ثقافة وفن

قراءات في الشعر والعروبة… من الجاهلية حتى القرن العشرين … د. فاروق اسليم: قراءات تسهم في إضاءة الوعي القومي العربي عند ستة شعراء

| سوسن صيداوي

«إذا ما كان الخطاب القومي العربي المعاصر تعبيراً عن وعي الأمة لذاتها في هذا العصر، فإن كل وعي عربي للذات قديما هو خطاب قومي بلغة عصرنا ومصطلحاتها» من هذه الجملة إضافة لغيرها، قدّم لنا د. فاروق اسليم تعريفا لمؤلفه (قراءات في الشعر والعروبة… من الجاهلية حتى القرن العشرين) الذي يحتوي قراءات لها من الأهمية الكبيرة لكونها تساهم في إضاءة الوعي القومي العربي عند ستة شعراء يمثل كلّ منهم منارة للوعي العروبي في عصره. وأيضاً لابد من الإشارة إلى أن هذه القراءات محاضرات وأوراق بحثية ألقيت في جامعتي حلب والإمارات العربية المتحدة، وفي عدد من الندوات في حلب ودمشق وإدلب ومدينة العين الإماراتية وغيرها، كما أنها نشرت في مجلات أدبية وعلمية محكمة. ولابدّ من أن نذكر بأن الكتاب الشهري (قراءات في الشعر والعروبة… من الجاهلية حتى القرن العشرين) لمؤلفه د. فاروق اسليم صادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب وضمن سلسلة «آفاق ثقافية»، من القطع المتوسط وبواقع 228 صفحة.

الوعي والتاريخ في شعر الأعشى الكبير

يقول د. اسليم إن القراءة التي قدمت تحت العنوان أعلاه، أظهرت لشعر الأعشى بعداً جديداً في شخصية هذا الشاعر الكبير، وقد تمثل هذا البعد في وعي عروبي بارز ومهم للتعرف إلى حراك التجمعات العربية المختلفة نحو الوحدة قبل الإسلام في الجزيرة العربية، وقد ألقت هذه القراءة الضوء على جانب مغاير لما هو سائد عن الشاعر الأعشى من جهة كونه شاعر المجون والخمرة وشاعر التكسّب بالمديح، متابعاً: «إن وعي الأعشى العروبي يرتفع به إلى مرتبة المتنورين والمبشرين بعصر عربي جديد وهو وعي مرتبط بالظرف التاريخي الذي ظهر فيه، وهو زمن الإرهاص بتكوين الأمة العربية وانتقالها من زمن القبلية والتبعية إلى عصر الوحدة والريادة، وهذا ما تحقق بظهور الإسلام وقيام دولته في يثرب/المدينة بعد عقد ونيف من السنين».
ومن الأمثلة التي ذكرها المؤلف بإدانة الشاعر للوجود الفارسي في اليمن حين اتضح له أن العرب استبدلوا باحتلال الأحباش احتلالا آخر، وذلك في قوله يصف خراب قصر(ريمان)، وهو من قصور ظفار اليمن:
يا من يرى ريمان أمـ
سـى خاويا، خربا كعابه
أمسى الثعالـب أهلـه
بعد الـذين هـم مآبه
من شوقه، حكم، ومن
ملك، يعدّ، له، ثوابه
بكرت، عليه، الفرس، بعـ
ـد الحبش، حتى هدّ بابه
فالأبيات تظهر الأسى لخراب قصر(ريمان) وما حوله من الأراضي الخصبة ولكونه أضحى آهلا بالثعالب بعد خرابه وخلوّه من أصحابه.
وعي العروبة في شعر أبي فراس الحمداني
تحت هذا العنوان يكشف المؤلف د. اسليم أن قراءة شعر أبي فراس الحمداني على ضوء تاريخ دولة بني حمدان في حلب واستنادا على سيرة الشاعر، تدّل على أمرين رئيسين: الأول أن الوعي القومي العربي عنده كان متحركا لا ساكنا فقد كان مفهوم(العرب)عنده عنصريا مؤسسا على النسب القبلي، وذلك في مجال صراع الحمدانيين مع بعض القبائل العربية، ثم غدا ذلك المفهوم بعد وقوع الشاعر في الأسر معبرا عن التكوين التاريخي للعرب الذي جعلهم يتميزون باللغة والأرض والعقيدة والثقافة، وإن لم ينتصر وعيه القومي العربي المتطور على وعيه القوي العنصري. الثاني أن للتحديات أثراً كبيراً في إنتاج الوعي العربي؛ فالصراعات الداخلية أنتجت وعيا قبليا نسبيا يعوق وحدة الأمة، ولا يعبر عن حقيقة تكوينها. ويتابع المؤلف إن التحديات الخارجية فقد أنتجت وعيا صائبا عبّر عن كثير من حقائق تكوين الأمة. ويضيف المؤلف إن أبي فراس الحمداني عرف أنّ(الدّرب)هو الحد الفاصل ما بين العرب والروم، كما أنه أشار في شعره إلى وقائع كانت بين الفرس والروم قبل الإسلام في المعاقل التي شهدت الصراع بين دولة الحمدانيين والروم، وذلك قوله يصف ابن عمه:
رمى اللـه منه الروم في كل معقل
بمشتبه أسراره، وهو سائر
فلم يستتر خاف، ولم ينج هارب
ولم يمتنع حصن، ولم يهد حائر
وكل مشيد، ردّ كِسرى بحسرة
فباطنه للمسلمين ظواهر
إن ما قيل آنفا يعبّر عن حدود أرضية فاصلة بين أمتين أو تخوم متنازع عليها بينهما، وبالتالي كان وعي أبي فراس وامرئ القيس قبله حدا فاصلا بين أمتين، وهو وعي يتجاوز التكوين القبلي لكل منهما، ويعبّر عن تكوين حضاري حقيقي لمفهوم العروبة.

وعي العروبة عند أسامة
ابن منقذ وطلائع بن رزّيك

إن مجال أدب الحروب الصليبية واسع جدا، وهو غني كثيراً في التعبير عن طبيعة ذلك الصراع، وعن مستوى وعي شعراء الأمة وقادتها لخطورة الغزو الصليبي ولضرورة التصدي له، وهذا ما كشف عنه المؤلف د. اسليم تحت العنوان أعلاه، وفي ختام هذه الدراسة متابعا «هذا هو ما رأيناه واضحاً في شعر كل من أسامة بن منقذ وطلائع بن رزّيك؛ إذ رأينا فيهما الملامح العامة لثقافة مقاومة الغزو، وهي توجب الجهاد والتعبئة له والتنافس في ميدان محاربة الفرنجة وإدانة التعامل معهم إضافة إلى مركزية القدس في ذلك الصراع.
وعن اختيار شاعرين مختلفين منبتاً ومذهباً وموطناً كان برأيه موافقا لغاية هذه القراءة، وهي تعبير الشعر العربي عن وعي الأمة لأهمية الصراع مع العدو الخارجي في توحيدها وتقوية الأواصر بين عناصرها المختلفة. مضيفاً «فالشاعران أسامة وابن رزّيك كانا متقاربين في السلوك الإنساني، ولهما في الحياة هدف رئيس هو محاربة الفرنجة وكان ذلك في ظني سبباً رئيساً للصداقة بينهما. وقد أسهم ذلك في تعبير كل منهما عن تعظيمه لشأن محاربة الفرنجة ولمنزلة من يحاربهم وإن تعددت مشاربهم واختلفت انتماءاتهم».

وعي العروبة والثورة
في شعر عمر حمد

تحت هذا العنوان أشار الباحث إلى أن اعتداد حمد بأمته وتعبيره عن آلامها ودعوته إلى النهضة والثورة، أمور ملأت نفسه بكبرياء لا حدود له، وهو يواجه الموت، لقد سار نحو نهايته منشدا مع رفاقه ومن شعره:
نحن أبناء الأُلى
شادوا مجدا وعلا
نسل قحطان الأبيّ
جَدّ كلّ العرب
خاتما هذه الدراسة د. اسليم بقوله «رحم اللـه شاعر الشهداء العرب، فهو منارة للسلوك النضالي القومي العربي ونبراسا للإبداع الشعري العروبي المعبر عن مخاض وعي العرب لوجودهم في حقبة ما يزال امتدادها جاثما على صدورنا بعد مضي مئة عام، وما يزال هذا المخاض القومي العربي ينتظر الولادة».

الصحراء والوعي العروبي
في شعر بدوي الجبل

بينت هذه القراءة تنامي حضور الصحراء في شعر بدوي الجبل بازدياد وعيه وثقافته في دائرة العروبة والإسلام ومركزية الصحراء في تكوين قيمها الروحية وتحديد معالم هويتها، وبتنامي تجاربه النضالية وطنيا وقوميا. ويتابع د. اسليم إن دراسة الصحراء في شعر بدوي الجبل تلقي الضوء على قضية شعرية جديرة بدراسات كثيرة تتناول شعر البدوي وغيره من شعراء مذهبه وجيله للوقوف على قضايا معرفية وفنية وجمالية تقرأ شعرنا العربي الحديث قراءة فنية وتاريخية تمنحنا مزيدا من الوعي والإمتاع وتصلح أن تكون مهادا للمقارنة بين أنماط الشعر المختلفة.
ومما أبرزه البدوي من السجايا الصحراوية الصبر على المكاره والإيثار ليعلن الانتماء إليها خلقا وإبداعا:
وصبرٍ من الصحراء أحكمت نسجه
سَموت به عن محنتي وكروبي
ومن هذه الصحراء صيغت سجيتي
فكل عجيب الدهر غير عجيب
يرنح شعري باللّوى كل بانة
ويندى بشعري فيه كل كثيب
ولولا الجراح الداميات بمهجتي
لأشكر نجدا والحجاز نسيبي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن