ثقافة وفن

الأسير المحرر أحمد أبو السعود لـ «الوطن»: أدب السجون روح أدب المقاومة وهناك مئات المؤلفات أنتجها الأسرى

| فلسطين المحتلة- محمد أبو شباب

كثيرة هي حكايات الإبداعات للمعتقلين داخل معتقلات الاحتلال أسهمت من دون شك في إثراء الأدب الفلسطيني بالكثير من الكتابات التي تعبر عن واقع الحياة داخل معتقلات الاحتلال، وقد أبدع هؤلاء في الكتابة بأنواعها المختلفة بأدوات بسيطة واستخدموا الكبسولات الورقية وكتبوا عليها كتاباتهم الشعرية والأدبية بهدف أن ترى النور، في هذا الحوار الشامل تحاور «الوطن» الأسير المحرر أحمد أبو السعود عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي قضى في سجون الاحتلال الإسرائيلي أكثر من ربع قرن اكتسب خلالها العديد من الخبرات خاصة في مجال الأدب «أدب المعتقلات»، وكذلك التعرف عن قرب على حياة الأسرى داخل سجون الاحتلال، إلى نص الحوار:

في البداية هناك اسم أسير لازالت أنت تذكره وله إبداعات غزيرة في مجال الأدب وهو يقبع داخل معتقلات الاحتلال منذ 34 عاماً ألا وهو الأسير وليد دقة من الداخل الفلسطيني المحتل عام 48 حدثنا عن هذا الأسير وإبداعاته؟
الأسير وليد دقة كان ابن الرابعة والعشرين عاماً حين وقع في الاعتقال، وحكم عليه بالسجن المؤبد «مدى الحياة»، كان يعمل ليعيل نفسه ويساعد والده بإعالة أسرته، مليء بالأحلام والطموحات، أبرزها أن يكمل دراسته الجامعية، وقد حط في أقبية التحقيق وسجل صموداً في وجه محققيه، ورفض الاعتراف بالمشاركة في تصفية أحد الجنود الصهاينة، الذي تم اختطافه من قبل المجموعة بهدف إجراء عملية تبادل للأسرى، ثم انتقل للسجن لينضم لآلاف الأسرى داخل السجون، وليد اجتماعي ومرح ويتمتع بكيمياء قوية مكنته من إقامة علاقات واسعة مع الأسرى من رفاق وأخوة، عرف منذ البداية أن السجن ليس محطة للاستراحة، بل انتقل من ساحة مواجهة خاض فيها الكفاح بشكل سري لساحة مواجهة علنية أو شبه علنية، كي يحقق الانتصار لا بد من التزود بالوقود الثوري ألا وهو المعرفة والخبرة والثقافة، فلم يبخل على نفسه بسبر غور شتى أصناف الكتب من فكر وسياسة واقتصاد وعلوم أخرى إلى جانب الأدب مما راكم لديه معارف واسعة عمقت لديه قناعاته بمشوار الكفاح والنضال ضد الاحتلال.. وساهم بالعمل التنظيمي والوطني وأبدع في كليهما، ولا سيما في تمثيل الأسرى أمام إدارات السجون، فهو خبير بالعقلية الصهيونية وأدرك جيداً الأساليب الواجب اتباعها، وتعمق لديه الانتماء لفلسطين كل فلسطين.
ومثل باقي الأسرى قاسى الظروف الصعبة التي فرضت على الأسرى، وشارك في معارك الجوع بل كان أحد قياداتها والمنظرين لها، ما جعله يعيش الألم وتتراكم عليه الأمراض، إلا أن إرادته الفولاذية جعلته يواجه الآلام والأمراض وما يزال يواجهها حتى الآن، وليد دقة يمتلك موهبة قيادية عالية يفاجئنا دائماً بأفكار جديدة وأطروحات تفيد عن مدى تفاعله مع هموم الآخرين.

هل أنت متفق معي أن أدب المعتقلات مستمد من أدب المقاومة الفلسطينية التي لها دور في تعزيز صمود الشعب الفلسطيني؟
أدب السجون، هذا المصطلح مستمد من أدب المقاومة الذي خطه الشهيد غسان كنفاني، وأطلقت هذه التسمية على شعراء المقاومة «محمود درويش» وغيره.. يحمل هذا الأدب (أدب السجون) كتابات خطت سراً على شكل كتب أو روايات أو أشعار أو دراسات ومقالات أو تجارب شخصية، أو رسومات لفنانين اكتشفوا مواهبهم داخل السجون أو كانوا فنانين قبلها، وكل ما حملته تلك الأعمال تحض على مقارعة السجان ومقاومته ومقاومة الاحتلال.. فهي إذن تصب في أدب المقاومة.. ولا يمكن حصر أعداد الأسرى على مدى خمسين عاماً ممن أبدعوا في كتاباتهم أو رسوماتهم الفنية، إلا أن وليد دقة تمكن من أخذ حيز مهم وسط هؤلاء حيث يمتلك بداية مؤهلات ثقافية عالية، وهو الحاصل على شهادة الماجستير داخل السجون.. وكتب الكثير من المقالات والدراسات، ولكن الكتب الأبرز هي صهر الوعي ويوميات المقاومة في مخيم جنين، وحكاية «سر الزيت»، وليد لم يتوقف يوماً عن الكتابة في مجالات الإرشاد والتعبئة والتوجيه للأسرى.
للأسير وليد دقة حكاية زواج جسدت صمود المرأة الفلسطينية وانخراطها لجانب الرجل في مقاومة الاحتلال حدثنا عنها؟
في معرض علاقاته مع النشطاء من داخل فلسطين المحتلة عام 48، تعرف إلى الناشطة والداعمة لحقوق الأسرى سناء سلامة، وشاركت ذويه زياراته مرات عديدة.. تطورت العلاقة بين الأسير دقة وسناء إلى حب بينهما، ثم إلى عقد قرانهما، وهذه حكاية من العجائب حصولها في سجون الاحتلال، فلولا شخصية وليد وقدراته الإقناعية وتأثيره على رجالات الإدارة الذين كانوا يسلمون أمامه ويقفون عاجزين عن مجاراته، فيضطرون للموافقة على طلباته، وما خصه طلب عقد قرانه ليس فقط بحضور المأذون بل بعمل حفل، حضرت سناء بلباس عروس في سيارة مدنية لداخل السجن، وخمسة عشر فرداً من عائلتها وخمسة عشر فرداً من عائلته، وعن الأسرى حضر خمسة عشر أسيراً الذين وافقت على مشاركتهم إدارة السجن وكان لي شرف المشاركة، فأقيمت حفلة لا نظير لها ممزوجة بين مشاعر الفرح والألم والحزن مع أنغام الموسيقا والغناء، لكن نجح وليد وسناء بعقد قرانهما وبث شريط الحفل عبر الفيديو على غرف السجن ليشارك كل الأسرى وليد فرحته، وهذا من عشرين عاماً وسناء ووليد على قارعة طريق الانتظار.

هذا الأدب الغزير كيف يمكن الاستفادة منه للأجيال القادمة وإثراء المكتبة العربية ؟
أدب السجون هو جزء أصيل من أدب المقاومة، كي تستفيد منه فئات الشباب وكل الأجيال، يتطلب المساهمة في تعميمه وطباعته ونشره وألا يبقى مقتصراً على المناطق المحتلة، بل يخرج للمكتبات العربية، وهناك مئات إن لم يكن آلاف الكتب والمخطوطات واللوحات الفنية وغيرها، بحاجة إلى طباعتها ونشرها وتعميم ما تحمل من تجارب وثقافة ومعان لأوسع نطاق في وطننا العربي، باعتبار هذا الأدب ثورياً مقاوماً أكثر من 150 كتاباً تمكنا من جمعهما كلها خطها أسرى داخل السجون.. وليس الأمر مقتصراً على أسرى فلسطينيين بل هناك أسرى من الجولان المحتل منهم الشهيد سيطان الولي والرفيق الفنان التشكيلي عاصم الولي وغيرهما والأهم الآن في دعم أدب السجون هو المساعدة في طباعة ما يكتبه الأسرى حديثاً، ومنهم الأسير كميل أبو حنيش الذي خط العديد من الكتب والروايات والأشعار ونال جوائز التقدير وبات معروفاً في أوساط الكتاب.
حدثنا عن أهم منتوجات الأسرى الأدبية داخل معتقلات الاحتلال؟
هناك الكثير جداً من الكتابات يمكن إيراد بعضها مثلاً: (حكاية سر الزيت، الكبسولة، صدى القيد، ومضات خلف القضبان، مربع أزرق، أربعون يوماً على الرصيف، زوابع الخنساء في سجون الاحتلال، السلك، الوعد التعذيب في سجون الاحتلال) كتابات عديدة لأحمد قطامش وغيرها الكثير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن