهذا السبب إنما أرادت أنقرة من وراء هذا الأمر، ترك المجال لـ«النصرة» لتتمدد وتسيطر على ما استولت عليه وتكون في مقدمة الفصائل الإرهابية في إدلب ولها الكلمة الفصل على مساحة المحافظة، حسب ظنها إفساح المجال للتنظيم لكي يتمدد جنوباً نحو الريف الشمالي لمحافظة حماة ولاسيما أنه لا يخفي نواياه بالطموح نحو تحقيق هذا الهدف وهو ما يؤكده تصعيده اليومي المتكرر ومحاولاته الحثيثة والفاشلة مؤخراً من خلال ما بقي له من بؤر في بعض مناطق ريف حماة الشمالي، بالانقضاض على حواجز الجيش العربي السوري ومواقعه في المنطقة المنزوعة السلاح وفق ما نص عليه اتفاق سوتشي، وبالتالي نقض هذا الاتفاق الذي يؤكد تقاعس أنقرة الكبير والمقصود في عدم تطبيقه لأسباب تقتضيها مصالحها ومطامعها في الشمال السوري ومن ضمنه إدلب.
الحق أن الغاية الأساسية التي تبتغيها وترجوها أنقرة من وراء دعمها لـ«النصرة» وتقويتها وتمكينها من السيطرة على إدلب ومحاولة التمدد نحو الجنوب، هي محاولة إلهاء الجيش العربي السوري في هذه المنطقة وإشغاله حسب ظنها ونظرتها القاصرة، عن شرق الفرات وبالتالي سهولة السيطرة التركية على هذه المنطقة الأمر الذي فهمته القيادة السورية على حقيقته فسارعت بإرسال تعزيزات عسكرية إلى ريف حماة الشمالي مثلما سارعت إلى إرسال تعزيزات أخرى إلى شرق الفرات ومنبج.
لذلك لا يمكن أن تنطلي تصريحات أوغلو المذكورة على أي عاقل وهي تنطوي على الكثير من المراوغة والكذب والتحايل وسببها في أحسن الظن أنها جاءت نتيجة ضغوط من موسكو ولاسيما أن الأخيرة ضاقت ذرعاً بالإهمال التركي لاتفاق سوتشي والتذرع بعدم المقدرة على السيطرة على التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها «النصرة»، وهو ما يعد كذباً واضحاً ومكشوفاً تؤكده نواياها الخبيثة لغزو الشمال أو ما يسمى شرق الفرات التي تسيطر عليه «قسد»، واعتبار أردوغان أن التحضيرات لعملية عسكرية في هذه المنطقة هي في مراحلها الأخيرة مما يعني يقينه وظنه أن هذا الاجتياح سهل على قوات بلاده ويسير، فهل هناك أكثر كذباً وصفاقة ومراوغة من هذه المفارقة المتمثلة بالادعاء بالعجز وعدم القدرة على الإمساك بزمام الأمور في إدلب وتطبيق اتفاق سوتشي، والزعم أن السيطرة على شرق الفرات أمر هين ومقدور عليه وسهل ويسير؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن