ثقافة وفن

أنا لم أترك سورية الوطن مطلقاً … غزوان الزركلي لـ«الوطن»: أنا فرد ولا يكفي لواحد أن يصنع تقليداً فهناك جدّيون وعليهم بالمشاركة

| سوسن صيداوي

«إن الفعل الفني الموسيقي يضع المستمع في عالم تجربة إنسانية افتراضية توازي التجربة الحقيقية الواقعية. وهدف مثل هذه التجربة الافتراضية هنا هو برأيي تنقية روح المتلقي من أي شوائب عنفية وهمجية، هو إدانة للعنف وللهمجية والظلم وتأكيد ما هو إنساني. المواساة والوصول إلى حياة شخصية واجتماعية أكثر ثقافة ورقيا وجمالا وسعادة، أليس هذا دور الفن في حياتنا؟». الجملة مرفقة بالبروشور الذي شرح فيه عازف البيانو العالمي والمؤلف الموسيقي غزوان الزركلي حفله الذي قدمه في المركز الوطني للفنون البصرية بدمشق، ضمن حفاوة من جمهوره المهتم والمتذوق لهذه النوعية من الموسيقا. وعن برنامج الحفل قدّم العازف وجبة موسيقية دسمة من السوناتا لسيرغيه بروكوفيف-سوناتا رقم3 ورقم7. وبعد الاستراحة تابع برنامجه مع مقطوعة لبيوتر تشايكوفسكي بعنوان (الفصول). وللحديث أكثر عن الحفل نتوقف مع المزيد.

موسيقي أعطى من روحه وذاته
بداية أعرب رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية د. غياث الأخرس عن بالغ سعادته لكون الحفل هو من ضمن برنامج تمّ التحضير له لعام كامل… لعام2019، مشيراً إلى أن الجودة والنوعية التي ستقدّم للجمهور هي على درجة عالية من الكفاءة والاحترافية، وهذا أمر يتوافق مع ضيف أول حفل موسيقي يحييّه المركز لهذا العام، ويضيف «في الحفل كنا أمام نوتة موسيقية وموسيقي كبير غزوان الزركلي، فلقد قدّم لنا في الحفل مقطوعات موسيقية أخذت من روحه وعطائه الكثير، وأنا أشعر بأن نوعية المقطوعات التي عزفها زركلي لنا من حيث سرعتها ورصانتها تتفق كثيراً مع طريقة تفكيره ونشأته الموسيقية. إذاً لقد أعطى لكل مقطوعة من ذاته الكثير صانعا الاختلاف إذا ما قارناه مع غيره بالأداء، فهو قامة كبيرة وتمكن من أن يستحوذ في هذه النوعية من الموسيقا على كل اهتمام وتقدير».
وأضاف د. الأخرس عن برنامج المركز الوطني للعام الحالي وما يحمله من تحديات وصعوبات في الشأن الثقافي الذي يسعى جادا لاحتضانه «في كل مدن العالم هنالك حي يُعنى بالشأن الثقافي، وللأسف هذا غير موجود لدينا، فالأنشطة الموسيقية صغيرة ومحدودة بالمكان، وكذلك الأنشطة المسرحية، وحتى نشاط الفن التشكيلي فهو مشتت. هذا ومن جهة أخرى وللأسف الشديد إنه منذ إعلان دمشق عاصمة الثقافة في عام2008، لم نكن نمتلك في وقتها البنى القادرة على حمل العبء الثقافي بكل أشكاله وأنواعه، أنا كنت عراب هذا الموضوع على صعيد المركز الوطني، وكان العرض بأن يتم العمل في التصميم وفق قياسات عالمية دولية، واليوم استطاع المركز الوطني أن يحقق المعادلة وأن يكون أول مركز-مهنياً- في الشرق الأوسط يقدم المواصفات المطلوبة، وقادراً على استيعاب كل الأنشطة، وتقديم برنامج ممتد على كل المساحة الوطنية، وفق انتقاء للجودة مع أسلوب قادر على استقطاب الجمهور وبالوقت نفسه بمقاطعته مع كل نشاط يقدمه المركز، بعيداً عن أي تسويق دعائي، هذا ولأن سورية نشاطاتها الثقافية متقطعة ومنتثرة كان لابد من وجود مركز يحتويها كلّها، ونحن نسعى لذلك من خلال المركز الوطني الذي بجدّ واجتهاد يبحث كي ينجز برنامجه كاملا للعام2019و هو قيد التنفيذ تباعا بحسب الزمن المحدد، سواء من حيث المعارض التشكيلية أم الحفلات الموسيقية أو حتى الندوات التي تمكّن من الحوار المفتوح بين مدير الندوة والجمهور ويسعدني أن الأخير بكل أعماره وأطيافه، يلتف حول المركز من دون أي جهد دعائي له، لكونه متطلباً للجودة، وهو أمر يجعلنا بمواجه التحديات والانتقادات لأن لا نقبل بالعرض إلا مع مستوى عال يليق».

في احترافية عالمية
بداية تمكن-كعادته-المبدع غزوان زركلي من أن يكسر جمود البرد وقسوته، وليس هذا فقط بل تحدّاه وقدم لجمهوره ما يأسر الروح من أجمل المقطوعات وبحرفية عالية. حول هذه النقطة يقول «في الحقيقة للظروف الخارجية التأثير البالغ في الموسيقا، سواء أكانت من برد أم عوامل أخرى من حيث تقنينات المسرح أو حضور الجمهور، ولكن بطبيعة الحال الحرفنة أو الامتهان هما عاملان أساسيان في تمكين العازف من السيطرة والابتعاد عن أي ظرف من الممكن أن يؤثر في أدائه، وهنا وبالمناسبة أحب أن أشكر كل القائمين في المركز الوطني للفنون البصرية على اهتمامهم وعملهم الدؤوب في تقديم كل العروض بشكل احترافي حتى ضمن أبسط الأمور المتاحة، وخاصا أن المركز ما زال في طور التقدم على صعيد تقديم الحفلات الموسيقية المحترفة، وأنا أعتقد أن المركز سيحتل المرتبة الأولى وخاصة في تقديم الحفلات الموسيقية، رغم ما يتعرض له من التحديات سواء في العوامل التقنية كالإضاءة وأمور العرض بتفاصيله كلّها مثلا، أم غيرها من الأمور، وبكل صدق أنا أتمنى للمركز أن يكون القِبلة للأنشطة الموسيقية في دمشق».
كما أننا لاحظنا أن عازف البيانو العالمي له من الحزم والجدّية الكثير على المسرح، وأنه يطلب من جمهوره -وبالإشارة- الجلوس أو التوقف عن التصوير وغيرها من الأمور، كي يستمتع الجميع بالحفل، مشيراً إلى أن هذه الأمور يجب أن تكون عادة متّبعة لدى الجمهور المتلقي وعليه الامتثال لها، متابعاً «بالطبع هذه التصرفات من الجمهور يجب التقيّد بها ويجب أن تكون ثقافة مكتسبة يعتادونها، ولكن في الحقيقة ما يعوّد الناس ذلك هو الكادر المؤهل لتوجيه الجمهور، بداية من الجلوس في الأماكن المخصصة وعدم التصوير أو التصفير… إلخ، إضافة لاتباع كل التوجيهات التي بطبيعة الحال اعتادوها مثلا في دار الأسد للثقافة والفنون، لهذا أنا أعتبر أن صاحب الحرفة على المسرح له شخصيته، وحضوره هو الذي يطغى على كل التفاصيل وهو القادر على أن يأخذ جمهوره حيث يريد».
وبالنسبة إلى حسن الإصغاء إلى الموسيقا الكلاسيكية يتابع المؤلف الموسيقي غزوان الزركلي «أنا أرى أن توجيه الأطفال ابتداءً، ومن ثم الكبار إلى الإصغاء إلى الموسيقا الكلاسيكية هو نوع من التربية والتعويد، وبالطبع الطفل المعتاد على الصريخ والعياط لن يكون من السهل التفاهم معه إلا بهذه اللغة نفسها وبعلو الصوت نفسه، وهنا أحب أن أذكر مثالا من حياتي المعيشة، فأنا أعيش بالقرب من مدرسة -منزلي في حي الشعلان- ويومياً أثناء الفصل الدراسي أسمع صوت المديرة وهي توجّه الأطفال إلى الخروج أو الدخول إلى صفوفهم بنبرة صراخ حادة، وفي يوم عندما زرت المدرسة وقلت لها إن هذا الأسلوب غير مجد وهو أسلوب خاطئ، أجابتني إنها تعاني الأمرّين بالتعامل مع الأطفال، لأنهم لا يصغون إلا للصراخ، وبرأيي حضور هذه النوعية من الأطفال إلى الحفل لن ينفعهم، فهم كما ذكرت أعلاه اعتادوا الأصوات الحادة والصراخ، على حين من حضر الحفل من الأهالي والشباب هم من يستطيع أن يربي طفلا قادرا على الإصغاء والاستماع إلى هذه الموسيقا، لا بل اكتسابه كي يعلّم أطفاله أيضاً في المستقبل، وموضوع حسن الإصغاء والتمتع بالموسيقا الكلاسيكية كنت لاحظته بالقسم الثاني للحفل، من بعد الاستراحة، فأنا ممنون للجمهور الذي أحسن الإنصات إليّ وتابع عزفي بشكل جدّ رائع».
وفي دعوة كي يعاود الموسيقي العزف مجدداً في مسارح عزف فيها من ماض بعيد يجيب«لقد عزفت لأول مرة في مسرح الحمراء في عام1968، وفي مسرح القباني عزفت لأول مرة في عام1963، وبالطبع أنا لم أقصّر وأقول: أنا فرد واحد، ولا يكفي لفرد واحد أن يصنع تقليدا، فهناك أشخاص جدّيون وعليهم أن يشتركوا بأنشطة كهذه، لا بل أن يؤمنوا بها ويساهموا فيها مساهمة فاعلة».
وأخيراً حول مشاريع غزوان زركلي المستقبلية وعودته للوطن سورية وعدم قدرته على الابتعاد عنها ختم حديثا معه «أنا لم أترك سورية الوطن مطلقاً، صحيح أنني تغيبت لمدة ثلاث سنوات، ولكنني عدت وحضرت هنا لأكثر من خمس مرات، إذاً أنا لم أترك سورية نهائياً، وحتى في وقت الدراسة كنت دائماً أعود لزيارتها مرتين في العام. أما بالنسبة للنشاطات المستقبلية، في الوقت الحالي فلن يكون هناك نشاطات، لأني سأتابع عملي على إنجاز الكتاب الذي أقوم بتأليفه، إلى جانب تأليف المقطوعات الموسيقية، وأخيراً أختم، في الوقت الحالي أنا ملتزم مع المركز الوطني للفنون البصرية، وسنعمل على إنجاح التعاون بيننا، كي يصبح المركز تقليدا ثقافيا يعتاد الجمهور ارتياده عبر برنامج من الحفلات التي لها قيمتها ووزنها، سواء من حيث التحضير أم التقديم أو الجهد المبذول، ضمن خطة معينة نتوجه بها للناس سواء أكانوا من النخبة أم المتابعين أم حتى من الأطفال».

من جانب الجمهور.. أمانة والي
بداية أعربت مديرة المسرح القومي أمانة والي عن سعادتها لنوعية وجودة كهذه من الأنشطة، مضيفة «بشكل عام أنا سعيدة جداً لنوعيات كهذه فمنذ يومين حضرنا في دار الأسد للثقافة والفنون حفلاً برعاية وزارة الإعلام أحيته الفنانة ميادة بسيليس والموسيقي سمير كويفاتي، وفي هذه الأثناء حفل عازف البيانو العالمي غزوان زركلي في المركز الوطني للفنون البصرية، أنا سعيدة ومتحمسة لهذه النوعية من العروض لأنها ترفع من مستوى الذوق عند المتلقي السوري. ولكن هنا أحب أن أشير إلى نقطة جدّ مهمة لكون الأماكن التي تقدّم فيها فعاليات كهذه هي نخبوية، ومن يقدمها من أساتذة لا يقدموها في غير أماكن، وهنا أوجه دعوة بأن تُقدّم فعاليات كهذه سواء بمسرح الحمراء مثلا أم بمسرح القباني كي تكون أقرب لشريحة أكبر من الجمهور وفي متناول الجميع حتى من حيث السعر، وأنا أعتبر هذا الأمر ضرورة وحاجة يجب علينا استدراكها. أما بالنسبة للحفل الحالي فهو حفل رائع وعلى الرغم من أنني لا أستهوي كل الموسيقا الكلاسيكية باستثناء بتهوفن وتشايكوفيسكي، فإن مؤلفنا الموسيقي زركلي هو رائع في عزفه الحي وآسر للقلوب. وأعيد وأشدد أن ينشر زركلي وكل من يحمل رسالة موسيقية راقية، موسيقاهم الحيّة في كل المسارح كي نتمكن من إعادة تقويم سمع وتذوّق هؤلاء الشباب الذين، وللأسف لم يبق لهم رموز موسيقية أو طربية غنائية يأنسون بها وترافقهم في مراحل حياتهم العمرية».

من جانب الجمهور.. ميساك باغبودريان
من جانبه اعتبر المايسترو ميساك باغبودريان إن الحفلات الموسيقية هي طقس يجب أن يكون عادة ضمن المجتمع وبألا يقتصر على منبر معين يليق فيه التقديم، ويتابع «نحن بحاجة أثناء الحرب والأزمات للثقافة كي نحافظ بداية على الهوية، وعلى الشخصية الثقافية للمجتمع، إضافة للحالة الاجتماعية التي تشمل كلاً من الشباب والحياة الاجتماعية التشاركية، وبالتالي هذا الأمر هو مهم جداً ضمن المجتمع مع وجود مركز كالمركز الوطني للفنون البصرية بحضور قامة كبيرة كالفنان غزوان الزركلي الذي قدم لنا خلال الحفل وجبة دسمة من المقطوعات الموسيقية. إذاً فعاليات كهذه هي حاجة وضرورة في المجتمع، وهنا أحب أن أشير إلى التناوب بين كل من المركز الوطني للفنون البصرية ودار الأسد للثقافة والفنون، إضافة إلى مسرح الحمراء، هذا التناوب والتنوع جميل وضروري من حيث تنوّع البرامج المقدمة في كل منبر من المنابر المذكورة، بل هو مهم جداً للمجتمع ولو تنوعت المنابر بالمناطق السورية. وأخيراً أحب أن أشير إلى نقطة جدّ مهمة لكون المركز منذ لحظة الدخول إليه، العين ترى فيه الجمال من خلال اللوحات المعروضة، وبعدها تستمع الأذن إلى ما يطيب سمعه في الحفلات الموسيقية، ليخرج بعدها منه المرء مشبعاً بالفن الراقي والضروري لكل الفئات».

غزوان الزركلي في بطاقة تعريفية
– موسيقي عربي يقيم في وطنه سورية، ولد في دمشق عام1954.
– يشارك في الحياة الموسيقية السورية بدءاً من عام1963، تاريخ أول حفل (على مسرح القباني في دمشق) تضمن عزفاً منفرداً وعزفاً جماعياً وقيادة أوركسترا أطفال المعهد العربي للموسيقا التابع لوزارة الثقافة والمؤسس عام1961.
– عازف منفرد شمل نشاطه سبعة وعشرين بلداً.
– يحمل أربع شهادات جامعية من برلين وموسكو.
– تدرّج في العمل الأكاديمي ما بين عامي1976و2003 ليصبح أستاذا ثم خبيرا، وكانت محطاته مدن برلين وموسكو وأوسنابروك ودمشق والقاهرة.
– له ثماني أسطوانات ليزرية في العزف والتأليف.
– يحمل الجنسية الألمانية ومجاز بتعليم اللغة الألمانية ومترجم منها إلى العربية أربعة كتب.
– له كتابان في الموسيقا: «عن الموسيقا والموسيقيين»، «الصوت والزمن».
– يدير مدرسة باسمه في مدينة فايمار الألمانية.
– يشرف على صف الأداء الخاص بطلاب البيانو في المعهد العالي للموسيقا بدمشق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن