الأولى

يا صاحبي.. حتى الدمى تفكر!

| نبيه البرجي

الذي يصفونه حتى في وزارة الخارجية بـ«الطنجرة الفارغة»، جاء إليهم ليجرهم بعباءاتهم، وبكوفياتهم، وبآذانهم، إلى بولونيا، لماذا بولونيا بالذات؟
ندرك تماماً المعنى من اختيار المكان، بنيامين نتنياهو ضيف الشرف، يجثو أمامهم عند النصب التذكاري في أوشوويتز، قبل أن يجثوا وراءه عند حائط المبكى.
لن نغفل البعد الإستراتيجي للاختيار، البعض الذي يتصور أن الكرة الأرضية تقف على قرن ثور، يراها الآن على كتف دونالد ترامب، الثور حين يغرد.
دخلنا كثيراً في شخصية مايك بومبيو. لا أثر للإبداع السياسي، ولا للإبداع الديبلوماسي، كل الذين عرفوه عن كثب تحدثوا عن الرجل الببغاء.
فكرة الناتو العربي (يا لغرابة المصطلح!) لا يمكن أن تكون من إنتاجه، ضحالة في التفكير، وضحالة في الأداء. بدا متلعثماً في تبرير تلك الخطوة القاتلة للعرب، ولمستقبل العرب.
لا يمكن أن يكون بحنكة جون فوستر دالاس الذي كان أول من ابتدع صيغة الأحلاف الاصطناعية، قبل أن تتداعى الواحد تلو الآخر. ولا يمكن أن يرتدي شخصية الثعلب، كما هنري كيسنجر، ليضع ذلك السيناريو الجهنمي حول نقل فلسطين من فلسطين إلى أمكنة أخرى، تحديداً بأصابع آلهة النار.
ألسنا، دائماً، أمام تلك الميتولوجيا الأميركية، حيث الآلهة نفسها تنثر الدم، وتنثر الرماد؟
بطبيعة الحال، هناك من يتجول حافياً في رأس دونالد ترامب الذي يتجول بحذائه في رأس بومبيو. فكرة عتيقة، ورثّة، يعاد تسويقها الآن.
ألم يكن الرئيس الأميركي من قال «هذه أنظمة تشبه الجدران المتداعية»؟ ماذا يعني أن توضع هذه الأنظمة في سلة واحدة، بالأحرى أن توضع سلال القش (الفارغة) جنباً إلى جنب؟
متى يدرك الذين مات الزمن في عظامهم أن ما يحدث تكريس لإستراتيجية التعليب، والتفكيك، والتفجير، التي إذ بدأت منذ «مبدأ ايزنهاور» (وملء الفراغ) وصلت إلى ذروتها مع أوركسترا الضباع في عهد جورج دبليو بوش؟
مهرجان الدمى! من أجل هذا حط الوزير الأميركي رحاله في المنطقة. القرارات كانت جاهزة لغسل الأيدي، ولغسل الأدمغة، مما فعلوه، والعودة إلى دمشق لأنها حاضرة العرب، ولؤلؤة العرب. حتى أسماء السفراء باتت قيد التداول.
المطرقة الأميركية (الإسرائيلية) أوقفت كل شيء، ليكون الدخول الآخر في سيناريوات القاع.
هو ذا رجب طيب أردوغان يسقط من الباب العالي على باب البيت الأبيض. البطة العرجاء التي كانت تراهن على إحياء السلطنة، من دون أن تدري أن غباراً كثيراً أهيل على قصر يلدز، فقدت حتى القدرة على الهذيان.
دونالد ترامب قال له «لسوف أدمرك». ماذا تعني تغريدته «سوف أدمر الاقتصاد التركي» غير ذلك؟
عجيب أمر هذا الرجل، بقي يلعب بالحرائق على مدى سنوات وهو يدور حول نفسه. لم يدرك أن دوره لا يتعدى دور لاعب السيرك الرديء على الخشبة الأميركية. ظن أنه بدهائه (دهاء البطة العرجاء) يستطيع أن يراقص البيت الأبيض والكرملين في آن. تغريدة واحدة، لا أكثر، حوّلته إلى حطام.
لاحظتم تقهقره أمام دونالد ترامب. لا خيار أمامه سوى أن يعود القهقرى إلى دور القهرمانة. آن لقبعة السلطان أن تسقط، الرأس بين يدي جون بولتون!
قبل أيام كان هذا الحديث في دولة عربية «آن الأوان ليتوقف الرقص على حافة الجحيم». حين ظهرت «الطنجرة الفارغة» تبدل المشهد. إلى بولونيا. الثلوج (أم الوحول؟) بانتظاركم.
يا صاحبي، حتى الدمى تفكر…!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن