قضايا وآراء

نشاط واشنطن وحشد الحلفاء ضد إيران

| أنس وهيب الكردي

ما كاد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يفتتح جولته في الشرق الأوسط حتى انحسرت الآمال بتقارب ‏عربي سوري. ‏
جاء الوزير الأميركي ليرص صفوف حلفاء بلاده في الخليج ومصر، وراء إستراتيجية أميركية أخذة في ‏التبلور ضد إيران وحلفائها في المنطقة. ومن ثم بات التقارب مع دمشق خارج السياق الأميركي، على الأقل، ‏في الوقت الحالي، ريثما يتعاظم الضغط على طهران ويثمر نتائج أكبر فيما يتعلق بتلبية مطالب إدارة ‏الرئيس دونالد ترامب منها. ‏
هذا الضغط المتجدد يترافق مع تطورين مهمين، الأول: الاستقرار في سعر النفط الخام، الذي بلغ ‏مستويات شديدة الانخفاض، تتيح لوشنطن الامتناع عن تجديد منح إعفاءات للدول المتعاملة بالنفط ‏الإيراني في شهر أيار المقبل. الثاني: وصول جهود الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي الخاصة بإنشاء الآلية ‏المالية لمواصلة التجارة مع إيران بعيداً عن العقوبات الأميركية، عنق الزجاجة، وإمكانية أن تذهب هباءً ‏منثوراً جراء الضغط الأميركي القوي. ولقد عمل الأميركيون على تطويق المقاومة الفرنسية الألمانية ‏البريطانية لسياسة العقوبات الأميركية من خلال العمل مع دول شرق أوروبا المتعطشة للدعم الأميركي ‏لمواجهة جارتها روسيا الصاعدة. وليس من قبيل المصادفة أن يختار الأميركيون وارسو عاصمة بولندا ‏لتستضيف القمة الدولية المضاد لإيران، في أجلى رسالة للعواصم الأوروبية الرافضة لندن وباريس و‏برلين لتفكيك الاتفاق النووي الإيراني. ‏
الأهم في منظور بومبيو، هو استمرار الضغط على إيران، وليس التركيز على تركيا، التي باتت دول الخليج ‏ومصر أكثر قلقاً من مخططاتها الإقليمية، منذ حتى ما قبل إعلان الرئيس الأميركي عن قراره سحب ‏القوات الأميركية من شرقي سورية. لذلك، تعطلت جهود التقارب العربي مع الحكومة السورية، فتراجع ‏الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز عن زيارته إلى دمشق، التي كانت تكاثرت التسريبات بخصوصها ‏مؤخراً. ‏
كما فرملت الدول العربية جهودها لإعادة سورية إلى جامعة الدول العربية، والأرجح لا تشارك سورية في ‏القمة الاقتصادية العربية في بيروت أو القمة العربية في تونس. ترافق ذلك مع تشديد مصر لهجتها حيال ‏العودة السورية إلى جامعة الدول العربية رابطةً، على لسان وزير خارجيتها سامح شكري، بين تحقيقها، ‏و«اتخاذ دمشق إجراءات وفق قرار مجلس الأمن 2254». وقطع شكري الشك باليقين حول تماهي موقف العديد من الدول ‏العربية مع الموقفين الأميركي والأوروبي من سورية، عندما أكد أن عودة سورية إلى الجامعة «مرتبط بتطور ‏المسار السياسي لإنهاء أزمتها». هذه التصريحات أعادت الموضوع برمته إلى المربع الأول. ‏
جاء بومبيو إلى المنطقة لطمأنة حلفاء الولايات المتحدة من الدول العربية، إلى عزم واشنطن على احتواء ‏المطامح التركية في سورية حتى وهي تنسحب من شرقي البلاد، وذلك مقابل الالتزام الصارم بالوقوف إلى ‏جانب الإدارة الأميركية في محاولتها لتقليص النفوذ الإيراني في الهلال الخصيب. يعول الأميركيون على تغيير ‏في الموقف التركي حيال الانسحاب الأميركي بعد زيارة مستشار الأمن القومي جون بولتون إلى أنقرة متسلحاً ‏بالدعم الإسرائيلي، وبموقف ترامب المشدد على حماية «قوات سورية الديمقراطية» التي تقودها «وحدات ‏حماية الشعب» الكردية، التي تعتبرها الحكومة التركية مجرد تنظيم إرهابي، وامتداداً سورياً لحزب ‏العمال الكردستاني المحظور في تركيا. وعلى حين كان بومبيو ينتقل من عاصمة عربية إلى أخرى، استهدفت ‏إسرائيل مستودعات قرب مطار دمشق الدولي، في إشارة على رفض إسرائيلي مزدوج للخطوات الانفتاحية ‏على سورية. ‏
بالترافق مع جولة بومبيو الشرق أوسطية، وصل وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، ‏ديفيد هيل، إلى بيروت «ليشدد على قلق أميركا من أنشطة حزب الله المزعزعة لاستقرار لبنان والمنطقة» ما ‏أدى إلى إلقاء مزيد من الشكوك حول قرب ولادة الحكومة اللبنانية. وما كادت الإشارات الأميركية تصل ‏تردادتها لبنان، حتى برزت لهجة جديد من رئيس « تيار المستقبل» سعد الحريري المكلف تشكيل الحكومة ‏اللبنانية، إذ سربت مصادره أنه «غير مستعد للتسليم لحزب الله بأن تكون له اليد الطولى في فرض ‏سيطرته على الحكومة» العتيدة. ‏
سيكون لهذا الحشد الأميركي للقوى في الشرق الأوسط انعكاسات على سياسات ثلاثي أستانا روسيا و‏تركيا وإيران؛ فهذه الدول تعد لعقد قمة لزعمائها خلال الأيام القليلة المقبلة، من أجل بحث سبل ‏التعامل مع المرحلة الجديدة في المنطقة بعد إعلان ترامب. ‏

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن