قضايا وآراء

محاولات إعادة تدوير المتآمرين بالتعمية والتضليل

| أحمد ضيف الله

منذ بضعة أسابيع وصحف عربية ومواقع إلكترونية خليجية الهوى والتمويل تنقل بين الحين والآخر تغريدات وتصريحات لنائب رئيس جمهورية العراق السابق طارق الهاشمي المقيم حالياً في تركيا، وهو الأمين العام السابق للحزب الإسلامي العراقي أي لـ«الإخوان المسلمون» في العراق، بشكل لافت ومثير للاستغراب والتساؤل، عن الغاية من وراء ذلك، خاصة أن محتوى التغريدات أو التصريحات التي تتبادل هذه الصحف والمواقع نقلها معظم أيام الأسبوع لا تبدو مهمة أو ذات قيمة، ولكن عند التمعن بالنص المنشور، تكتشف أن الغاية من نشرها هي تكرار وتمرير العبارات التالية: «وقال نائب الرئيس العراقي سابقاً المحكوم بالإعدام في بلده والمبرّأ دولياً طارق الهاشمي»، وأنّ «الهاشمي الذي تولى منصب نائب رئيس الجمهورية بين عامي 2006 و2013 مقيم في تركيا حالياً منذ حكم الإعدام الصادر ضده خلال ولاية رئيس الحكومة السابق نوري المالكي الذي اتهمه بالإرهاب لاعتراضه على سياساته الطائفية لكن الشرطة الدولية ألغت تماماً في أيار عام 2016 مذكرة اعتقال كانت أصدرتها ضده بناء على طلب حكومة المالكي بعد أن تأكدت من زيف الاتهامات التي سيقت ضد الهاشمي الذي عبر عن سعادته لرفع الانتربول اسمه نهائياً من قائمته الحمراء للمطلوبين بالاعتقال، معتبراً أن القرار أثبت أن القضاء في العراق مسيس».
في الـ18 من كانون الأول 2011، توجه نائبا الرئيس العراقي طارق الهاشمي وخضير الخزاعي إلى مطار بغداد الدولي للسفر إلى إقليم كردستان للاجتماع بالرئيس جلال الطالباني الموجود هناك، فأوقفت سلطات المطار اثنين من حراس الهاشمي الشخصيين لوجود مذكرتي توقيف بحقهما على خلفية تهم إرهابية. وقد حاول الهاشمي تعطيل التوقيف إلا أنه لم يفلح، فأكمل سفره على عجل من دونهما.
وفي الـ19 من كانون الأول 2011، عرضت وزارة الداخلية في مؤتمر صحفي اعترافات 3 من أفراد حماية طارق الهاشمي بالصوت والصورة، هم ضابط في الجيش برتبة رائد يدعى أحمد شوقي، والملازم الأول غسان جاسم حميد، وعنصر يدعى مروان الدليمي، أكدوا خلالها أن الهاشمي كلفهم شخصياً بتنفيذ عمليات اغتيال وتفجير في بغداد مقابل مبالغ مالية، وأن التعليمات كانت تنقل إليهم عن طريق سكرتيره الشخصي وزوج ابنته أحمد قحطان، مستعرضين العمليات التي قاموا بتنفيذها على مدى سنوات عدة، من بينها اغتيال عدد من الضباط في الجيش والشرطة والمرور وأحد موظفي وزارة الخارجية، فضلاً عن استهداف موكب حماية هادي العامري وزير النقل في حينها والأمين العام لمنظمة بدر حالياً، تلاها بعد أيام عرض اعترافات أخرى من المجاميع المشاركة في تلك العمليات الإرهابية الذين زاد عددهم عن 56 إرهابياً.
طارق الهاشمي اعتبر في مؤتمر صحفي عقده في مدينة أربيل في الـ20 من الشهر ذاته، أن التهم الموجهة إليه «باطلة وغير مشروعة، وهي تهم مفبركة ضدي لأغراض سياسية، وإن التهم الموجهة إليّ عبر الاعترافات التي قدمها عدد من حراسي وعرضتها «الفضائية العراقية» لم تكن رصينة وهي غير متماسكة»، مضيفاً «أقترح تحويل القضية إلى إقليم كردستان، وعلى هذا الأساس أنا مستعد للمثول أمام القضاء».
وفي مقابلة مع «قناة الجزيرة» في الـ22 من الشهر ذاته أيضاً، قال الهاشمي: إنه تعرض لابتزاز من جهات لم يسمها طلبت منه إعلان مواقف سياسية معينة «خدمة لأجندة طائفية»، منها «تخفيف اللهجة تجاه إيران وسورية، ومعارضة تشكيل إقليمي ديالى وصلاح الدين، ودعوة أعضاء «ائتلاف العراقية» للعودة إلى اجتماعات المجلس النيابي، وإلا فستبث اعترافات حراسه».
في الـ9 من أيلول 2012 أصدرت المحكمة الجنائية العراقية المركزية مذكرة اعتقال وحكماً بالإعدام بحق الهاشمي، الذي اختفى من إقليم كردستان، وظهر في قطر ثم انتقل إلى السعودية قبل أن يستقر في تركيا التي منحته الإقامة الدائمة، رافضة تسليمه إلى منظمة الشرطة الدولية، الإنتربول، التي أدرجت اسمه ضمن اللائحة الحمراء للمطلوب اعتقالهم في الـ19 من كانون الأول 2012، حيث أعلن نائب رئيس الوزراء التركي بكير بوزداغ بحسب ما نقلت عنه وكالة أنباء الأناضول: «لن نسلم أحداً ندعمه منذ البداية».
لقد وصف الشيخ حارث الضاري الأمين العام لهيئة العلماء المسلمين في العراق التي هي على شاكلة الحزب الإسلامي العراقي برئاسة الهاشمي في تصريح له في الـ8 من أيار 2008 أن الحزب الإسلامي العراقي أحد خمس جهات «تلقى دعماً أميركياً وتكمم الأفواه وتقتل المعارضين وتسفك دماء العراقيين».
ففي الـ14 من تشرين الأول 2011، دعا طارق الهاشمي إلى «تجاوز مشكلة الحصانة القانونية للمدربين الأميركيين الذين قد يبقون في العراق بعد عام 2011» لحاجة العراق لهم، بعد انسحابه وإياد علاوي رئيس ائتلاف العراقية من الاجتماع الذي دعا إليه رئيس الجمهورية الراحل جلال الطالباني في الـ4 من تشرين الأول 2011، الذي استمر أربع ساعات بحضور قادة كافة الكتل السياسية، لمناقشة إصرار الولايات المتحدة الأميركية على إدراج بند يضمن الحصانة لجنودها في العراق في «الاتفاقية العراقية الأميركية الإستراتيجية طويلة الأمد» والتي تم بموجبها الانسحاب الأميركي من العراق في الـ31 من كانون الأول 2011 من دون إدراج بند الحصانة.
طارق الهاشمي هذا كان من أبرز الداعين والمحرضين على إنشاء أقاليم سنّية في المحافظات الغربية، فخلال اجتماع مع شيوخ ووجهاء محافظة الأنبار في الـ3 من تشرين الثاني 2011 قال الهاشمي: «لا أعتقد أن تحول محافظة إلى إقليم سيهدد وحدة العراق»، فـ«من حقكم أن تختاروا مستقبلكم الإداري، لكن عليكم أن تتفقوا أولاً وعليكم ثانياً أن توفروا لهذا الخيار جميع مستلزمات النجاح في ظل ولادة طبيعية موفقة»، وبعد ذلك تنامت حركة الاحتجاجات في المحافظات الغربية الأنبار وصلاح الدين وديالى ونينوى، بظهور ساحات الاعتصام فيها، لتتوالى تسميات أيام الجمع بـ«جمعة الخيارات ‏المفتوحة، جمعة لن نستسلم، جمعة لا تراجع فقد بلغ السيل الزبى، جمعة قادمون يا بغداد، حقوقنا أو الشهادة.. الخ) على شاكلة ما جرى في سورية، وعند قيام قوات الشرطة بتنفيذ واجبها لتطبيق القانون جوبهت بنيران كثيفة من مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقناصات من داخل ساحات الاعتصام، متسببة في استشهاد عدد من أفراد قوات الشرطة.
إن الغاية من تناول اسم طارق الهاشمي في الإعلام الخليجي والمنصات الإعلامية المشبوهة، هي محاولة إعادة تدويره مجدداً وضخه في سوق التآمر بالمنطقة بالتضليل الإخباري وتشويه الحقائق، للاستعانة بخبراته في إثارة القلاقل مجدداً، خاصة مع تنامي حالات الرفض للوجود الأميركي في العراق بعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للعراق إلى قاعدة «عين الأسد» في محافظة الأنبار في الـ26 من كانون الأول الماضي.
إن شطب اسم الهاشمي من قائمة الانتربول الحمراء في أيار 2016 لا يعني بأي حال من الأحوال حكماً بتبرئته. فالانتربول يعمل على تسهيل التعاون الدولي بين أجهزة الشرطة لتسليم المطلوبين حتى في غياب العلاقات الدبلوماسية بين البلدان المنظمة لها، ضمن إطار القوانين القائمة في تلك البلدان، ولا علاقة له بإصدار الأحكام أو تبرئة الأفراد. عدا أن قطر وتركيا بذلتا في ذاك الوقت ضغوطاً كبيرة وربما دفعتا رشى لشطب اسم الهاشمي من القائمة الحمراء. وإلا ما الذي يمكن أن تقوله بشأن قيام الانتربول في الـ30 من تشرين الثاني 2018، بشطب اسم الشيخ يوسف القرضاوي رئيس اتحاد علماء المسلمين سابقاً من القائمة الحمراء؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن