قضايا وآراء

تركيا وأميركا.. الاشتباك الكاذب

| ميسون يوسف

من يتابع المبارزة الكلامية والإعلامية بين أميركا وتركيا يكاد يقع بالحيرة والذهول حول حقيقة العلاقة بين الدولتين، ففي ساعة يرى هجوماً إعلامياً أميركياً على تركيا وفي ساعة تليها يرى الغزل والمديح ومحض الثقة الأميركية لتركيا، فأي من النهجين يعبر عن الحقيقة التي تحكم العلاقة بين الدولتين.
قبل شهر تقريباً زعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه بعد اتصال هاتفي تنسيقي طويل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قرر الانسحاب من سورية قائلاً لأردوغان: «إني أترك سورية كلها لك»، وكأن سورية ملك لترامب وعصاباته الاستعمارية حتى يعطيها لهذا المعتدي أو ذاك، وفي لحظه من اللحظات ينقلب ترامب على مواقفه ويقول إنه سيسوي الاقتصاد التركي بالأرض إن حاولت تركيا المس بالأكراد «حلفاء» أميركا. على حين يزعم أردوغان أن تحركه في سورية وخاصة باتجاه الشمال الشرقي من سورية هو من أجل الدفاع عن المصالح الوطنية التركية ومنع تهديدها من كيان انفصالي كردي بقيادة حزب العمال الكردستاني التركي.
يشتد التقلب في المواقف، بين المد والجزر حيث يصرح أردوغان بأنه على اتصال دائم مع ترامب من أجل تسهيل الانسحاب وتنظيم العمل في منبج، ويجيبه البيت الأبيض بأن ترامب أبدى رغبته في العمل مع نظيره أردوغان لمعالجة الهواجس الأمنية لتركيا في شمال سورية وصولاً إلى اشتراك الطرفين في العمل على إنشاء منطقة آمنة في شمال سورية توفر لتركيا أمنها وتعالج هواجسها، وترضي أميركا في المحافظة على عملائها الأكراد في الشمال.
إننا وفي غمرة هذا الاشتباك الكلامي الوهمي وهذه المبارزة غير الجدية نقول إن أميركا تريد أن تحتفظ بتركيا حليفتها الإستراتيجية، ولا ترضى أن تفرط بها ولكنها في الوقت ذاته لا تسمح لتركيا بأن تنفذ مشروعها الخاص الذي يمس المصالح الأميركية، ولهذا فإن الاشتباك الكلامي القائم ليس من قبيل الصراع أو المواجهة بين أعداء وخصوم بل من قبيل محاولة الترويض الأميركي لتركيا، ومحاولة تركيا إنشاء هامش حركة خاص بها في المنطقة، فإذا نجحت كان به وإن فشلت فإنها ستبقى في المعسكر الأطلسي تحت القيادة الأميركية حتى تتبلور الصيغة النهائية للنظام العالمي الجديد.
وعليه لا ننصح أحداً بأن يصدق ما يجري علناً بين تركيا وأميركا من صراع وهمي حول سورية فالطرفان قطبان في العدوان على سورية كانا ويستمران، وسورية لم ولن تركن لأي منهما وتعرف أن مصالحها الوطنية تحقق بيدها وبدعم من الحلفاء ولا دور للخصوم والأعداء في ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن